لا بديل من الجيش القوي: سورية مثالاً
عامر نعيم الياس
يواصل تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام تقدمه في العراق وحتى في الداخل السوري، على الجبهة الأولى لا تزال المذابح مستمرة بحق المدنيين ومئات من جنود الجيش العراقي المتمركزين في تلعفر ونينوى والموصل وصلاح الدين، وعلى الجبهة الثانية يواصل داعش حربه في تصفية النصرة والفصائل المتطرفة السلفية الأخرى المخالفة لنهج البغدادي في ريف دير الزور وبعض مناطق محافظة الحسكة، تقدم على جبهتين أدى إلى انتشار متطرفي داعش على طول الحدود بين سورية والعراق والأردن، هذا الأخير الذي يشكل حجر أساس في المصالح الغربية عموماً و»الإسرائيلية» خصوصاً في المنطقة، وهو ما استدعى على الفور زيارة وزير الخارجية الأميركي جون كيري إلى العراق وإعلانه موقفاً يربط فيه المساعدة الأميركية للقوات الأمنية العراقية بالتزام رئيس الحكومة نوري المالكي والأطراف السياسية العراقية الأخرى «تشكيل حكومة وحدة وطنية» قبل نهاية الشهر الجاري، لكن من دون أن يقترب من مسألة وجود المالكي على رأس الحكومة أو تنحيه، وفق الرؤية السعودية بحسب ما نشر في «البناء» الأسبوع الماضي عن الاقتراح السعودي لإيران للتهدئة في العراق.
الواضح في ضوء التقدم الأخير لتنظيم داعش في العراق وتمدده نحو الحدود الغربية أي باتجاه الأردنية التي تبعد بدورها مئة كيلومتر عن الحدود مع السعودية، أن التنظيم مستمر بالانتشار في الاتجاهات والمناطق كافة التي يستطيع الوصول إليها مستغلاً الخلاف المذهبي في المنطقة الذي حوّل داعش إلى «ثوار» بنظر البعض، هنا البعض ليس بالعدد القليل. فضلاً عن مصادر التمويل وتنظيم المقاتلين واستيلائهم على عدد من الأسلحة النوعية، وخبرة بعضهم الآخر في العمليات القتالية كون ضباط الجيش العراقي السابق، الذي دمّره بريمر في ذروة المناخ الطائفي، يشكلون العمود الفقري لبنيته المقاتلة، هذا ما ركّزت عليه وسائل الإعلام الغربية في إطار وثائقها التي ظهرت فجأة عن داعش وتاريخه وبنيته ونشأته، بعد أن استمرت لمدة تتجاوز العام في الإشارة إلى أن داعش هو «صنيعة النظام السوري!»، وعليه ألا تطرح مسألة التمدد المذهل لداعش ملف ضعف الطرف المقابل على طاولة البحث؟ ألا يقابل الحافز العقائدي المتطرف الموجود عند داعش، غياب شامل للعقيدة القتالية عند الطرف الآخر؟ إذا كان الجيش العراقي السابق يشكل العمود الفقري لداعش، وهو سبب وجيه لتقدمه في العراق، أليس من المفروض التركيز قبل كل شيء على الموازنات الدفاعية وبناء القوات المسلحة القوية المتماسكة؟ ألا يشكل الجيش السوري أحد أهم عوامل الاستقرار في المنطقة ومثالاً ملموساً عما يجب أن تكون عليه المؤسسات العسكرية في المنطقة والعالم؟
يحاول داعش بتمدده بمختلف الاتجاهات تصدير إيديولوجيته المتطرفة إلى أرجاء المنطقة كافة، مستغلاً حجم الخلافات والعماء الذي أصاب المملكة السعودية الوهابية التي تقود حرباً مدمرة في المنطقة تهدف إلى تفتيت سورية والعراق وإعادة رسم خريطتيهما بما يتوافق مع الفوبيا الإيرانية التي تعاني منها عائلة آل سعود، هذا الأمر يحمل تداعيات خطيرة على الغرب في منطقة نفوذ حيوي له أولاً، وثانياً قريبة من حدوده، وعن هذه النقطة تقول صحيفة «ديلي تليغراف» البريطانية في افتتاحيتها «إن القوات المسلحة أمر ضروري وحيوي، والحفاظ على موازنة الدفاع وقوة الجيش أمر ضروري للدفاع عن المصالح البريطانية في مواجهة خطر الجهاد لمسلح» هنا قد يرى البعض أن للأمر بعداً داخلياً يتعلق بنزوع الساسة الغربيين في مواجهة الأزمة الاقتصادية إلى تقليص موازنات الدفاع، لكن الأمر لا يقف عند هذا الحد فالرئيس الليبي الأسبق معمر لقذافي استجاب للغرب وأعاد بناء قواته المسلحة وفق الرؤية الأمنية الغربية وسلّم سلاحه النوعي فسقط، أما حليف الغرب المدلل ملك الأردن فقد أعاد هيكلة قواته المسلحة لتصبح عبارة عن فرق نخبة وعمليات خاصة وتدخل سريع، وهو أمر لم تقدم عليه أي دولة حتى اليوم سوى كانتونات منطقتنا.
التجربة السورية على مدى الأعوام الثلاثة الماضية تثبت بما لا يدع مجالاً للشك أن بناء جيش قوي وعقائدي وتخصيص موازنات ضخمة له في وقت السلم لا بد له من أن يعطي مفاعيله في المستقبل، وبنظرة سريعة على رقعة سيطرة داعش من مجمل مساحة سورية وحجم وجود الدولة السورية بأذرعها السياسية والخدمية والعسكرية في مختلف محافظات القطر السوري، مقارنةً بما يجري في العراق من انهيارات دراماتيكية وتقدم لحظي للإرهاب التركي السعودي ممثلاً بداعش، يمكننا القول إن الجيش السوري صاحب الكلمة الفصل في رسم صورة سورية الحالية، سورية التي صمدت وقاومت ونظمت انتخاباتها ودفعت الغرب لمحاولة التواصل معها بحجة قديمة جديدة وهي معالجة الملفات الأمنية المشتركة، صمود للجيش الباسل المقاوم العقائدي الملتزم قسمه دفع العالم أجمع إلى الحديث عن تصدير الأزمة السورية خارج حدود سورية، وتصدير الجهاديين إلى الغرب عموماً وإلى أوروبا خصوصاً.
الهدف الأساس للدولة السورية كان ويجب أن يبقى تعزيز عوامل القوة لدى الجيش السوري والقوات المسلحة التي فرضت نفسها داخلياً بوصفها حامية للدولة والدستور والعلم، وستفرض نفسها خارجياً عاجلاً أم آجلاً في موجة البحث الغربي عن جيش قوي ليخوض حرباً بالوكالة في مواجهة المد الوهابي الأعمى المنفلت البربري.
كاتب سوري