تكميم الصوت الحرّ وطمس الحقيقة جانب من الحرب على الأمة
محمد ح. الحاج
سياسة رفض الحوار وعدم قبول الرأي الآخر سمة من سمات التخلّف لدول وتنظيمات عديدة على مساحة العالم، مع أنها مدعومة وتستظلّ أطرافاً معروفة بأنها تؤمن بالحوار وتقبل الرأي الآخر ولكن في داخلها، أيّ بين مكوّناتها وأحزابها، ولهذا نلاحظ وجود آراء متعدّدة ومتصارعة أغلب الأحيان بشأن السياسات الداخلية، وربما الخارجية، ولكلّ طرف منها أدواته الإعلامية التي تتسابق في كسب الرأي العام رغم لجوئها إلى الكثير من أساليب وفنون التضليل واعتمادها مشورة مراكز متخصّصة بالحرب النفسية، لكنها لا تلجأ إلى تكميم الأفواه ومنع صوت الرأي الآخر.
الدول المتخلّفة تمارس التضليل والخداع على المكشوف، وشعوب هذه الدول اعتادت سماع الصوت الرسمي صوت سيده وليّ الأمر، وفي الوقت ذاته لا تسمح بظهور صوت للرأي الآخر مهما كان حجم انتشاره، وهي لم تكتف بذلك بل تعمل على شراء الضمائر والأصوات في المحيط الذي قد يؤثر ويفضح زيف مواقفها، كما تلجأ إلى ممارسة عمليات الترغيب والترهيب واللجوء إلى تصفية الخصوم وإنْ كانوا إعلاميّين، أيّ مقاتلين بالقلم والصوت والصورة، أو لمجرّد نقل صورة الواقع والحقيقة من دون تعليق.
تشنّ كتلة الدول الاستعمارية حروبها بطرق حديثة وبأدوات داخلية في عالم المشرق العربي الذي تشكل دمشق وبغداد مركزه وفي محيطهما الطبيعي، وتشارك في هذه الحرب وتموّلها أكثر دول العالم العربي تخلّفاً ورجعية، ما يميّزها عن الدول الأخرى أنها لا تقبل الحقيقة ولا الصوت الحرّ، وإنْ كان مهنياً أو ملتزماً، السعودية مثالاً في موقفها الشائن تجاه «الميادين» القناة التلفزيونية المعروفة بمهنيتها العالية ودقتها في نقل الخبر وتغطيتها الواسعة وانتشارها العالمي، وهو ما وضعها في واجهة العالمية الإعلامية وأثبت قوتها وتأثيرها على مسار الحرب العدوانية المعلنة من قبل السعودية المتحالفة مع الصهيو ماسونية العالمية، العاملة لخدمة مشاريعها، ضماناً لبقاء العائلة، بعد أن ربطت مصيرها بهذه التابعية المكشوفة والعمالة التي لا تتنكّر لها تحت مسمّى التحالف، وهو بطبيعته تحالف ضدّ مصالح شعوب المنطقة، فضحتها مواقفها السابقة تجاه العراق، وحتى الحالية تجاه الشام والعراق معاً وحربها على اليمن خير دليل على ذلك.
قناة «الميادين» بطرحها الحقائق ومجريات الحرب وأسرارها أهدافاً ونتائج والمواقف السعودية المتعنّتة الرافضة لأيّ حوار وطني في اليمن أو في الشام، أحرجت السعودي ودفعته للضغط على شركة «عربسات» التي تشترك المحطة في بث برامجها عبر أكثر من حزمة لوقف هذا البث مستغلة ملكيتها للنسبة الأكبر من أسهم هذه الشركة والضغط على أعضاء مجلس الإدارة وأغلبهم من الدائرين في الفلك السعودي لا أعرف آلية اتخاذ القرار في المجلس لعدم الاطلاع على النظام الداخلي للشركة المذكورة أما من حيث العرف عالمياً فالعقد هو الأساس وقد أعلنت إدارة «الميادين» عدم خرقها لبنود العقد.
الحرب في المنطقة استهداف للمقاومة بكلّ أشكالها، والغاية القضاء عليها ووقف انتشار ثقافتها وإخضاع المنطقة بالكامل للمشروع الصهيو أميركي، وهي تدور على أكثر من محور وبكلّ الوسائل، المحور العسكري أصالة ووكالة، والمحور الإعلامي وقد جنّدت له أعداداً هائلة من المحطات التلفزيونية، والصحف والمجلات عبر العالم وخصوصاً العالم العربي، ونعلم عن جيش من الإعلاميين في أغلب دول العالم العربي، وهؤلاء يروّجون لها ويعملون على تحوير الحقائق مقابل مبالغ طائلة وبعضهم يحصل على تمويل لوسيلته الإعلامية لهذا الغرض، والبعض الآخر تلقى التمويل اللازم لتأسيس وسيلته ووضعها في الخدمة.
«الميادينّ التي لم يمض على انطلاقتها إلا سنوات قليلة أعلنت بصدق عن نفسها وأشهرت سياستها بالانحياز إلى جانب الحق القومي وحق الشعوب في المقاومة والوقوف بوجه الهيمنة والتسلط ونهب الثروات، لكنها أثبتت مهنيتها وقبولها الرأي الآخر باستضافة أعداد كبيرة من الضيوف الذين كان أغلبهم يخرج عن أدب الحوار فيتهجّم ويمارس السباب والشتيمة، إلى أن يجري تنبيهه بلباقة وأدب، فلا يتمّ وقف البث أو قطع الصوت من دون استكمال الحوار، وهو ما فعلته محطات أخرى معي شخصياً في بدايات الأزمة 2011 2012، وبعضها اجتزأ الكلام فحذف ما لا يناسبه، وهذا حصل مع كثيرين ولن أسمّي المحطات، «الميادين» أعلنت انحيازها بشكل صريح إلى الحقّ الفلسطيني، كان هذا ما فعلته محطة «الجزيرة» في بداياتها، لكنها كانت ملغومة إذ تاجرت بالقضية الفلسطينية لكسب الرأي العام، وقد نجحت إلى حدّ بعيد، على غرار الأنظمة التي تبنّتها أو اشترتها لهذا الغرض تماماً، ولم يطل بها الأمر، انكشفت فظهرت وظيفتها وخسرت سمعتها وانتشارها على الأقلّ في العالم العربي وبعض العالم الإسلامي واكتشف أغلبنا أصلها القناة الفضائية اليهودية – JSC .
النظام العائلي السعودي المتخلف الذي اعتاد على تبعية وسائل إعلام عديدة في عالمه العربي يرفض خروج وسيلة إعلامية على رأيه، ونذكر ممارسة شركتي «عربسات» و«نايلسات» تجاه محطات التلفزة السورية «الدنيا» و«الإخبارية» فقط لأنهما كانتا تنقلان الحقائق والوقائع من الشارع مباشرة، ومارستا فضح ونشر اعترافات الكثير من أدوات المؤامرة، وقد يبدو واضحاً الفرق بينهما وبين «الميادين» أنهما محطتان حكوميتان أو مواليتان على الأقلّ، فيما تشكل «الميادين» شركة مساهمة غير حكومية ولها مجلس إدارة مستقلّ، لكن فعلها تفوّق من حيث الأداء على باقي المحطات ذات اللون والاتجاه الواحد، «الميادين» لم تجد حرجاً في استضافة أعداء المقاومة وبعض الذين يتبنّون أو يخدمون المشاريع المشبوهة وبذكاء إدارتها ومهنية أفرادها كشفت سطحية هؤلاء وانحيازهم ضدّ أوطانهم وشعوبهم لقاء مكاسب شخصية أو غايات أخرى لا تمتّ بصلة إلى الوطنية أو الحق.
الذريعة الواهية التي أخذها على «الميادين» مجلس إدارة القمر العربي استضافة ضيف ايراني ليست هي القضية بالمطلق، ولا ما قاله، الموضوع تراكم إنجازات «الميادين» وقدرتها المتفوّقة في الوصول إلى أوسع شريحة في العالمين العربي والإسلامي ووصولها بهذه السرعة إلى العالمية، وهذا نتاج التزامها المصداقية ونقل الحقائق والانحياز إلى الحق، والإدارة السعودية ليست من اكتشف وتنبّه إلى خطورة أداء «الميادين»، بل هي مراكز الأبحاث الغربية التي تقدّم المشورة وتقترح الإجراءات احتواء «الميادين» وحرفها عن رسالتها أمر مستحيل، إذاً: لا بدّ من وقفها…! وهذا اجراء لا يمكن تطبيقه في عالم حرية الرأي والتعبير في كلّ أنحاء العالم، وهناك جملة من القوانين تحول دونها وتفرض غرامات باهظة وتعويضات للجهة المتضرّرة في حال تعطيلها، ويمكن لـ«الميادين» اللجوء إلى إقامة الدعوى أمام جهة ربما نصّ العقد عليها أو إلى محاكم دولية وهي ستربح الدعوى.
تطوّر الوعي الإعلامي عند المواطن العربي والمشرقي بشكل عام، وما تنقله «الميادين» إلى الجنوب الأميركي، يشكل الجانب الأهمّ في عمليات الدفاع، أو الهجوم المعاكس لانتصار قضية الحق، وهذا ما يدفع بالمواطن السوري في كلّ كياناته الشام ولبنان وفلسطين والعراق والأردن والكويت وكلّ المناطق السليبة والمغتصبة إلى الوقوف ورفع الصوت عالياً:
مع «الميادين» منذ انطلاقتها… كنا،
مع «الميادين»… سنبقى، وفي كلّ الميادين،
لأنها الصوت الحرّ، صوت المقاومة وصوت الحقيقة.
الخزي والعار لموقف مجلس إدارة شركة «عربسات».
هامش: قبل الانتخابات الأخيرة قامت الشرطة التركية بتوجيه من قيادة حزب العدالة والتنمية بمهاجمة محطات تلفزيونية وصحف تركية معارضة للحزب ووضعت اليد عليها… العدالة والتنمية التركي وجه آخر يمثل الوهابية الرافضة لحرية الرأي وهذا يتناقض والعلمانية التركية.