حظر تجوّل النازحين حتى تسليم المسؤولين عن التفجير… والجيش لن يتهاون

محمد حمية

منذ اندلاع الأزمة في سورية، وعرسال قابعة على خطّ التفجير الأمني، ولم تعرف الهدوء الكامل يوماً. لا بل لطالما كانت وما زالت مهدّدة دائماً بأحداث أمنية جديدة.

لعبت الجغرافيا والديمغرافيا دوراً في تحويل هذه المدينة إلى هدف للجماعات المسلّحة، وبالتالي إلى قاعدة لوجستية خلفية لهم للانطلاق بعمليات ضدّ الجيش السوري، نظراً إلى قربها من الحدود المتداخلة بين لبنان وسورية، وتعاطف عدد كبير من سكانها بدايةً مع ما سمّي «الثورة السورية»، لتشكّل ملجأً للمعارضة السورية المسلّحة. إلا أن اجتياح عرسال صيف 2013 من قبل المجموعات المسلّحة وما تخلّله وتلاه من ممارسات إرهابية ضدّ أهالي البلدة والجيش، دفع الأهالي إلى إعادة النظر في تعاطيهم مع المسلّحين، لتشهد البلدة حوادث أمنية واشتباكات عدّة بين الأهالي والمسلّحين، حتى أعلن وزير الداخلية نهاد المشنوق السنة الماضية، أن «عرسال مدينة محتلة».

الخميس الماضي، هزّ البلدة انفجار استهدف ما يسمى «هيئة علماء القلمون»، قُتل فيه سبعة أشخاص بينهم رئيس الهيئة الشيخ عثمان منصور، وأصيب ستة آخرون بجروح، وذلك في محلة السبيل في البلدة. وبعد أقل من 24 ساعة على التفجير، استهدفت عبوة ناسفة ملالة للجيش اللبناني في «رأس السرج» في عرسال، أدت إلى إصابة خمسة عسكريين بإصابات طفيفة، ونفّذ الجيش على إثر ذلك عمليات مداهمة لمخيمات اللاجئين قرب مكان الانفجار، كما قصف مواقع المسلّحين في الجرود، ودارت اشتباكات بينه وبين مسلّحين في محلة «خلف الجفر» في البلدة.

فما هي حقيقة الوضع الأمني في عرسال بعد التفجيرين المتتاليين الأسبوع الماضي؟ وهل يتكرّر سيناريو اجتياح عرسال عام 2013، أم أنّ الجيش سيكون بالمرصاد لمخططات المسلّحين؟ وما حال المزاج الشعبي العرسالي؟

التفجيران الأخيران خرقا الهدوء الحذر الذي ساد في الآونة الأخيرة ليزيد منسوب الخطر بعد المعلومات التي تحدّثت عن تسلل جزء من المسلّحين في الجرود إلى داخل البلدة. وكشفت المصادر عن تحركات للمسلّحين ترصد في شوارع البلدة ضمن سيارات داكنة للتخفّي عن عيون استخبارات الجيش، فيما يخرج بعضهم علناً في الشوارع كاشفين عن أشكالهم وزيّهم ولحاهم الطويلة.

الغالبية العظمى من العراسلة يتعاطفون مع الجيش، ويعلنون ولاءهم للدولة اللبنانية وينبذون التطرّف والإرهاب. وهم الآن ـ وبقرار شخصيّ ـ يضعون اليد على زناد سلاحهم الفرديّ لمساعدة الجيش في الدفاع عن بلدتهم.

رغم انتشار الجيش على أطراف عرسال، وعمليات المداهمة التي ينفّذها في مخيمات النازحين، وقصف مواقع المسلّحين وتسيير الدوريات في البلدة، إلا أن خطّ التموين اللوجستي للمسلّحين من عرسال إلى الجرود لم يتوقف. فيومياً يصل إلى المسلّحين في الجرود أربعة آلاف ربطة خبز فضلاً عن الوقود والذخائر، حيث يتواجد ثلاثة آلاف مسلّح هناك. أما مخيم النازحين فقد تحوّل إلى قنبلة موقوتة، إذ يؤوي أربعين ألف نازح من ضمنهم خلايا نائمة ستخرج في أيّ وقت بعد تلقيها إشارة خارجية. وما حصول التفجيرين الأخيرين ضمن الأراضي اللبنانية وفي عرسال تحديداً، وإطلاق النار على الجيش من داخل المخيم، إلا دليل على الحرية التي يتمتع بها المسلّحون في البلدة ومحيطها، والتي تحولت صندوق بريد لتنظيمَي «النصرة» و«داعش»، الذي بعث برسائله التفجيرية «أن القرار لي وأنا صاحب النفوذ في الجرود»، و«أن اجتياح عرسال هدف دائم وقادم».

على رغم الخطوط الحمراء التي رسمتها قوى سياسية محلية بقرار خارجي للجيش، أولها عدم دخول البلدة والانتشار في داخلها، إلا أن قراراً صارماً اتخذه الجيش بمنع دخول النازحين السوريين وخروجهم من عرسال وإليها، حتى تسليم المسلّحين المسؤولين عن التفجير الأخير ضدّ الجيش. كما حسم الجيش بأنه لن يتعامل مع الإرهابيين الا بالمدفع، أما السيناريو الأسوأ، فهو احتمال تكرار محاولات اختراق المسلّحين مناطق ضعيفة، لا سيما في القاع ورأس بعلبك والفاكهة، أو سيناريو «عرسال 2».

الواقع الجغرافي

يستعرض الخبير الاستراتيجي الدكتور هشام جابر في حديث إلى «البناء»، الواقع العرسالي جغرافياً وديمغرافياً وعسكرياً، ووضعية المجموعات المسلّحة وحركتها فيها. ويؤكد أنّ عرسال أكبر مدينة في البقاع الشمالي، وسكانها من الطائفة السنّية، فيما يشكل البقاع الشمالي مجموعة من القرى يقطنها مواطنون من الطائفة الشيعية وأخرى مشتركة مسيحية ـ إسلامية كقرى رأس بعلبك والفاكهة، وصولاً إلى القاع، وانتقلت المجموعات المسلّحة منذ بدء الأزمة السورية إلى عرسال تحديداً لأنها رأت فيها بيئة حاضنة. لكن ذلك لا يعني أنّ أهالي عرسال هم بيئة حاضنة للإرهابيين، إنما معظمهم موالون للدولة اللبنانية، وهناك أكثر من 1500 عسكري في الجيش والقوى الامنية الأخرى، لكن الدول المنخرطة في الحرب على سورية استطاعت استثمار هذا الواقع، وزرعت مجموعات تابعة لها داخل البلدة، ما جعل ستمئة مسلّح يسيطرون على سكان البلدة البالغ عددهم أكثر من أربعين ألف نسمة. ويوضح جابر أنّ الجيش لم يستطع بدايةً دخول عرسال نظراً إلى وجود قرار سياسي بضغط خارجي سعودي ـ قطري، ما جعل من عرسال شوكة في خاصرة محور الممانعة، وأضحت رهينة في يد الجماعات المسلّحة، وورقة مهمة لاستعمالها عند الحاجة. وبالتالي إنهاء هذه الظاهرة الإرهابية يفقد قطر والسعودية وقوى أخرى هذه الورقة، لكن الأكثرية الساحقة من أهالي عرسال تتمنى دخول الجيش غداً، والقضاء على المجموعات المسلّحة.

ويحذّر جابر من خطر مخيم عرسال الذي يؤوي أربعين ألف نازح من ضمنهم خلايا نائمة ومقاتلون محتملون يخرجون في أيّ وقت بعد تلقيهم إشارة خارجية. ويؤكد أن حزب الله لن يدخل إلى عرسال بسبب الحساسية الطائفية، إنما يعمل على حماية القرى الشيعية، وهي جبهة حدودية مساحتها 50 كيلومتراً مربعاً وترك للجيش باقي المناطق، لأن الجيش لا يستطيع حماية كل المنطقة الحدودية، فهو موجود في رأس بعلبك وجرود الفاكهة وجرود عرسال وجرود القاع، واستطاع الجيش بانتشاره على مداخل عرسال الغربية أن يمنع خروج السيارات المفخّخة والمقاتلين. لكن، على رغم وجوده في الجهة الشرقية، لم يمنع التمويل اللوجستي للمسلّحين من عرسال إلى الجرود مئة في المئة.

ويلفت جابر إلى أنه بعد هجوم الجيش السوري وحزب الله على القلمون السوري، تم تحرير هضبة القلمون التي يبلغ مساحتها أربعين كيلومتراً مربعاً، تبدأ بقارة ـ طريق حمص، والنبك ودير عطية، وصولاً إلى الزبداني. ولم يُحرَّر كامل القلمون. وبين هذه الهضبة والحدود اللبنانية فجوة وأرض متعرّجة تصطدم بسلسلة جبال لبنان الشرقية، وتؤوي ثلاثة آلاف مسلّح يعيشون في الأودية والكهوف، ولم يستطع الجيش السوري السيطرة عليها لطبيعتها الجغرافية الصعبة، لكن تقدّم الجيش السوري وحزب الله إلى جرود القلمون، دفع هؤلاء المسلّحين للّجوء إلى الرئة اللبنانية، أي إلى عرسال.

ويضيف جابر: الجيش موجود على أطراف عرسال، وهو يقوم بدوريات على الطريق الرئيسة في البلدة. إلا أنه من غير المسموح له أن يدخل إلى الطرق الفرعية، ويتجنب كمائن المسلّحين، ما يعني أن انتشاره شكليّ واستعراضيّ أكثر من كونه أمنياً، لأنه لا يستطيع أكثر من ذلك بسبب القرار السياسي.

الجيش خطّ أحمر

يتوجّس أهالي عرسال ظاهرة التسلّح الغريبة عن بلدتهم، ويتخوّفون من التسلّح في مخيّمات النزوح، وذلك بعد حادثة إطلاق النار الأخيرة من أحد المخيمات على الجيش اللبناني واستهداف إحدى مدرّعاته مؤخراً، وحينذاك داهم الجيش المخيم واعتقل ثلاثة أشخاص لهم صلة بالاعتداء، تقول مصادر من أهالي عرسال وفاعلياتها لـ«البناء». وتضيف المصادر أن تداعيات التفجيرين الأخيرين أرخت بثقلها على أهالي عرسال وسط شكوك في أن هناك من يعمل على تكرار مشهد اجتياح عرسال في آب 2013، بعد أشهر من الهدوء الذي خيّم على المدينة.

وتُجمع فاعليات المدينة على أن القوى الأمنية وعلى رأسها الجيش اللبناني خطّ أحمر، ويرفض الأهالي التعرّض له مهما بلغت الأمور حدّة. وتتابع المصادر: إن المسيرة التي سيّرها طلاب مدارس البلدة باتجاه الجيش اللبناني، خير دليل بالنسبة إلى العراسلة على أن الجيش اللبناني خطّ أحمر. وأشارت إلى أن التداعيات الأمنية تفرض حالاً من الاستنفار الجماعي وسط أهالي البلدة ومشايخها، لتدارك تبعاتها وامتصاص نتائجها، ولمنع التحرّكات المناهضة للجيش مع كل حدثٍ أمني، و«لتفويت الفرصة على المريدين بنا سوءاً أو الإيقاع بين العراسلة والجيش اللبناني، الذي نعتبر جنوده من أولادنا».

وتعتبر المصادر أنّ وجود «داعش» و«النصرة» في عرسال خلق بلبلة وتخوّفاً جدّياً داخل البلدة، مع الحديث عن إمكانية تواجد مندسّين مسلّحين داخل مخيمات النزوح لتوريط البلدة وأهاليها في أحداث أمنية، نظراً إلى الكمّ الهائل وبأعداد كبيرة منهم، محذّرين من وجود خطط لتفجير الوضع في عرسال وتحديداً «داعش».

الجيش قادر على المواجهة

وفي السياق، يعبّر عضو «كتلة المستقبل» النائب عاصم عراجي عن استنكاره التفجير الإرهابي الذي استهدف دورية للجيش. مبدياً خشيته من أن يتسلل إرهابيون إلى داخل البلدة وينفّذوا عمليات إرهابية في مناطق متعدّدة. لكنه مطمئنّ إلى أن وجود الجيش الذي يدخل إلى كل المواقع في عرسال، يداهم مخيمات النازحين السوريين ويحدّ من نجاح خطط الإرهابيين.

وأشار عراجي إلى أنّ الجيش، خلال الفترة الماضية، تمكّن من إيقاف عددٍ من العمليات الإرهابية الكبيرة في كل لبنان، كما استطاع الحدّ من انتشار المجموعات الإرهابية على الأراضي اللبنانية، لا سيما في عرسال التي تقع في منطقة متفجرة من سورية إلى العراق. مشدّداً على أن الأولوية اليوم للاستقرار الأمني في ظل اللااستقرار اقتصادياً ومالياً الذي يعيشه لبنان.

وإذ اعتبر أن الوضع الأمني في منطقة البقاع بشكلٍ عام متوتر نتيجة «عدم تطبيق الخطة الأمنية»، أوضح عراجي أنه لا يمكن منع كلّ عمليات التسلل التي يقوم بها الإرهابيون على الحدود بين لبنان وسورية، أو منع استهداف بعض المواقع. لكنه لمس استقراراً ملحوظاً في عرسال وجوارها قياساً مع الفترة الماضية، إذ إنّ العمليات الإرهابية تقلّصت، واعتداءات الإرهابيين على أهالي عرسال تراجعت كثيراً، وأيضاً تفجير السيارات المفخخة. بينما أصبح الجيش أكثر جهوزية وانتشاراً، وامتلك وسائل مراقبة أكثر.

وأكد أنّ الجيش قادر أن يصدّ الاعتداءات الإرهابية بالتعاون مع أهالي عرسال، المدينة التي تشكل بيئة متعاونة مع الجيش بعكس ما يدّعي كثيرون، لأن أهاليها أكثر المتضرّرين من الوجود المسلّح. فالأهالي يتوجهون إلى مناطق بعيدة للطبابة وموارد الرزق تكاد معدمة، وإذا أولتهم الدولة اهتمامها ستجدهم أناساً طيبين ويحبون أرضهم ووطنهم، وينبذون الفكر الإرهابي المتطرّف.

ورجّح عراجي أن يكون تنظيم «داعش» قد نفّذ عملية تفجير الهيئة الشرعية لأنها على تواصل مع الأجهزة الأمنية اللبنانية لمحاولة التوسط مع «النصرة» في ملف العسكريين المخطوفين من أجل إطلاق سراحهم، لأن لا مصلحة لـ«داعش» في تواصل هذه الهيئة مع الجيش.

واعتبر أن قيام الجيش بدوره في الفترة الأخيرة بشكل جيد ورصده حركة الإرهابيين واستهدافهم في الجرود، كل ذلك جعله هدفاً لهم بعدما ضاقوا ذرعاً من إجراءاته الصارمة. لذلك، عملوا على استهدافه بالتفجير الأخير، وسيحاولون استهدافه مجدداً. مؤكداً أن عدداً من أهالي عرسال وبقرار شخصي، يحملون السلاح الفردي لمساعدة الجيش في الدفاع عن أنفسهم وأرزاقهم ومنازلهم.

الوضع يزداد خطورة

وأوضحت مصادر من داخل البلدة لـ«البناء» أنّ الهدوء الحذر يخيّم على عرسال بعد التفجيرين الأخيرين. لكنها حذّرت من أن الوضع في عرسال أخطر من السابق بسبب تسلّل جزء من المسلّحين في الجرد إلى داخل البلدة.

وأشارت إلى أن المزاج الشعبي العرسالي تغيّر عما كان منذ بداية الأزمة السورية. وخروج تظاهرات من البلدة تأييداً للجيش خير دليل على ذلك. فالاهالي بشكل عام يعبّرون عن تعاطفهم مع الجيش. ولفتت إلى أن الأهالي الذين هُجّروا نتيجة اعتداءات الإرهابيين لم يتمكّنوا من العودة إلى أرضهم وممتلكاتهم. واتهمت المصادر «تيار المستقبل» بالتعاطف مع المسلّحين والحؤول دون دخول الجيش إلى قلب البلدة، وأوضحت أن الجيش يطوّق البلدة وينتشر على أطرافها، لكنه يداهم المخيمات ثم يخرج منها. وهناك مسارب كثيرة للتسلل يتخذها المسلّحون للدخول إلى البلدة والخروج منها. وكشفت المصادر عن تحرّكات للمسلّحين ترصد في شوارع البلدة ضمن سيارات داكنة للتخفّي عن عيون استخبارات الجيش، لكن بعضهم يخرجون علناً في الشوارع ويكشفون عن أشكالهم وزيّهم ولحاهم الطويلة.

الجيش والمقاومة بالمرصاد

وتشير مصادر بقاعية لـ«البناء» إلى أنّ الحصار بدأ يشتدّ على التنظيمات الإرهابية مع اقتراب فصل الشتاء. لذلك يحاولون اختراق هذا الطوق. لكن الجيش والمقاومة بالمرصاد، وأوضحت أن استهداف الجيش مؤخراً جاء كردّ فعل انتقاميّ لتحميله مسؤولية عملية التفجير التي استهدفت «هيئة علماء القلمون»، لكن الحقيقة أنّ هذا التفجير ليس إلا تصفية حسابات بين التنظيمات الإرهابية ضمن الصراع على النفوذ بينهما.

ونقلت المصادر عن مرجع أمنيّ في المنطقة أن قراراً صارماً اتخذه الجيش بمنع دخول النازحين السوريين وخروجهم من عرسال وإليها، حتى تسليم المسلّحين المسؤولين عن التفجير ضدّ الجيش. كما نقلت المصادر عن المرجع الأمنيّ أن الجيش لن يتعامل مع الإرهابيين إلا بالمدفع.

السيناريو الأسوأ

ويذكّر العميد جابر بمحاولات المسلّحين اختراق أماكن حدودية عدّة السنة الماضية، لا سيما في بريتال، حيث تصدى لهم حزب الله وأهالي المنطقة، وفي رأس بعلبك حيث تصدى لهم الجيش. إلا أنه تخوّف مما وصفه بالسيناريو الأسوأ، وهو احتمال تكرار محاولات الاختراق في مناطق «الخواصر الضعيفة» كرأس بعلبك والفاكهة والقاعة، أو «عرسال 2». ويبين جابر أن الواقع الحالي على الأرض مستمرّ، وأن المسلّحين امتلكوا العسكريين المخطوفين كرهائن بأيديهم ويستخدمونهم كدروع بشرية، وأمّنوا استمرار الدعم اللوجستي من عرسال، لكن الجيش في الآونة الأخيرة حقّق إنجازات أمنية على هذه الجبهة، وضيّق الخناق عليهم.

ويبدي جابر قلقه من احتمال تكرار اجتياح عرسال، مستشهداً بسقوط مدينة إدلب في سورية بعد هجوم «جيش الفتح» عليها، والذي زُوّد بألفٍ من صواريخ «تاو» المضادة للدروع، فيما تغنى كثيرون في لبنان بتزويد الجيش بـ56 صاروخ «ميلان» الأقل فعالية من «تاو»، وذلك كهبة سعودية.

ونبّه جابر من احتمال وصول صواريخ «تاو» إلى المسلّحين في جرود عرسال، داعياً إلى تعزيز الاستخبارات والتعاون مع الاستخبارات السورية.

تشابه وفوارق

الصراع بين تنظيمَي «داعش» و«النصرة» في عرسال وفي سورية بشكلٍ عام، لم يعد خافياً على أحد. والتفجيران الأخيران ضدّ «هيئة علماء القلمون» والجيش اللبناني، رسالة من «داعش» إلى «جبهة «النصرة» والجيش بأن القرار بيد التنظيم. كما أن «النصرة» و«داعش» وجهان لعملة واحدة، ولا صراع ايديولوجياً بينهما، فكلاهما ينتميان إلى تنظيم «القاعدة». لكن هناك صراع مصالح ونفوذ بينهما، وخلافاً في الارتباط السياسي بين قطر والسعودية.

أرسل تنظيم «القاعدة» مؤخراً الضابط المصري السابق سيف العدل إلى شمال حمص، وهو الرجل الثاني في التنظيم، وذلك بهدف إنشاء جيش من ثلاثين ألف مسلّح لقتال الجيش السوري، ولكي يوحّد «داعش» و«النصرة»، لكنه سيفشل لأن المشكلة هي بالتوفيق بين الداعمين الماليين والسياسيين في الخارج.

يحظى تنظيم «النصرة» داخل عرسال بوجود يفوق بكثير وجود «داعش». أما في أطراف البلدة والجرود، فـ«داعش» الأقوى. مقاتلو «داعش» يملكون كفاءة قتالية تفوق كفاءة عناصر «النصرة»، ولديهم تخطيط في ميادين مختلفة، وممارساتهم ليست متخلّفة، إنما مقصودة ومبرمجة، ويجيدون أساليب الحرب النفسية من الحرق والذبح وغير ذلك. لكن للأسف، ثمة وسائل إعلام عربية وعالمية كثيرة تقدّم لهم المنابر والصفحات مجاناً، بدلاً من أن توقف بث هذه الممارسات والرسائل.

امتلك تنظيم «داعش» التكتيك الذكي، تم تحضير البيئة الحاضنة قبل اجتياح الموصل ثم إدخال الطابور الخامس ثم تنفيذ تفجيرات لإرباك الوضع الأمني وزرع كمائن للجيش العراقي واستخدم أساليب الحرب النفسية وإثارة أهالي الموصل مذهبياً ضدّ الجيش. وعمل على تثبيط معنويات الجيش كما حصل في اجتياح عرسال صيف عام 2013. فالموصل سقطت نفسياً ومعنوياً وشعبياً قبل أن تسقط عسكرياً، وتكرّر السيناريو في الرمادي وفي إدلب حيث أطلقت «النصرة» أكثر من 120 صاروخ «تاو»، ودمرت 120 موقعاً مصفّحاً للجيش واستعملت الانتحاريين ثم الهجوم. وفي تدمر قاوم الجيش السوري بضروارة لكنه لم يستطع صدّ الهجوم، إذ إنّ التحالف الدولي تآمر على سقوط تدمر التي تقع في البادية، ومرّت قوافل تنظيم «داعش» المؤلفة من مئات السيارات المتلاصقة رافعة الأعلام، وكأنها تقوم باستعراض ولا حرب في المنطقة. وبتواطؤ مع التحالف الذي لم يطلق أيّ غارة جوية ضدّ التنظيم الذ دخل تدمر.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى