القيصر لن يكون بحاجة إلى النوم في أنطاليا
ميرنا قرعوني
انعقاد قمة مجموعة الـ20 يمثل حدثاً دولياً بارزاً منذ اضطرار الولايات المتحدة وشركائها في الغرب لتوسيع إطار المناقشة والشراكة في القضايا العالمية الاقتصادية والسياسية بعد الأزمة العاصفة التي هزت الاقتصاد العالمي، في ما عرف بأزمة انهيار البورصات وأسواق الأسهم عام 2008.
عام مضى على انعقاد القمة الأخيرة في أوستراليا وها نحن على أبواب انعقاد قمة هذا العام في مدينة أنطاليا «التركية»، كان بارزاً العام المنصرم سيطرة أجواء التوتر على القمة ولا سيما تجاه روسيا التي تعرضت للكثير من الضغوطات والتهديدات من قبل قادة زعماء الولايات المتحدة والغرب وفي مناخ العقوبات التي فرضت على الاقتصاد الروسي والقيادات الروسية في أعقاب ما عرف بالأزمة الأوكرانية، ولكن كل ذلك لم يوقف اندفاع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي واجه التحديات بصلابة منطلقاً من قناعته أن مبدأ القوة هو الذي يفرض نفسه .
وجد بوتين نفسه في ذلك المؤتمر محاصراً بالاتهامات والتهديدات ولم يسلم من الانتقادات القاسية ولا سيما من رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون، الذي أبلغه حينها خلال اجتماعه معه على هامش قمة العشرين، أن علاقات الغرب مع روسيا في مفترق طرق، وكان كاميرون قد هدد قبل الاجتماع بزيادة العقوبات على روسيا إذا لم تنسحب قواتها من أوكرانيا وتتوقف عن زعزعة استقرار البلاد، بحسب تعبيره.
كما انتقدت كل من استراليا وكندا موسكو بحدة بسبب دورها في الأزمة الأوكرانية، وفي أجواء أشبه بالحرب الباردة كما وصفها المتابعون، اتهم قادة الدول الغربية موسكو بأنها تشكل «تهديداً للعالم» وترغب في «إعادة الأمجاد الضائعة لروسيا القيصرية والاتحاد السوفياتي».
وبعد سلسلة لقاءات منفصلة عقدها بوتين مع كل من الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند، ورئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون، وعلى وقع توتر بين الغرب وروسيا عكسته التصريحات المتبادلة على هامش القمة، غادر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، قبل نشر البيان الختامي لمجموعة العشرين مؤكداً انه بحاجة الى النوم.
خلال السنة الماضية نجحت روسيا في قلب تجاه الأحداث وتأكيد الحاجة إلى دورها الرئيسي في المعادلات الدولية، كما تمكن الاقتصاد الروسي من تخطي آثار العقوبات وسارع بوتين الى تعزيز الشراكات الدولية لبلاده مع الصين ومجموعة البريكس ودول منظمة شانغهاي في حين تصاعدت الشكوى الأوروبية من نتائج العقوبات التي أضرت بمصالح ألمانيا وغيرها من شركاء روسيا التجاريين في القارة العجوز وتلك التحولات أفسحت في المجال أمام تغيير في المناخ السياسي اتجاه روسيا ورئيسها الذي استطاع من خلال الدور المميز الذي يلعبه في الحرب على الإرهاب انطلاقاً من سورية أن يفرض توازناً جديداً، فمنذ إعلان بدء الحملة الجوية الروسية في سورية ضد معاقل «داعش» و»جبهة النصرة» وغيرها، وبعد التغييرات العسكرية المهمة في الميدان السوري، نجح بوتين بالشراكة مع الأسد ومع إيران في بلورة طريق عالمي جديد للتخلص من خطر الإرهاب مقابل حملة أوباما المتعثرة منذ تمدد داعش وانتشاره في سورية والعراق، وقد ذهب الرئيس الروسي بعيداً في إطلاق مبادرة سياسية واسعة تحت العنوان السوري بعد لقائه مع الرئيس بشار الأسد في موسكو وتوجت تلك المبادرة بالإنجاز الذي تحقق خلال مؤتمر فيينا لبحث حلّ سياسي للأزمة السورية، والذي شهد للمرة الأولى مشاركة إيران في مثل هذه المؤتمرات والحوارات العالمية المتصلة بسورية، وهو ما يسجل كنقطة لمصلحة روسيا وحلفائها ، فاضطرت الولايات المتحدة ودول الغرب الى قبول المبادئ الروسية للعملية السياسية عبر التخلي عن شرطها المعروف «بتنحي الأسد ورفض اي دور له في مستقبل سورية»، وهي العبارة التي تحولت الى لازمة في المواقف الاوروبية والاميركية وفي سياسة كل من تركيا والسعودية وقطر إظزاء الموضوع السوري.
يمكن القول، ان قمة هذا العام لن تشهد تهديدات غربية لروسيا كما العام المنصرم فموازين القوى تميل لصالح موسكو بعد التدخل الروسي في سوريا وما أحدثه ذلك على مجريات الحرب على الإرهاب وبعد الإنجازات التي تم تحقيقها في القضاء على بؤر داعش في سورية، لم يعد من مصلحة قادة الدول توجيه الانتقاد لموسكو التي لم توفر جهداً للتأثير في مواقف الدول المشاركة في الحرب على سوريا، وعقد الرئيس بوتين مجموعة من اجتماعات القمة التي شملت قادة دول عربية وشرق أوسطية تركزت على الموضوع السوري كما اتفق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في اتصال هاتفي مع نظيره التركي رجب طيب أردوغان على عقد لقاء ثنائي في إطار قمة مجموعة العشرين في أنطاليا، وفقاً لما أعلنه الكرملين.
بنود سياسية كثيرة تثقل أجندة قمة انطاليا، أبرزها سورية وتداعيات أزمتها، وقد طلب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من منظمي القمة إدراج قضية الإرهاب والقضية السورية والأزمات الناجمة عنها، وخصوصاً أزمة اللاجئين السوريين، إلى جدول أعمال اليوم الأول من الاجتماعات. وستتمّ بناءً على ذلك مناقشة الأزمة السورية بكل أبعادها أثناء مأدبة العشاء التي سيحضرها زعماء العالم المشاركون في الاجتماعات.
إذاً هذه المرة سيكون الرئيس بوتين النجم الأبرز في قمة انطاليا ولن يكون بحاجة الى النوم بل سيفتح عينيه جيداً ليحصد نتائج ما صنعته القوة الروسية من تحولات .