تسوية اليوم الأخير تنقذ الموقف ولا تخلط الأوراق
هتاف دهام
لأنّ لبنان بلد التسويات الطائفية والسياسية، وعلى قاعدة «لا يموت الديب ولا يفنى الغنم»، نجحت محادثات جدّة بين رئيس تيار المستقبل سعد الحريري ورئيس الحكومة تمام سلام والوزيرين جبران باسيل وعلي حسن خليل بالتشاور مع رئيس مجلس النواب نبيه بري هاتفياً، والتي كانت سبقتها اتصالات مكثفة أجرتها الضاحية الجنوبية على خط عين التينة ـــــ الرابية، في التوصل إلى تسوية يخرج الجميع منها رابحاً، على قاعدة أن تُعقد الجلسة التشريعية في موعدها اليوم، وأن يتمّ إقرار قانون البلديات الذي يتضمّن تحرير أموال البلديات من عائدات الخلوي منذ العام 1994 إلى اليوم من دون حسومات، وإقرار قانون استعادة الجنسية، وأن يطرح أحد النواب قانون الانتخاب ويفتح نقاش على أثر ذلك يُفضي إلى إعادة تشكيل لجنة على أن تُعطى مهلة محدّدة لإنجاز القانون ومن ثمّ إقراره، وإلا لا تشريع كما تعهّد الحريري الذي يظنّ أنه دخل على خط الضغط على الرئيس بري بتغريدة عبر «تويتر» قال فيها: «إنّ تيار المستقبل سيشارك اليوم ولن يحضر أيّ جلسة بعدها لا تُخصّص لقانون الانتخاب»، برغم معرفة الحريري نفسه بأنّ رئيس المجلس هو الأكثر حرصاً على قانون الانتخاب.
نضجت التسوية في جدّة واستكمل بحثها في بيروت بين عين التينة والرابية بالتشاور مع حزب الله، الذي كان له دور كبير على صعيد تظهير هذا الحلّ، رغم ما قاله الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله من أنّ العمل بالقطعة أصبح منهِكاً وغير مجدٍ، وقد حان أوان الذهاب إلى التسويات الكبرى، من دون أن يعني ذلك التخلي عن الثوابت.
أما معراب فكانت تلقّت اقتراحات الحريري ليل أول أمس وتفاوضت في شأنها مع موفد رئيس تكتل التغيير والإصلاح النائب إبراهيم كنعان الذي زارها منتصف الليل، ولذلك أكد جعجع «أنّ الحريري أنقذ الموقف وأنّ القوات ستشارك في الجلسة».
لقد أنقذت تسوية اليوم الأخير الموقف ولم تخلط الأوراق. وأعلن العماد عون مشاركة التكتل في الجلسة، وقال: «اليوم هو يوم سعيد ويوجد اتفاق شامل على قانون الجنسية وقانون البلديات وقانون الانتخاب وما تبقى أمور تفصيلية».
وعليه، لن يكون بعد الجلسة التشريعية التي تُعقد اليوم ويشارك فيها نواب التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية لإقرار جدول الأعمال المحدّد من هيئة مكتب المجلس، أيّ جلسة تشريعية أخرى لا يكون في جدول أعمالها اقتراح أو مشروع قانون انتخاب، ما يعني أنّ ما ورد في محضر الجلسة التي حصل فيها التمديد الأول، أنه لن تكون هناك أيّ مقاربة لتعديل قانون الانتخابات الراهن في مجلس النواب أو إقرار قانون جديد قبل انتخاب رئيس الجمهورية، أصبح غير ذي موضوع وساقطاً لجهة الأولوية التي أرساها من دون أن يكون هذا الإرساء قد اتخذ شكل قرار أو توصية، وهذا يعني عملياً وقانونياً أنّ قانون الانتخاب الذي هو المرتكز النصيّ الأول لإعادة تكوين السلطة في الأنظمة الديمقراطية البرلمانية هو القانون الذي يتمتع بالأولوية المطلقة في أيّ تشريع، وأنه لن يكون دونه تشريع لأحد سواء في العقد العادي الذي ينتهي في 31 كانون الأول المقبل، أو في أيّ عقد استثنائي.
إنّ من شأن هذه الأولوية التشريعية، كما يقول مصدر مطلع مقرّب من الرابية لـ»البناء» أن تتيح الظرف جدياً لسنّ قانون انتخاب يتوافق ومقتضيات وثيقة الوفاق الوطني لجهة صحة التمثيل الشعبي وفعاليته. هذا هو الإنجاز الأهمّ لما حصل أمس مع العلم أنّ أول من نادى بتشريع الضرورة هو العماد عون من منبر الرابية، وبالتالي سوف تُسنّ اليوم قوانين مالية دائمة كمشاريع القوانين المتعلقة بمكافحة تبييض الأموال وتوزيع عائدات الخلوي مباشرة من وزارة الاتصالات إلى البلديات وتعديل المادة 55 من قانون الضريبة على القيمة المضافة. وهو مطلب أساس لتكتل التغيير والإصلاح فضلاً عن قوانين تتعلّق بمصلحة الدولة العليا وعلى رأسها استعادة الجنسية للمتحدّرين من أصل لبناني حفاظاً على الهوية في أزمات اندثار الهوية الوطنية في المنطقة والقوانين المعيشية كسلامة الغذاء وما شابه. أما الإنجاز الآخر والأهمّ، كما يقول المصدر فهو أنّ الجلسة التشريعية المرتقبة اليوم قد حافظت على شرعيتها الميثاقية، وقد أصبح من الثابت والمعتمَد وطنياً وكيانياً أنه لا يمكن استبعاد أيّ مكوّن في الوطن عن القرار التشريعي أو الإجرائي، وفي المحصلة ما تمّ ربحه في الأساس على الصعيد الوطني، لم يهدر الشكل، إذ تمّ الحفاظ على موعد جلسة تشريع الضرورة وجدولها الذي هو استثناء على قاعدة عدم جواز التشريع في غياب الرئيس.
ومن المفترَض أن تجتمع اللجان المختصة لاستكمال درس اقتراحات ومشاريع القوانين الانتخابية، من دون أن يعني ذلك إحياء لجنة التواصل رغم أرجحية إحياء لجنة مصغّرة، فكفانا كما يقول المصدر لجاناً خارج إطار اللجان النيابية وتكفينا حوارات تعمل خارج المؤسسات الدستورية، فالإعارة والاستعارة في الأنظمة التي تبحث عن تماسك في الأزمات، لا يمكن الاستكانة إليهما كلياً باستثناء الحوارات الثنائية أو الثلاثية أو الجامعة بين القادة في إطار ما يُسمّى التسويات الكبرى والجامعة.
وإذا كان السيد نصرالله دعا القوى السياسية والأطراف اللبنانية لتسوية سياسية داخلية تقارب كلّ العناوين الأساسية على قاعدة السلة الكاملة وربط ملفات الحوار ببعضها كسلة متكاملة تؤمّن تنازلات متبادلة بين الأطراف، وتحقق تفاهماً على قاعدة الحزمة المتكاملة بين مجموعة عناوين أساسية تبدأ برئاسة الجمهورية والحكومة ومجلس النواب، فهو أعطى القانون الانتخابي أهمية استثنائية كعنوان مؤسس لإنتاج السلطة والمؤسسات ورسم معالم المرحلة السياسية المقبلة، وكان واضحاً أنّ قانون الانتخاب لا يُطرح في إطار بازارات سياسية شعبوية أو من خلال المزايدة، بل هو عنوان يحتاج إلى آراء الجميع ومشاركتهم، خاصة أنه منظومة الأمان التي تحفظ المقاومة وتضحياتها ودورها في المرحلة المقبلة، وهذا التركيز على قانون الانتخاب وربطه بحماية المقاومة يظهر أنّ هذا العنوان هو استثنائي إزاء العناوين الأخرى، ولا يمكن أن يُرتجل في خضمّ صراع سياسي يومي.
لا يأتي طرح السيد نصرالله صدفة، في لحظة داخلية مأزومة وفي لحظة إقليمية يقوى فيها الصراع على الميدان وموازين القوى وتغرق الدول بأزماتها وحروبها الداخلية، إنما يأتي ليمثل حالة تحدّ للقوى السياسية والمتخاصمة مع حزب الله، وهو بهذا الطرح ينفي عملياً أيّ رغبة في الإطاحة بالطائف أو بالدعوة إلى مؤتمر تأسيسي، وينفي أن يكون الدافع وراء أحداث 7 أيار اتفاق الدوحة، بل يعيد توصيفها بدقة بأنها كانت نتيجة قراري 5 أيار، وإنْ كانت أدّت كنتيجة إلى الدوحة، وهو بالتالي أسقط كلّ التهم الموجهة إليه ورسم حدود التسوية الداخلية عبر دعوته أن يكون الحوار إما على شاكلة الحوار الدائر في المجلس النيابي أو أيّ صيغة أخرى يُتوافق عليها وأهمية هذا العنوان في توقيته الداخلي والإقليمي، وفي تأكيد حزب الله على اليد الممدودة وتشديده على مفهوم الشراكة في الداخل والابتعاد عن الرهانات الإقليمية.