إطار فيينا: ما الذي بقي من بيان جنيف؟
عامر نعيم الياس
في الثلاثين من تشرين الأول الماضي، عقد اجتماع فيينا حول سورية، واعتُبر خرقاً في الملف السوري دبلوماسياً وسياسياً، سواء من حيث هوية الأطراف المجتمعة، أو من حيث البيان الختامي، والذي أطلق عليه الروس حرفياً: «إطار فيينا».
سبعة عشر دولة بمن فيها إيران وقّعت على البيان الختامي إلى جانب الأمم المتّحدة والاتحاد الأوروبي. بيان لم تذكر فيه ولا مرّة كلمة «انتقال»، واستعيض عنها «بالحوكمة» التي تعني تشكيل حكومة واسعة تضمّ أطياف الشعب السوري كافة، وتمثّله تمثيلاً حقيقياً. هنا ينسف الإطار في النمسا البيان الأول في جنيف عام 2012، والذي ينادي «بجسمٍ حكوميّ انتقالي يتمتع بسلطات تنفيذية كاملة»، إذ يجد السياسيون أنفسهم في مواجهة بديل «تأسيس حوكمة شاملة وموثوقة وغير طائفية» من خلال «الانتخابات التي تشرف عليها الأمم المتحدة بناءً على بيان جنيف وقرار مجلس الأمن 2118»، فضلاً عن البند الهام المتعلّق «بضمان» عملية سياسية «بقيادة سورية». هذه العملية التي يشرف عليها السوريون لا تربط بين التسوية المستدامة والحرب على الإرهاب، التي ورد ذكرها في أحد البنود باعتبارها مطلباً مستقلاً وليس مرتبطاً بما قبله أو بعده، كما أنها لا تربط بين مصير الرئيس السوري والتسوية السياسية في البلاد. فنحن اليوم لسنا في مرحلة انتقال للسلطات، بقدر ما نجد أنفسنا في مرحلة تشكيل جسم سياسيّ حكوميّ جامع لأطياف السياسية والشعبية في سورية كافة، على قاعدة التمثيل وتحت جناح الدولة السورية القائمة حالياً، وتتولى هذه الحكومة «ذات المصداقية» تعديل الدستور والتحضير لإجراء انتخابات تحت إشراف «الأمم المتّحدة».
ينادي البيان «ببقاء مؤسسات الدولة» ويُسقط الانتقال من قاموس التفاوض حول مصير سورية وشكلها. وبناءً على ذلك، تحيّد المؤسسات الأمنية والعسكرية من أيّ عملية لتقاسم النفوذ في إطار أيّ حلّ مستقبليّ للأزمة السورية، وهذا يمنح المفاوض عن المحور الموالي لسورية أوراق قوة إضافية في مواجهة دعاة إعادة هيكلة المؤسسات الأمنية والعسكرية.
البيان الذي صدر في فيينا لا إشارة فيه إلى جدول زمنيّ، وهو ما سيترك للجولات الجديدة التي ستستكمل فيينا والمتوقعة هذا الشهر، إذ سيصر الأميركي ومن ورائه السعودي على اختبار نوايا روسيا وإيران عبر التركيز على أمرين، الأول يخصّ المرحلة الانتقالية والجدول الزمنيّ للوصول إليها على اعتبار أن إطار فيينا يشير في بعض بنوده إلى بيان «جنيف1». والثاني، الدعوة إلى وقف إطلاق النار في بعض المناطق السورية.
ويتوقع في هذا السياق العودة إلى حلب مرةً أخرى كما حصل عام 2014 عبر خطة «تجميد القتال» التي اقترحها المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا في حلب، والتي قامت حينذاك على أساس موازين القوى عندما كان الجيش السوري يتقدّم في مواجهة الميليشيات الإرهابية، ثمّ توقّف الحديث عنها عند بدء الهجوم المعاكس لهذه الميليشيات في الشمال السوري.
من المؤكد أن إطار فيينا ليس مرضياً بشكل تام للدولة السورية. فالحديث عن إشراف الأمم المتحدة على الانتخابات لا يزال مرفوضاً حتى اللحظة، وعدم الإشارة إلى قرارات مجلس الأمن المتعلقة بوقف التمويل وإغلاق الحدود في وجه تدفق الإرهابيين، يشكل عامل رفض آخر، فضلاً عن القصد من وراء حكومة شاملة وموثوقة وترجمة ذلك على الأرض. لكن على رغم ما سبق، فإن إطار فيينا يحيّد «جنيف1» بالجوهر، ويؤسّس لمرحلة جديدة من الاشتباك التفاوضي الدولي حول سورية، فيما استمرار العمل العسكري تحت ستارة مكافحة الإرهاب يشكّل محط رهان الأطراف كافة لتغليب تفسير هذا الطرف المفاوض على تفسير الطرف الآخر.
كاتب ومترجم سوري