فزّاعة «داعش» صنيعة من؟
جمال الكندي ـ سلطنة عُمان
أفرزت الانتخابات الرئاسية في سورية والنيابية في العراق واقعاً جديداً في الشرق الأوسط ظلت القوى الغربية تحاول بطرائق شتى تعويقه، والتضييق عليه وعلى القوى الإقليمية التي تسانده بعقوبات سياسية واقتصادية. إنه بروز خط المقاومة لدى مكوّنات الشعب العربي وبعض قياداته. فبعد ثلاثة أعوام من الصراع في سورية لا تزال شعبية الرئيس بشار الأسد قوية ، ولمسناها من خلال الإقبال الشديد على صناديق الاقتراع في الانتخابات الرئاسية السورية الأخيرة التي أدركت القوى الغربية من خلالها أن التيار المانع والمقاوم لهيمنة القوى الغربية في المنطقة والمعادي لـ«إسرائيل» أضحى قوياً وبارزاً وممتداً من إيران إلى العراق فسورية، ومتحالفاً مع حزب الله في لبنان والقوى المناضلة والمقاومة في فلسطين. هذا الخط الممانع يرعب أميركا و«إسرائيل»، ولا بد لها من قطعه، بحسب التوصيف الغربي، واستبداله برموز مهادنة وموالية له. لذلك خلقت أزمة سورية، واليوم نرى الأزمة في العراق والكيان «الداعشي» بطل ميدانها.
إنّ فوز ائتلاف دولة القانون برئاسة المالكي في الانتخابات البرلمانية العراقية ألقى بظلاله على المشهد السياسي في العراق، فخسارة الشخصيات المدعومة من قبل تركيا وبعض الدول المجاورة للعراق في الانتخابات البرلمانية عجّل في ظهور فزاعة «داعش».
إنّ توصيفي لـ«داعش» هو أنها فزاعة بيد دول الجوار العراقي، تستخدم حينما لا يبقى للمكر السياسي طريق لتغيير المشهد العام. وهذا ما حصل في العراق، وها نحن نسمع ما سمعناه في سورية في بداية أزمتها، مع الفرق الجغرافي والسياسي بين الحالتين. ما يتردّد في الإعلام المأجور هذه الأيام والذي كان ولا يزال حطباً يوقد نار الأزمة السورية، أنّ «داعش القاعدية» جاءت لنصرة المظلوم والاقتصاص من الظالم، وهذا العجب العجاب. إنّ الذي يراد من «داعش» في العراق من قبل أعداء الخط الممانع أن تكون أداء لخلق نزاع مسلح بين المكوّن السني والشيعي في العراق، وهذا ما تقوم وتبشر به الآلة الإعلامية المؤيدة لـ«داعش»، وتصوّره بأنه المنقذ والمخلّص من التهميش السياسي والاجتماعي، وأنه طوق النجاة لمشاكل العراق. فالقتل على الهوية الذي تمارسه «داعش» بات في نظر حماة الحرية ثورة لنصرة المظلوم! لأجل تجميل المنظر «الداعشي» تم الترويج بأنّ حزب البعث العراقي السابق هو من يقود الحركة التحررية في العراق، وكما يقال في الأمثال «جاء ليكحّلها فعماها». فالنظام العراقي السابق معروف التاريخ، وضحاياه في العراق من كلّ الطوائف، والسؤال هنا لماذا ظهرت «داعش» في هذا الوقت تحديداً وبهذه القوة؟
إن تنظيماً بهذا المستوى من القدرة والقوة النارية لا بد من أن يحظى بدعم عسكري وسياسي، وهذا ما توافر لـ«داعش»، فعلى رغم كونه على قائمة التنظيمات الإرهابية، وتجرّم الأعراف الدولية كلّ من يقوم بتمويله، يأتيه التمويل الخارجي من دول الجوار العراقي والسوري، فالمُراد من «داعش» ضرب الخط المقاوم والممانع في المنطقة، والانتخابات الأخيرة في العراق أظهرت انضمام العراق ولو بشكل بسيط إلى هذا الخط. فالمعروف لدى الساسة الغربيين والعرب أنّ المالكي هو رجل إيران في العراق، وإيران تصنّف من قبل الغرب بأنها دولة داعمة لتيار المقاومة، لذلك كان لا بدّ من ظهور فزاعة في هذا الوقت تحديداً قبل فوات الأوان، وقبل تشكيل الحكومة العراقية الجديدة التي لا تريد دول الجوار العراقي أن يكون المالكي على رأسها.
إن التخبّط الأميركي في التصريحات الأخيرة حيال العراق يدلّ إلى أنّ أميركا لم تكن راضيةً عن التوجهات العراقية الجديدة في المنطقة، لا سيما موقفها من الأزمة السورية، وشاهد على ذلك التأخير الأميركي قي تزويد الجيش العراقي أسلحة المتفق عليه مسبقاً.
إنّ عدم تمكن الغرب من تغيير النظام السوري خلال نيّف وثلاثة أعوام، وتعافي النظام السوري تدريجياً، وبروزه كقوة محورية تجمع أقطاب المقاومة الفلسطينية واللبنانية حوله، وبقاءه وصموده في خانة الممانعة والمقاومة، عجّل في ظهور فزاعة «داعش» في العراق. إنّ هذه الهجمة الهمجية البربرية «الداعشية» هي رسالة للعراق وللمالكي بالفرملة وإعادة البوصلة إلى أميركا وحلفائها، وما التصريح الأميركي الأخير بأنّ على المالكي التوافق مع خصومه السياسيين والمدعومين من تركيا ودول الجوار العراقي إلا دليل على هذا التخبّط.
حاز ائتلاف المالكي الأكثرية النيابية وهو في الطريق إلى تشكيل حكومة ذات غالبية برلمانية بعدما انضمّ إليه أكثر من 100 نائب في البرلمان. هذا المشهد لم يعجب مموّلي «داعش» فظهر هذا «الداعش» بقوة أكثر من السابق لتحطيم العراق ومضاعفة النعرة الطائفية في هذا البلد، وظهرت في العلن شروط إيقاف «داعش»، بعدم ترؤس المالكي رئاسة الوزراء، وهذا تدخل سافر في الشأن العراقي.
أن الأيام المقبلة ستظهر مدى قوة الجيش العراقي في التصدي لهذه «الداعشية» المغلفة بنظام البعث السابق وسنعلم مدى شعبيتها في الوسط العراقي، وكيف سيكون المشهد العراقي الجديد وهل ستتوسع هذه الحركة ؟ وكيف سيكون التعامل الغربي معها؟. هذه الأسئلة كلّها تظهر أجوبتها في المقبل من الأيام، فكلما كانت الوحدة الوطنية بين الجيش والشعب والحكومة قوية وصلبة تكسرت على صخرتها جميع المؤامرات مهما تكن كبيرة، ومهما تكن الشخصيات والدول التي تقف خلفها وما يقوم به المالكي خلال هذه الأزمة من توحيد القوى السياسية في العراق. يجب أن تكون الأولوية للعراق وليس للطائفة والعرق، ومثال سورية في الصمود والمقاومة واقع ملموس يستحق الدارسة.