أميركا عارية بلا رتوش
راسم عبيدات
أظن أنه بعد لقاء أوباما – نتنياهو وتصريحات أوباما بأنّ «لـ «إسرائيل» الحق في الدفاع عن نفسها»، وبأنه «يدين العنف الفلسطيني ضدّ المدنيّين الإسرائيليّين»، فإنه لم تعد هناك حجة لأيّ من عربان ثقافة «الاستنعاج» وما يسمّى بـ»الواقعية والعقلانية السياسية العربية»، وكذلك اللاهثون خلف المفاوضات من شعبنا الفلسطيني، بأنّ أميركا في يوم من الأيام يمكن ان ترى الأمور ولو قليلاً بعيون عربية أو فلسطينية، فـ»الخليفة» أوباما الذي طبّلتم وزمّرتم له، وجنّدتم وسائل إعلامكم وسياسييكم ومثقفيكم من أجل حشو أدمغة وعقول شعبنا العربي والفلسطيني، بأنّ عهده سيشكل انطلاقة جديدة في العلاقات العربية – الأميركية، وبأنه ربما يقيم لنا دولة «الخلافة»، قد سقطت بشكل نهائي، فرغم كلّ «الخوازيق» و»الصفعات» التي وجهها أوباما لمنطقتنا العربية وقضيتنا الفلسطينية، منذ أول تصريح أطلقه من على منصة جامعة القاهرة بأنه سيعمل على إقامة دولة فلسطينية، والذي سرعان ما اكتشفنا أنه ليس أكثر من كاذب مخادع، حيث ظهر على حقيقته بأنه أشدّ تطرفاً من «الإسرائيليين»، ورغم أننا كنا نتلقى منه الصفعة تلو الصفعة، والتي كانت الدورة السبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة، تظهره على حقيقته، ففي خطابه من على منصتها لم يتطرّق الى القضية الفلسطينية لا من قريب ولا من بعيد، ولم يتحدث عن إنهاء الاحتلال «الإسرائيلي»، ومع اندلاع الهبّة الشعبية الفلسطينية في 13/9/2015، على إثر اقتحام المتطرف أوري ارئيل وزير الزراعة الصهيوني مع ثلاثين من المستوطنين المتطرفين للمسجد الأقصى، كواحدة من الأسباب التي لعبت دوراً بارزاً في هذه الهبّة، وجدنا الإدارة الأميركية تصف هذا بـ»الإرهاب الفلسطيني»، وتتصل بالرئيس أبو مازن عبر وزير خارجيتها جون كيري ليطلب منه إدانة أعمال «العنف الفلسطيني». وقاحة ليس بعدها وقاحة، ورغم كلّ ذلك ظلّ دعاة الانبطاح والاستسلام ومروّجو ثقافة الخوف و»الاستنعاج» يقولون إنّ أميركا «حبيبتنا» وبدونها لا «عيش» لنا، نعم هؤلاء المرتجفون والمصابون بعقدة «الارتعاش» السياسي الدائم من أميركا، غير قادرين على امتلاك قرارهم وإرادتهم السياسية المستقلة، ولا تعزّ عليهم لا كرامتهم ولا حقوقهم، ولذلك مهما «جعجعوا» ورفعوا من «عقيرة» أصواتهم فأميركا و»إسرائيل» تعرفان جيداً أنهم لا يعنون ما يقولون، فهم فقط يريدون تهدئة شعوبهم الثائرة وامتصاص غضبها ونقمتها، أما في السرّ فهم حريصون على أوثق علاقة مع أميركا وحتى مع «إسرائيل»، والتنسيق والتحالف معهما.
التقى أوباما ونتنياهو، وكان اللقاء أكثر من حميم، ولم يترك أيّ فرصة لعربان ثقافة «الاستنعاج» و»الحياة مفاوضات»، بأن يتحدّثوا عن خلافات أميركية «إسرائيلية» عميقة، ولم يمنحوهم فرصة التهليل والتطبيل لذلك، أوباما أكد علاقة بلاده الاستراتيجية بـ»إسرائيل»، والالتزام بأمنها وتفوّقها عبر صفقة مساعدات عسكرية ضخمة وغير مسبوقة لـ»إسرائيل»، عبر تزويدها بأحدث ترسانة السلاح الأميركي بما فيها طائرات «اف 35»، كتعويض لها على توقيع الاتفاق النووي مع إيران، وفي المقابل عرض نتنياهو رؤيته للوضع واستبق ذلك اللقاء بإعلان بناء 2200 وحدة استيطانية في مستوطنة «معاليه مخماس» القريبة من رام الله، تأكيداً على أنه ماض في مشاريعه الاستيطانية ولا يلتفت إلى المفاوضات مع السلطة، وإذا أرادت العودة للمفاوضات فعلى أساس مشروعه المتوافق عليه مع أوباما، تحسين شروط وظروف حياة الفلسطينيين تحت الاحتلال وبأموال عربية ودولية مع تكريس وشرعنة الاحتلال، فهو يرى أنّ الظروف مؤاتية له لتنفيذ مشاريعه ومخططاته، ولا يأبه بقرارات وزراء الخارجية العرب في دورتهم الاستثنائية في الرياض، فهو يدرك تماماً أنها ليست للتنفيذ، بل للتنفيس، فالمبادرة العربية للسلام، رحّلت وترحّل من قمة عربية الى أخرى منذ إقرارها في قمة بيروت 2002، ويجري الهبوط بسقفها من أجل أن تقبل بها «إسرائيل»، ولكن لا حياة لمن تنادي، وما نفع الموقف السياسي العربي الداعم للشعب الفلسطيني على المستوى النظري من دون أن تكون له أية ترجمات عملية، وبدون أن يكون هناك تغيير جدّي وجذري في المواقف العربية من التعامل مع أميركا، وعلى قاعدة المصالح؟ فعندما تشعر أميركا بأنّ مصالحها ومشاريعها في المنطقة قد تتعرّض للخطر، فعندها سنجد أنّ أميركا ستضع العرب في حساباتها وتأخذ بعين الاعتبار مصالحهم ومواقفهم في قراراتها ومواقفها، ومن دون ذلك فستتعامل معهم على قاعدة أنّ الأموال التي يدفعها لها عربان الخليج هي حق لها وواجب عليهم دفعه لها كجزء من مشروع حمايتها لهم، وهم ليس لهم الحق في التقرير في أية قضية تتعارض مع المصالح الأميركية، بل وحتى في قضاياهم الداخلية، فأميركا رسّخت في عقولهم أنّ الخطر على عروشهم هو من إيران وليس من «إسرائيل» التي تحتلّ الأراضي العربية، ولذلك طلبت منهم ضخّ المال والسلاح والرجال من أجل تنفيذ مشروعها «الفوضى الخلاقة»، وبالفعل المال والسلاح والرجال التي أرسلت وضخت الى ما يُسمّى بـ»الثوار والمجاهدين» من عصابات الإرهاب والقتل والتخريب في ليبيا وسورية والعراق، لو أرسل جزء بسيط منها كما قال السيد حسن نصرالله الى فلسطين لتغيّرت المعادلة جذرياً ولتحرّرت فلسطين.
لا يجوز ولا يحق لنا كعرب وفلسطينيين أن نستمرّ في التعامل مع أميركا على نفس القاعدة والمنوال، فأميركا من دون أي «رتوش» هي عدو العرب والفلسطينيين الأولى، وبتوصيفات الراحل القائد القومي والوطني الكبير الدكتور جورج حبش، فهي تشكل رأس الحية، فالمبادرة العربية لم يعد لها سوق وأصبحت بضاعة فاسدة لا يوجد من يشتريها، وكذلك مجلس الأمن والجمعية العامة، الأول مغلق على أيّ قرارات أو عقوبات قد تتخذ ضدّ «إسرائيل» ولمصالح شعبنا الفلسطيني ومنطقتنا العربية، حيث «الفيتو» الأميركي والأوروبي الغربي، والجمعية العامة الأدراج والأرشيفات امتلأت بالقرارات التي لم تتفّذ منذ عشرات السنين.
ولذلك من المهم جداً بناء استراتيجية عربية جماعية، تقوم على أساس مصالح العرب كأمة أولاً ومصالح الشعب الفلسطيني ثانياً، ولا حماية أو تأمين للمصالح الأميركية في المنطقة إلا بالاستجابة للحقوق والمصالح العربية، وهذا يتطلب مغادرة عقدة «الارتعاش» السياسي في التعامل مع أميركا، عدم التعامل بدونية معها، وكذلك حماية القدس والأقصى لا تتأتى بالبيانات والشعارات واللغو والإنشاء الفارغين، بل يجب ضخّ جزء من المليارات التي يستولى عليها من قبل الأميركيين والأوروبيين الغربيين، أو التي ترسل الى العصابات الإرهابية والتكفيرية الى فلسطين من أجل دعم أبنائها وتعزيز وجودهم وصمودهم وبقائهم، ولو كانت هناك إرادة عربية لتمّ شراء معظم بيوت القدس في البلدة القديمة ومحيطها ووقفها إسلامياً لمصلحة المقدسيّين والعرب، ولجرى دعم التجار المهدّدين بمصادر رزقهم وإغلاق محلاتهم التجارية في البلدة القديمة.
وختاماً نقول إنه يجب على الفلسطينيين والعرب بعد لقاء أوباما نتنياهو مغادرة الرهان بشكل كلي على أيّ حياد أميركي أو طرحها لأي مشاريع سياسية تلامس الحدود الدنيا من حقوق شعبنا الفلسطيني في حقه بدولة مستقلة على كامل الأراضي المحتلة عام 1967، وعودة لاجئيه الى أرضهم التي شرّدوا وطردوا منها، ولا بدّ من بناء استراتيجية سياسية عربية فلسطينية جديدة عبر صوغ شبكة علاقات وتحالفات جديدة مع روسيا والصين ودول «بريكس» تمكن من حماية حقوقنا ومصالحنا واستعادة أراضينا المحتلة في الجولان وفلسطين ومزارع شبعا وغيرها.
Quds.45 gmail.com