تقرير
مستقبلاً، إذا خرج المنتخب السعودي في كرة القدم من الأدوار الأولى في كأس العالم، وبنتائج مهينة كعادته ، فإن السبب في ذلك سيكون حتماً البرنامج النووي الإيراني. وإذا فاض نهر ما في بلاد الواق واق، فالسبب سيكون أيضاً البرنامج النووي الإيراني. يا لهذا البرنامج المسؤول عن مصائب الدنيا شتّى!
في التقرير التالي، مقال ورد في موقع «ميدل إيست بريفنغ» الإلكتروني، وفيه نجد أن إيران النووية هي المسؤولة عن مصائب الشرق الأوسط، لا أميركا ولا «إسرائيل» ولا حتّى السلطنة العثمانية الجديدة ومعها مملكة الرمال وإمارة «البطَر»!
كتب الموقع: مثّل الاتفاق النووي الإيراني بالفعل نقطة تحوّل في ميزان القوى في الشرق الأوسط. كان تأثير الصفقة ذا شقين. في الواقع، أعطى الاتفاق إيران الفرصة لتجميد مسيرتها نحو إنتاج سلاح نووي لنحو 15 سنة. في أحسن الأحوال، في مقابل تطبيع العلاقات الدولية. كما حرّرها أيضاً من قيود العقوبات، وسيملأ خزائنها بأموال طائلة ومنح مؤسساتها السياسية الثقة، وأكّد أن تحدّي القوانين الدولية وعدم احترامها يمكن أن يعودا بسخاء.
ضخم الاتفاق النووي من الانطباع المسبق بأن الولايات المتحدة ستنسحب من المنطقة. سبق الصفقة بالفعل انخفاض انخراط الولايات المتحدة في الشأن الإقليمي. وقد ساعد هذا السياق في تشكيل التصوّر العربي أن الولايات المتحدة اتخذت جانب إيران، وأنها تخلت عن حلفائها التقليديين في المنطقة.
شاهدنا بعض النظريات عن تعاون الولايات المتحدة مع إيران في مرحلة ما بعد الصفقة النووية في الشرق الأوسط. كما رأينا أيضاً نظريات أخرى تبالغ في تأثير الصفقة على مواقف المعتدلين في طهران، وكيف أنها ستساعد روحاني. ومع ذلك، سارت الأمور في اتجاه مختلف.
اختارت إيران، بعد توقيع الاتفاق، سياسة إقليمية أكثر عدوانية وسقفاً أعلى لطموحاتها الإقليمية. فلماذا كانت هذه الافتراضات الخاطئة بعيدة حتى الآن عن حقيقة ما حدث؟
أحد الأسباب قد يكون ناجماً عن القراءة الخاطئة للغاية لنوايا إيران في مرحلة ما قبل توقيع الاتفاق والدور المخطط له للبرنامج النووي في مسارها الاستراتيجي في الشرق الأوسط.
لم يكن لدى إيران أي نوايا، قبل الصفقة أو بعدها، لا لتغيير سلوكها الإقليمي ولا لتنسيق سياساتها مع الولايات المتحدة. والافتراض أن نوايا إيران يمكن تعديلها بموجب الاتفاق كان خارجاً تماماً عن سياق الواقع. كان الافتراض الصحيح أنّ العدوانية الإيرانية ستزيد بعد الصفقة.
على أيّ حال، أنتج هذا الوضع مشكلة لكل من الولايات المتحدة والعرب. بالنسبة إلى الولايات المتحدة، كان ذلك نتيجة للاستراتيجية السابقة للحدّ من الانخراط في أزمة الشرق الأوسط، وكنتيجة للاتفاق النووي الذي حدّ من نفوذها الإقليمي إلى مستوى مقلق. كنا قد كتبنا في «ميدل إيست بريفنغ» قبل بضعة أشهر من توقيع الاتفاق أن «الولايات المتحدة تخسر العرب ولا تفوز بولاء الإيرانيين». أردنا حينذاك أن نشير إلى انخفاض نفوذ الولايات المتحدة إلى مستويات خطيرة في المنطقة في تلك المرحلة.
ومع ذلك، وُقّع الاتفاق على أيّ حال. الصفقة في حدّ ذاتها قد لا تكون مرفوضة كما قلنا مراراً وتكراراً. ومع ذلك، كانت العلاقة بين توقيع الاتفاق وعواقبه من جهة، واستراتيجية طهران الإقليمية من جهة أخرى هي التي تثير القلق.
لذلك، نتج عن الصفقة سياق زادت إيران على إثره من عدوانيتها الإقليمية، وكانت الولايات المتحدة تخفض من نفوذها وتنتظر لفتة من طهران تعرب فيها عن استعدادها للتنسيق مع الولايات المتحدة. شعر العرب أن حليفهم التقليدي قد تخلى عنهم. كان هذا الوضع محملاً بالمشاكل. فبعد فترة قصيرة، ظهرت مشكلة كبيرة على الأرض: دعوة طهران الرئيس فلاديمير بوتين للتدخل في سورية، ثم في العراق ربما. كان من الواضح أن جدول الأعمال الإقليمي يجري حالياً إعداده لإفساح المجال لكل من إيران وروسيا للعب دور ما، وذلك في لحظة قرار طوعي ذاتي من قبل الولايات المتحدة للحد من وجودها في المنطقة.
كانت الصورة بكاملها مثيرة للسخرية. ففي حين تأمل الولايات المتحدة أن الاتفاق النووي سيزيد من نفوذها الإقليمي ويقلل من نفوذ روسيا، كان السيد بوتين، بدعوة من إيران، يتحرك في الاتجاه المعاكس.
بشكل ما، مثّل الاتفاق النووي مفترق طرق في الشرق الأوسط كما تراه كل من الولايات المتحدة وروسيا. ولكن الآن، فإن الولايات المتحدة تعود تدريجياً وبحذر إلى الشرق الأوسط. حيث كان الواقع يفكك التفكير الإيجابي والاستراتيجيات المثالية.
مع اتضاح صورة مرحلة ما بعد الاتفاق النووي في الشرق الأوسط تقريباً الآن، يُخصَّص منبر لتنسيق عربي أميركي أقوى. يمكن تلخيص هذا المنبر في كلمتين: احتواء إيران، وميزان القوى، الذي يظهر بشكل ملموس في هذه المرحلة من الوقت في الشرق الأوسط، تدور رحاه في سورية والعراق. ويلزم ضبط ميزان القوى في سورية والعراق لتجنيب المنطقة التخريب الإيراني في المستقبل.
وبالنسبة إلى أولئك الذين يقولون إن إيران لا تفعل شيئاً «تخريبياً» في المنطقة، فإننا نسأل ببساطة لماذا تسلل الإيرانيون إلى العراق بعد الغزو الأميركي، وقتلوا كلّاً من الأميركيين والعراقيين للتلاعب بالمسرح السياسي لمصلحتهم؟ وسنسأل عن العصابات الإرهابية التي اعتُقلت في الكويت والبحرين والسعودية؟ وسنسأل عن السفن التي تحمل أسلحة للحوثيين في اليمن التي رُصِدت واعتُرضت قبالة الشواطئ اليمنية. وسنسأل أيضاً عن الحرس الثوري في لبنان وسورية والبحرين. هذه ليست سياحة، إنما عمليات تخريب وإرهاب.
يتم تعريف توازن القوى في المنطقة الآن بالمعركة الجارية في سورية. فسورية هي المكان الذي تختبر فيه كل من روسيا والولايات المتحدة وإيران والعرب وتركيا قدراتهم لتشكيل الديناميات الإقليمية. كان الوضع قبل حوالي 10-15 سنة مختلفاً. حينذاك، لم يكن سوى الولايات المتحدة والعرب هم من يشكلون هذه الديناميات. يرجع التغيير أساساً إلى ثلاثة عوامل. الأول، زلزال عام 2011 والتي سبب ضرراً لنظام الأمن الإقليمي بشكل خطير. والثاني التقدم الذي حققته إيران في بناء قدرات كل من الحرب غير المتكافئة والقدرات العسكرية. والثالث الخفض التدريجي للدور الإقليمي للولايات المتحدة.
في سورية والعراق، لا بدّ أن تتعلم إيران أن جسور تعاونها مع المنطقة سيكون عبر التجارة والتنمية والتعاون لبناء مستقبل إقليمي مشترك لجميع دول المنطقة بدلاً من الحرب غير المتكافئة والتخريب والتدخل لإحداث المزيد من الكوارث مثل تلك التي تعاني منها كل من سورية والعراق.
وفي سورية والعراق سيتم معايرة موازين النفوذ في الشرق الأوسط. وبالنسبة إلى أولئك الذين ما زالوا يعتقدون أن إيجاد إيران معتدلة أمر ممكن، نقول لهم ببساطة أن يستعدوا لمزيد من المفاجآت السيئة. لن تتحول إيران إلى قوة أقل عدوانية. بل على العكس من ذلك، ستتحول إلى قوة أكثر عدوانية بعد الاتفاق النووي.
وللمساعدة في إعادة تشكيل سياسات إيران الإقليمية، لا بدّ أن تعلم إيران أن عمليات التخريب ستجلب المتاعب فقط على كل من المؤسسة السياسية والشعب الإيرانيين. للأسف، لا وسيلة أخرى لإقناع الحرس الثوري الإيراني بالتعامل مع الأمور بطريقة مختلفة. في الواقع، إن السلام الإقليمي يتعارض بشكل كامل مع طبيعة وجود فيلق القدس الذي يقوده السيد سليماني ومبرّره. فإذا كان هناك سلام في المنطقة، فإن العنصر الأكثر نشاطاً في الحرس الثوري لن يكون ذا فائدة. ما الذي يمكن أن يحفّز الحرس الثوري بالضبط إلى السعي خلف تحقيق الاستقرار والسلام في المنطقة؟ في الواقع، إن مصدر قلق قادته الرئيسي بعد توقيع الاتفاق النووي هو أن طهران قد تكون دفعت نحو لعب دور إقليمي أكثر إيجابية.
يلزم على الولايات المتحدة والدول العربية إعادة بناء استراتيجياتهم الإقليمية وعلاقات العمل من أجل تعليم الإيرانيين حقيقة واحدة بسيطة، وهي أنهم لا يبدو أنهم يفهمون أن العالم العربي ليس فارسياً وأن محاولات جعله فارسياً سيكون ثمنها باهظاً.
يجب ألا تقتصر علاقات العمل العربية الأميركية على صفقات الأسلحة. فهذا سبيل لمزيد من المتاعب. إذا لم تتوقف إيران عن التدخل في المنطقة ودعوة الآخرين إلى التدخل، فإن الأزمة الإقليمية ستكون ثقباً أسود في النظام العالمي. كان يتعين إبعاد أوروبا قبل الحرب العالمية الأولى عن الشرق الأوسط. ومن أجل إبعادها، يلزم على إيران أن تفهم ما لم تفهمه بعد. وينبغي مناقشة تدابير واضحة علناً للتوضيح للإيرانيين أن أفعالهم قد تكلفهم ثمناً باهظاً. فمن خلال التحدث بصوت عالٍ عن هذا الثمن يمكن للعالم أن يثني الشعب الإيراني عن الاستماع إلى خطاب المتعصبين. إن كلّاً من المجتمع الدولي والشعب الإيراني يضعان الشرق الأوسط في خطر كبير إذا كانا يعتقدان أن البيانات الدبلوماسية الناعمة من قبل طهران وبعض السياسيين ستجدي نفعاً. فما يهم هو الأفعال المتبعة. وتشي الأفعال بالكثير عند رؤية السيد سليماني يجوب المنطقة كما لو أن إيران قد ضمتها بالفعل، وأصبحت جزءاً من حلم «الإمبراطورية الفارسية العظمى» الوهمي.