شعبان: لمشروع وطنيّ ينهض بالإنسان السوري في المرحلة المقبلة خليل: السنديان لا يعمّر أنفاسه في الهواء إنما في رئة الأرض وشرايينها
رانيا مشوِّح
هي سورية التي كم من تنين قد قتلت في الماضي، ولن يعجزها قتل تنين آخر. هي ابنة آشور وتموز وعشتار ونبوخذ نصّر، لا تمنعُ حرب ضروس لئيمة شعبَها وفاعلياتها، من العمل على تطوير المجتمع وإثراء بنيته الاجتماعية الأخلاقية، فتراهم يجتهدون ـ تماماً كالمحارب الباسل على الجبهات ـ لاجتراح الحلول لمعضلات، كانت ربما من مسببات ويلات الحرب ووبالها.
بمنتدى حواريّ في دمشق الإباء، نظّمته وزارة الثقافة، وشهد كلمات ومداخلات لوجوه رسمية وروحية وتربوية وثقافية وإعلامية. فالمستشارة السياسية والإعلامية في رئاسة الجمهورية الدكتورة بثينة شعبان أكدت أن الآثار السلبية للحرب على سورية على مدى نحو خمس سنوات تتطلب مشروعاً وطنياً للنهوض بالإنسان السوري في المرحلة المقبلة. فيما قال وزير الثقافة عصام خليل إنّ السنديان لا يعمّر أنفاسه في الهواء إنما في رئة الأرض وشرايينها. لكن فارقاً كبيراً بين حياة في الذاكرة وذاكرة في الحياة. ونحن لا ندعو إلى قطيعة معرفية مع الماضي، فهذا خطأ لا يرتكبه عاقل، لكننا ندعو إلى قراءة نقدية فاحصة تنصبّ على كل ما شكّل قناعات محسومة توارثنا تداولها بلا أي تمحيص أو تفكير، حتى اكتسبت قشرة من القداسة تزداد قسوة كلما تراكم الزمن.
وزير الأوقاف الدكتور محمد عبد الستّار اعتبر أنّ الخطاب الديني قبل الأزمة يحتمل جزءاً من الأزمة، كونه لم يكن مواكباً العصر في العالم الإسلامي والعربي. فدور المؤسسات الدينية في تكريس البنية المعرفية هو ما ينشده المجتمع بأطيافه كافة لا بطوائفه كافة. فيما أكّد المفتي العام للجمهورية الدكتور أحمد بدر الدين حسون أن ما ستشهده سورية في مرحلة الخلاص من الأزمة ثورة علمانية وفكرية.
لأنّ الثقافة هي الرديف الأساس لقيم التطوّر والتقدّم والنمو الإنساني كلّها، وانطلاقاً من ضرورة إعادة تعزيز البنية الثقافية للمحافظة على الإرث الثقافي لدى المواطن السوري، نظّمت وزارة الثقافة السورية بالتعاون مع الهيئة العليا للبحث العلمي، منتدى حوارياً حول تعزيز بنية المواطن المعرفية والثقافية والأخلاقية، وذلك في مكتبة الأسد الوطنية في دمشق، بحضور عددٍ من الشخصيات السياسية والثقافية والدينية والإعلامية السورية. ويهدف المنتدى إللا تبادل الأفكار والخبرات ومناقشة السبل الكفيلة بتعزيز البنية المعرفية والثقافية والأخلاقية، والخروج بمقترحات علمية وعملية تخدم برنامج إعادة الإعمار الشامل.
خليل
خلال اليوم الأول، وفي كلمته، قال وزير الثقافة عصام خليل: كما يخرج الموج من وجع الماء، وينهض العشب من لوعة الندى، يجب أن نخرج من التاريخ كي ندخل الجغرافيا. لا نخرج من التاريخ انقلاباً ولا جحوداً، فالسنديان لا يعمّر أنفاسه في الهواء إنما في رئة الأرض وشرايينها. لكن فارقاً كبيراً بين حياة في الذاكرة وذاكرة في الحياة. نحن لا ندعو إلى قطيعة معرفية مع الماضي، فهذا خطأ لا يرتكبه عاقل، لكننا ندعو إلى قراءة نقدية فاحصة تنصبّ على كل ما شكّل قناعات محسومة توارثنا تداولها بلا أي تمحيص أو تفكير، حتى اكتسبت قشرة من القداسة تزداد قساوة كلما تراكم الزمن. إن أقدس المقدسات هي حياة الإنسان، منذ بدأ الوعي البشري مترافقاً بأسئلة الوجود وقلق المصير، كانت حياة الإنسان وجوداً وخلوداً هدف السعي الفكري الباحث عن إجابات حول الكينونة والسيرورة والصيرورة.
وأضاف: إن المحنة السورية التي نعيشها، لا تساعد على القناعة بنجاعة الأساليب والوسائل وإن اتفقنا على صحة الأهداف ونبلها، متى كانت الهوية مسألة ملتبسة في أذهان السوريين حتى تمكن الخطاب التحريضي البغيض من استدراج الغرائز وصولاً إلى إقدام سوريين على طلب التدخل العسكري الأجنبي ضد بلادهم وشعبهم.
وقال خليل: هذه الأسئلة لا تحتمل أكثر من جواب صادم حاسم، حدث ذلك لأننا لم نؤسّس بنية الإنسان المعرفية والثقافية والأخلاقية، على نحو يمكّنه من الاستجابة لتحدّيات الحياة ويساعده في فهم أعمق لإيقاعاتها المتبدلة، وفي التفاعل الإيجابي مع مستجدّات العصر بلا تعصب يقود إلى الجمود والانغلاق، وبلا انفتاح ساذج يدفع إلى الذوبان والتلاشي.
وتابع: خطابنا بمكوّناته السياسية والتعليمية والثقافية كافة، يعتمد التلقين ولا يفكر مجرد تفكير في أنه قد لا يكون مستساغاً أومتفقاً عليه! ولذلك فهو يفتقر إلى المصداقية والجاذبية اللتين تحرضان العقل على الاستجابة له والتجاوب معه.
خوري
خلال الجلسة الحوارية، وعلى هامش المنتدى، قالت المستشارة الثقافية لرئيس الجمهورية الأديبة كوليت خوري: إنني من المؤمنات بالدور الكبير والهام الذي يلعبه الإعلام على الأصعدة كافة، وهذا الدور منذ بدء البشرية حتى يومنا هذا، منذ أن كان الإعلام مجرّد إشاعة على مستوى الحيّ أو القرية، حتى أصبح الآن يغطي الكرة الأرضية، ما أودّ بحثه هو هل البنية الثقافية موجودة الآن عند المواطن السوري قبل أن نبدأ بتعزيزها وتثبيتها؟ ما هو مفهوم الثقافة؟ الثقافة في اللغة الفرنسية والإنكليزية هي «culture»، وهي نفسها الزراعة، فالرجل المثقف هو الإنسان المزروع بأرض الوطن، هذا الذي اختلطت ذرّات كيانه بتراب الأرض وارتوت أحاسيسه من مياهها.
وأضافت: لا يمكن فصل الثقافة عن الأخلاق والوطنية. وقد تبيّن لنا في هذه المرحلة المحكّ التي مررنا بها، إذ تساقطت الأقنعة وتبيّنت المعادن على حقيقتها، وقد تبين لنا أن الأخلاق تراجعت وتدهورت لدى فئات من الجيل الوسط، ومن جهة أخرى أنا لا أعاتب هذه الفئة فالعتب لا يقع عليها لأن الأخلاق في الأساس تربية، ويبدو أن أساليب التربية التي اتّبعت في مرحلة من المراحل لم تكن على مستوى، وهؤلاء الناس الذين شذّوا يبدو أننا مررنا في فترة من الزمن أخطأ فيها بعض الأشخاص في الدولة ونسوا أن الوطن يتسع للجميع، فكان أن شعر الآخرون بالغربة وفقدوا شعورهم بالانتماء. وهذا الشعور يخلق في النفس ضعفاً ويجعلهم كما هم الآن.
عبد الستّار
وزير الأوقاف الدكتور محمد عبد الستّار قال بدوره: إذا أردنا أن نبني وطننا من جديد، يجب أن نعزّز بنيتنا المعرفية في الدولة والمجتمع بشكل عام لا في المؤسسة الدينية. من السهل القول إن الإسلام هو سبب ما يحصل باعتبار أن «داعش» «دولة الخلافة الإسلامية»، و«جبهة النصرة» و«جيش الإسلام» و«جيش الفتح» وغيرهم محسوبون على الإسلام، يمكننا القول إنّ كل القضية متعلقة بالإسلام وحملة الخطاب الديني، هذا غير صحيح، إنما يحتمل الخطاب الديني قبل الأزمة جزءاً من الأزمة، كونه لم يكن مواكباً العصر في العالم الإسلامي والعربي. فدور المؤسسات الدينية في تكريس البنية المعرفية هو ما ينشده المجتمع بأطيافه كافة لا بطوائفه كافة.
جمعة
ولفت الدكتور حسين جمعة، رئيس لجنة اتحاد الكتّاب العرب، إلى ضرورة ترسيخ مفهوم الهوية والمواطَنة في إطار الحقوق والواجبات في التربية والتعليم، فقال: منهجياً، موضوع ترسيخ الهوية والمواطنة يكاد يشمل هذا المنتدى برمّته لأنني عندما أفكر بالهوية أفكر أنها علاقة منطقية بين شيئين متطابقين. لذلك فإن هذه العلاقة يجب أن تملك اتحاداً بين المستوى الفردي والمستوى الجمعي الذي تقوم به الدولة. لذلك يجب أن يكون هناك تكامل وتنسيق بين الجهات الحكومية كافة، الذهنية المعرفية مبنية على لسان من يحمل لساناً صحيحاً صريحاً لا فاسداً، فيتكامل هذا اللسان مع الثقافة المحمولة. وهنا تصبح الهوية مفهوماً سياسياً ـ اجتماعياً يجسّد علاقة بين الذات بوصفها روحاً وجوهراً، وبين الشخصية بوصفها إطاراً موضوعياً يدلّ على التاريخ مثلما يدلّ على جغرافية والاقتصاد والنفس وغير ذلك. هذه الهوية تعني وعياً على المستوى الذاتي وعلى مستوى الشخصي الموضوعي الذي نسميه شخصية الأمة. من هنا تنبثق فكرة المواطَنة بين اتحاد الإنسان مواطناً وبين الدولة، وتنبثق أيضاً مفاهيم جديدة نسميها اليوم الحقوق والواجبات. فبمقدار ما يقدّم المواطن من واجبات لوطنه ودولته، ينبغي على الدولة أن توفّر له الأمن والطمأنينة أولاً، وثانياً أن توفر له الكرامة. فعندما توفر له هذين الأمرين يكون قادراً كمواطن في دولة المواطَنة على تقديم واجباته، ثمّ تتحقق الدولة التي نسمّيها اليوم دولة المواطَنة، هذه الدولة المدنية التي تحترم الإنسان كيفما كانت عقيدته وطائفته ومذهبه وعرقه، لأن الدولة المدنية الحضارية تبنى على أساس الانطلاق من الذات إلى الآخر والانطلاق من الآخر إلى الذات.
القيّم
وأشار الباحث والآثاري علي القيّم إلى دور الثقافة في تعزيز البنية المعرفية قائلاً: للثقافة في منظمة اليونيسكو 182 تعريف ولا يزال الباب موارباً لتعريفات أخرى. وهذا إن دلّ على شيء فهو يدل على دور الثقافة في حياة المجتمعات وحياة الفرد. الثقافة كالتاريخ عملية متصلة الحلقات باعتبارها مستمرة ومتوارثة. وثمة علاقات عضوية بين الثقافة والتاريخ والإبداع الثقافي في كل مجالاته يتأثر بالوضع السياسي. فقد اختلفت نظرة المثقف إلى الدولة، واختلفت نظرة الناس إلى الثقافة أيضاً بسبب ما مررنا به. الثقافة في بعض معانيها هي نتاج للأوضاع العامة. وفي هذا المضمار نسجّل أن الثقافة تحتاج إلى دور كبير من المؤسسات الثقافية في إتاحة الفرص المناسبة وتوفيرها للمفكرين والباحثين والمثقفين ليتمكنوا من إقامة دورهم الحيوي والفعّال في تعزيز بنية المواطن السوري الثقافية. دور الثقافة كان دائماً كبيراً، لذا هو بحاجة إلى إعادة هذا الألق إلى المجتمع والمواطن. وبقدر ما نعطي الثقافة، بقدر ما نرسّخ هوية الفرد في المجتمع، وتأصيل هذه الهوية ونماء فكر المجتمع، يجب أن نعود إلى فكر ورؤى وأبحاث ودراسات ما قبل الأزمة ترسخ أهمية الآثار والثقافة في حياة المجتمع والفرد.
عاصي
من ناحيته، تساءل مدير عام الهيئة العليا للبحث العلمي الدكتور غسان عاصي: ماذا بمقدورنا أن نفعل لتستعيد سورية الحبيبة ألقها الحضاري والألفة المعهودة بين أطياف المجتمع ونسير إل الأمام في طريق البناء العصري؟ معتبراً المنتدى محطة ومناسبة للوقوف على الموضوع ومناقشته في محاولة لتلمس بعض الإجابات وطرح بعض المقترحات للتقدّم خطوة إلى الأمام في طريق ترقية بنية المواطن السوري والمجتمع المعرفية والثقافية والأخلاقية.
مداخلات
ودعا رئيس الجلسة المختصة بالتربية، الدكتور مهدي دخل الله إلى عدم التفرقة بين الطلاب في المدارس أثناء تدريس مادة التربية الدينية وإبدالها بالتربية الأخلاقية، وإلغاء الاستثناءات من القوانين، ورفد الثقافة الوطنية بالمعرفة، والانتقال من الخطاب الوصفي إلى الخطاب النقدي.
وتركّزت مداخلات الحضور حول دور المجتمع الأهلي في المرحلة المقبلة والاستفادة القصوى من المراكز الثقافية في التدريب على اختصاصات ثقافية، وضرورة أن تكون الكلمة مسؤولة بمستوى الدم السوري الذي سُفك، ودراسة الظاهرة الاجتماعية الناتجة عن الأزمة، وتوصيف نتائج الحرب على سورية ووضع استراتيجية كاملة لإعادة إعمار الإنسان والوطن.
وفي المحور التربوي والتعليمي ناقش الحضور دور المؤسسات التربوية والتعليمية في تعزيز بنية المواطن السوري المعرفية.
وقدم رئيس الجلسة المؤرخ الدكتور محمود السيد ورقة عمل حول بناء الإنسان من الجانب التربوي، أكد فيها أنّ البناء المنشود للإنسان هو البناء المتكامل والمتطوّر في الوجوه كافة. وأشار إلى مستلزمات البناء تربوياً والمشكلات التي أدّت إلى الاخفاق في عملية البناء والأولويات التي ينبغي التركيز عليها في هذه العملية.
وحول دور المؤسسات التعليمية في تعزيز بنية المواطن السوري المعرفية، قدّم معاون وزير التربية الدكتور فرح المطلق عرضاً حول أهمية التربية ودورها في بناء الإنسان. وأكد على أهمية فلسفة التربية في إعادة البناء داعياً إلى أن تتفق جميع المؤسسات المعنية بالتربية والتنشئة الاجتماعية لتحديد مواصفات المواطن الإنسان الذي نسعى إلى بنائه، ثمّ يبدأ العمل على البناء المتفق عليه.
من ناحيته، دعا عضو مجمع اللغة العربية في دمشق الدكتور موفق دعبول إلى الخروج من المنتدى بتطبيقات عملية وامتلاك الشجاعة لمناقشة جميع القضايا التي تخصّ المواطن السوري وتنمية السلوك الأخلاقي، والحس الحضاري والاهتمام بالاستماع والحوار وإدارة النقاش وتنمية السلوك الأخلاقي.
وأكّد الدكتور كمال بلان ـ الأستاذ في كلية التربية في جامعة دمشق ـ أهمية تكريس ثقافة الالتزام بالقانون، معتبراً أنه الجانب المهمل في البعد التربوي، وأن الاهتمام بهذا الجانب ليس من جهة التشريعات فقط، إنما الالتزام بالقانون. مؤكداً العلاقة بين السلوك الأخلاقي وثقافة الالتزام بالقانون، وإجراء دراسة تقويمية لمعرفة القيم الأخلاقية الموجودة في مناهجنا بالتعزيز.
من ناحيته، ركّز الدكتور عدنان مسلم ـ الأستاذ في قسم علم الاجتماع في جامعة دمشق ـ في ورقة عمله، على أهمية المفاهيم في تجسيد بنية المواطن السوري المعرفية وترسيخ الهوية الوطنية في المجتمع. داعياً إلى تفعيل العمل التطوّعي لأنه أحد المعايير التي ترسّخ الهوية والانتماء في المؤسسات الاجتماعية. لافتاً إلى دور العمل الجماعي بروح الفريق في ترسيخ الهوية والانتماء وتعزيز البنية الثقافية.
كما تركّزت المداخلات حول كيفية الانطلاق في المرحلة المقبلمة وبناء المواطن وإعادة النظر في دور الجامعات والمدارس الخاصة، وضرورة أن تكون القوانين عادلة وتطاول الجميع، ومكافحة الفساد أولاً من خلال «الصدمة»، والعمل للوصول إلى حلول للتعامل مع هذا الواقع وضرورة وجود برامج ومقترحات إجرائية وبرامج تواجه شيئاً من هذا الواقع.
اليوم الثاني
وحثّ المشاركون في المنتدى الحواري في يومه الثاني والأخير، على ترسيخ مفهوم الهوية والمواطنة في المؤسسات الاجتماعية، وركّز على دور المجتمع المدني في تعزيز التنمية الاجتماعية في سورية، وتمكين المرأة ودورها في التربية وتماسك الأسرة والمجتمع، والهجرة وسبل حلّ مشكلاتها.
شعبان
وأكدت المستشارة السياسية والإعلامية في رئاسة الجمهورية الدكتورة بثينة شعبان خلال كلمتها، أن الآثار السلبية للحرب على سورية على مدى نحو خمس سنوات تتطلب مشروعاً وطنياً للنهوض بالإنسان السوري في المرحلة المقبلة، عبر تطبيق أربعة أسس هي: معيار العقل الجمعي الذي يعلي من شأن المؤسسات ويرفض الشخصنة والقدوة الإيجابية خصوصاً بالنسبة إلى الإدارات، ثم الوقت واستثماره والتحلّي بالمحبة والتسامح.
ورأت شعبان أن من روّج لما سمّي «الربيع العربي» أخفى الهدف الحقيقي من ورائه، وهو تفتيت الأمة وشرذمتها وتدمير حضارتها وهويتها عبر نفي مفهوم العروبة والتخلّي عن قضية العرب المركزية في فلسطين، ما يتطلب منّا التأكيد على حقنا في تقرير مصيرنا وصنع المكانة التي تستحقها حضارتنا ووجودنا الإنسانيان، وأن يكون حوارنا مع الغرب حوار العارفين والمدركين.
وتطرّقت شعبان إلى محاولات البترودولار على مدى أكثر من خمسين سنة شراء النخب الثقافية العربية وإنفاق مليارات الدولارات على إحداث منظومات إعلامية تعمل على تسطيح العقل العربي وتسخيفه والسيطرة على الفضاء الإعلامي ومحاربة المؤسسات الإعلامية التي تقدّم مضموناً إعلامياً يدعم حركات المقاومة. داعية إلى الالتزام بالخطّ الوطني في العمل الإعلامي العربي، لا سيما إعادة تحرير الأخبار التي تبثّها وكالات الأنباء العالمية، خصوصاً المتعلقة منها بقضايانا المباشرة.
حسون
وفي كلمة له، خلال المنتدى قال المفتي العام للجمهورية الدكتور أحمد بدر الدين حسون: بعد مرور نحو خمس سنوات من الحرب على سورية، فإن أبناء هذا الوطن على أعتاب مرحلة جديدة لبناء إنسان يكون مضرباً للمثل في فكره، يرفض محاولات تدجين الجيل بفكر منغلق وبالٍ، ويتجنب خلط الدين بالسياسة، ويستكمل ما جاء به الأنبياء والرسل من ثورة علمية حقيقية قائمة على تحرير العقل من التبعية المطلقة للبشر.
وأكد المفتي حسون أن سورية هي البلد العلماني الوحيد في المنطقة والذي كان طابعاً ميّزها منذ 100 سنة، لأن شعبها يضم كل أطياف المجتمع ويعمل الجميع فيه لمصلحة الوطن. معتبراً أن ما ستشهده سورية في مرحلة الخلاص من الأزمة ثورة علمانية وفكرية لتحرير الأمة العربية من التبعية السياسية والثقافية للغرب، ما يستلزم أن تعمل وزارات التربية والتعليم العالي والثقافة والإعلام والأوقاف تحت مظلة واحدة لبناء الإنسان السوري.
ميداني
وأشارت رئيسة «مؤسسة أحفاد عشتار» الدكتورة أيسر ميداني، رئيسة الجلسة الختامية، إلى ضرورة تحديد الجهات الفاعلة في عملية إعادة بناء الإنسان السوري خلال مرحلة ما بعد الحرب، وتوصيف المسار الذي سينقلنا من مسارها إلى مسار إعادة الإعمار. مستعرضة الآثار التي خلّفتها هذه الحرب إيجاباً وسلباً من انتشار ظواهر الهجرة والنزوح والخطف وتخريب البنى التحتية، وظهور تجّار الأزمة، مقابل انطلاق مبادرات أهلية، لا سيما النسائية منها، وانتشار العمل التطوّعي وتأسيس أحزاب سياسية جديدة.
حمد
وفي محورها الذي قدّمته بعنوان «تمكين المرأة ودورها في التربية وتماسك الأسرة والمجتمع»، طالبت الباحثة الدكتورة إنصاف حمد بضرورة تمكين المرأة وزيادة مشاركتها في مختلف المجالات، خصوصاً في دوائر صنع القرار. وتحريرها من كل أشكال التمييز، ومعالجة ذلك في إطار القوانين والتشريعات، وعدم حصر أدوارها بالجانب الأسري. مستعرضة أنواع تمكين المرأة وهي القانوني والاقتصادي والتعليمي والسياسي وسبل تفعيلها.
القش
الدكتور محمد أكرم القش، عميد المعهد العالي للدراسات والبحوث السكانية، قدّم في محوره «الهجرة وسبل حلّ مشكلاتها»، مقارنة بين مصطلحات الهجرة والنزوح واللجوء، وإجراءات الحدّ منها، وآثار النزوح الداخلي على المناطق التي جرى منها وإليها النزوح. داعياً إلى تسريع عودة اللاجئين والمهجّرين إلى أماكنهم المعتادة، عبر إعادة إصلاح البنى التحتية وتأهيلها، وترميم الضرر الذي لحق برأس المال الاجتماعي، وتعديل برامج التنمية بما يتلاءم مع التغييرات الحاصلة.
يونس
وفي محور «دور المجتمع المدني في تعزيز التنمية الاجتماعية في سورية»، أشار رئيس مجلس أمناء «مؤسسّة بصمة شباب سورية» أنس يونس، إلى أن سنوات الحرب على سورية أدّت إلى تفعيل عمل القطاعات الأهلية وتطوّرها. لافتاً في الوقت نفسه إلى افتقاد المؤسسات التي عملت في هذه القطاعات إلى إطار قانونيّ ناظم، وصندوق للتنمية الاجتماعية يدعم مشاريعها، مع وضع ضوابط لعملها، لا سيما أن عددها ناهز 1000 مؤسسة وجمعية أهلية.