فيينا: التفاوض لتكريس المسار

عامر نعيم الياس

أكدت موسكو أن واشنطن لم تنسق معها قبل بدء عمل اللجان الفرعية في فيينا حول سورية، معتبرةً الخطوة الأميركية «فاشلة» لأنها لم تفترض مشاركة كلٍّ من إيران والعراق ولبنان وإيطاليا والاتحاد الأوروبي، معلنةً رفضها تقسيم المشاركين في مفاوضات فيينا إلى أساسيين وفرعيين.

وقالت المتحدّثة الرسمية بِاسم الخارجية الروسية في مؤتمر صحافي يوم أمس الخميس، إن روسيا لا تقبل فرض حلول للأزمة السورية وخطوات أحادية الجانب في عملية التسوية.

يأتي ذلك على خلفية إعلان طهران أن وزير الخارجية محمد جواد ظريف لن يشارك في أعمال الجولة الثانية من اجتماعات فيينا المقرر عقدها غداً السبت، في موقفٍ يعكس امتعاض العاصمة الإيرانية مما وصفته موسكو بالخطوات الأحادية الأميركية، فما الذي دفع الأميركيين إلى عرقلة فيينا؟

حصرت موسكو الأطراف المشاركة كافة في العملية التفاوضية حول سورية في الزاوية، خصوصاً تلك المعادية للمحور الروسي ـ الإيراني في سورية. فبيان فيينا أصبح إطاراً موازياً لـ«جنيف 1»، يحمل في طياته بذور نقض جنيف. فلا مكان للتنظيمات التي تتبنّى الإسلام السياسي فكراً وعقيدة ومنهج حكم، فالدولة السورية «علمانية». كما أسقطت موسكو ورقة الانتقال السياسي من الإطار الذي يعني حكماً نزع أهم ورقة للتغيير في سورية وفق الخطة الأميركية والطموحات الخليجية من التداول، هنا حضرت «الحكومة الشاملة» لتحلّ مكان «الجسم الانتقالي» كما أسلفنا قبل يومين على صفحات «البناء».

التعطيل الأميركي جاء تلبيةً لرغبة سعودية في استبعاد إيران. فالحديث عن اختبار للنوايا الروسية ـ الإيرانية، وتحديد جدول زمني «للانتقال» في سورية، يضيفان فقرة إلى إطار فيينا لم تكن موجودة فيه أصلاً ولم توقع عليها الدول الـ17 المشاركة في الجولة الأولى من المؤتمر.

إن محاولات عرقلة إطار فيينا تنبع من وجود تسليم لدى السعودية بحلٍّ في سورية بقيادة المايسترو الروسي، ونيّة الروس الفرز بين التنظيمات الإرهابية في سورية وغير الإرهابية يصبّ في خانة نزع أوراق القوة والاستنزاف الخليجي ـ التركي ـ الأميركي على الأرض السورية، فحركة «أحرار الشام» التي تتحالف مع «النصرة» و«جيش الإسلام»، كلّ على حدا، وكلّ في ائتلاف خاص به، ليست مدرجة على لوائح الإرهاب ولم تبايع «القاعدة» رسمياً على رغم أنها تتبنّى الشريعة لبناء دولتها المزعومة. لكن واشنطن غير راضية حتى اللحظة بضمها إلى لوائح الإرهاب، فالحركة تواجدت على صفحات «واشنطن بوست» عبر الناطق بِاسمها.

السعودية من جهتها لا تريد أبداً خسارة «جيش الإسلام» الذي لم يقبل التحالف مع «النصرة» ضمن تحالف «جند الملاحم»، وهي تحاول بذلك إثبات اعتداله وعدم ارتباطه بـ«القاعدة»، فيما تركيا ترفض المساس بالكتائب التركمانية والشيشانية التي تقود العمليات في ريف إدلب، كما ترفض المساس بـ«النصرة» حتى اللحظة.

الخداع الأميركي لا يقف عند هذا الحدّ، فنجد أنفسنا اليوم أمام «قوات سورية الديمقراطية»، و«جيش سورية الجديدة»، هذا الأخير الذي يشكّل امتداداً للإخوان المسلمين، فيما الأول يهدف إلى تلميع صورة الأكراد وتفريغ نشاطهم في شمال سورية من شبهة التطهير العرقي الممارس بحق العرب، عبر القول إن التحالف يضم «متمردين عرب» لكن من دون تحديد هويتهم واتجاهاتهم والتي لا يمكن أن تكون في هذه المنطقة من سورية سوى إسلامية أقرب إلى التعاطف مع فكر «القاعدة» ومنهجها.

ما سبق ينسحب على تحديد قائمة ممثّلي ما يسمى «المعارضة السورية» بين لائحة روسية وأخرى تركية وغيرها مصرية وأميركية وحتى سعودية، كل ما سبق يدل على أن استمرار الاجتماع للاجتماع هو الحاكم في هذه الفترة لتصرفات القطبين الراعيين لمباحثات فيينا، بمعنى أن انسحاب طهران دليل على عدم جدوى الاجتماع، لكن الإصرار الروسي على عقده يندرج في سياق أهمية استمرار المسار الذي بدأته فيينا، وتكريس نتائجه باعتبارها «خريطة طريق» لحل الأزمة في سورية، خصوصاً أن موسكو تدخل الاجتماع الجديد بعد أسبوعين على الأول معززةً بإنجازات ميدانية تُخضِع فيينا ولا تخضَع له.

كاتب ومترجم سوري

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى