«العدالة والتنمية» يخوض حرباً ثلاثية الأبعاد
هدى رزق
أطلق الاتحاد الأوروبي سراح التقرير السنوي كما كان متوقعاً. إذ كان من المفترض صدوره في 14 تشرين الأول الماضي أيّ قبل انتخابات 1 تشرين الثاني البرلمانية في تركيا.
جاء التقرير تماماً مطابقاً لما جرى تسريبه منذ شهر، إذ اتهم الحكومة التركية بالارتداد على حكم القانون والحقوق وعلى حرية الإعلام، وطالب الحكومة الجديدة أيّ التي يُتوقع تأليفها خلال الأيام العشرة المقبلة، باتخاذ إجراءات عاجلة بعد الانتخابات لتصحيح هذا الوضع.
لكن التقرير أشاد بتركيا كونها تقوم بإيواء اللاجئين وتتعاون بشأن أزمة الهجرة. وفي الوقت عينه انتقد الوضع الداخلي بشدّة، واعتبر أنّ ما يحصل يشكل انتكاسات خطيرة على حرية التعبير، وعلى تقويض هيبة القضاء، والاتجاه السلبي للسلطة الحاكمة التي لا تحترم سيادة القانون والحقوق الأساسية.
وأضاء التقرير على القضايا الجنائية ضدّ الصحافيين والكتاب، وتخويف وسائل الإعلام وإدخال تغييرات على قانون الانترنت. كذلك شجب المسّ باستقلالية القضاء ومبدأ فصل السلطات الذي قوّض منذ 2014، ودان وضع القضاة والمحامين تحت ضغوط سياسية قوية.
وكما كان متوقعاً اعترضت الحكومة التركية لدى المفوضية العليا للاتحاد الأوروبي واعتبرت التقرير متحاملاً عليها. يبدو هذا التقرير وكأنه ينفخ في جرة، إذ يمكن وضعه في أرشيف الاتحاد الأوروبي واستعماله في فترات الصراع وليس الوئام الذي يسود حالياً.
وفي إطار آخر، وأثناء مقابلة مع قناة «سي أن أن» الأميركية صرّح داوود أوغلو أنّ الحكومة التركية لا تخنق الحريات، وهي تقوم باحترام القضاء، لكنه أورد خبراً مفاده أنّ تدخلاً عسكرياً تركياً في سورية ممكن أن يكون محتملاً، لكنه أكد أنّ تركيا لن تقوم به بمفردها، وفي حال الحاجة الاستراتيجية ستكون تركيا في إطار حملة متكاملة مع التحالف. يلتقي هذا التصريح مع تأكيد مصادر تركية أنّ خيار التدخل العسكري البري لدخول الأراضي السورية والقيام بعمليات ضدّ «داعش» لا يمكن أن يتم من دون قرار يتخذ دولياً، من قبل حلف شمال الأطلسي أو من قبل مجلس الأمن. فمنذ اندلاع الحرب في سورية بدّلت تركيا خططاً بشأن السيناريوات المختلفة شمل إطلاق عملية برية. ويرى المصدر أنه من الطبيعي أن تقوم تركيا بخطط من هذا النوع في حال تعرّضت لاعتداء من سورية على أراضيها… لكن التدخل العسكري البري مرهون بأخذ موقف روسيا بعين الاعتبار عند القيام بمشروع كهذا.
يصبّ هذا التلميح في إمكانية التدخل ضدّ حزب الاتحاد الديمقراطي في سورية الذي تعتبره تركيا جناحاً عسكرياً من أجنحة حزب العمال الكردستاني، وترى خطره كخطر داعش.
في هذا الإطار، يبدو أن الحملة ضدّ حزب العمال الكردستاني ستكون طويلة وضخمة بعدما أعلن هذا الأخير انتهاء فترة «عدم الاعتداء» مع تركيا طيلة 3 سنوات من المحادثات. أما الهدف الرئيسي فسيكون ضرب المواقع اللوجستية لهذا الحزب بعد أن تقدم الاستخبارات العسكرية الجوية المعلومات اللازمة لضرب مواقعه اللوجستية ومآويه في فصل الشتاء ومستودعات الذخيرة والأسلحة، لذلك أتى ردّ فعل أنقرة على إمداد حزب الاتحاد الديمقرطي في سورية بالأسلحة في إطار الحملة ضدّ «داعش»، كون الأسلحة ذهبت الى حزب العمال الذي ربما سيستطيع أن يغطي خسائره بواسطة الأسلحة التي حصل عليها من الدول الغربية والولايات المتحدة الاميركية، لكن هذه الأخيرة صرّحت بأنها لن تقدّم للأكراد الأسلحة أو أيّ مواد عسكرية من الآن وصاعداً.
لا يفصل كل من داوود أوغلو وأردوغان حربهما ضدّ داعش وحزب العمال الكردستاني عن تلك التي يخوضانها في الداخل ضدّ الداعية محمد فتح الله غولن الذي يعيش في الولايات المتحدة، ما زالت الحملات على مؤيديه من اقتصاديين ورجال أعمال وقضاة وصحافيين تتلاحق، وهنالك لوائح اتهام للمتعاطفين معه. كان ممكناً أن لا تكون الحال على ما هو عليه اليوم لو لم يفز حزب العدالة والتنمية في الانتخابات، لكن يبدو أنّ الظروف اليوم مؤاتية لفتح ثلاث جبهات في آن معاً. فالحكومة تعمل في الوقت الحاضر على هذه الجبهات لا سيما بعد اجتماع الأمن الذي عقد في الأسبوع الماضي في مكتب رئيس الوزراء، ويبدو أنّ قرار تنسيق الحرب طيلة فصل الشتاء قد اتخذ.
وفيما يتركز الأمن اليوم على حماية قمة العشرين التي ستعقد الاثنين 16 تشرين الثاني في أنطاليا من إرهاب «داعش» وحزب العمال الكردستاني، كما تدّعي صحف السلطة. يتصاعد التنسيق مع الأميركيين الذي يمدّون قاعدة «أضنة» بالطيارات والمستلزمات اللوجستية. تنوي تركيا طرح مستقبل سورية في هذه القمة بعدما صرّح أوباما بضرورة لقائه الرؤساء المشاركين في هذه القمة والتشاور معهم في الشأن السوري، كون هذه الاتصالات سوف تكون متصلة بما سيجري في فيينا 14 تشرين الأول.
يحاول كلّ من أردوغان وأوغلو خلط الأوراق من جديد وتبيان قدرتهما على الإمساك بالداخل حيث يعتبرون أن القوة الوحيدة القادرة على اختراقهم هي قوة داعمي الداعية غولين في المجالات كافة، أما الأكراد فلقد تمّ فرزهم بين إرهابي، أيّ من ينتمي أو يؤيد حزب العمال الكردستاني، ومن يقف الى جانب حزب الشعوب الديمقراطي بعدما أعادا إحياء العنصرية تجاه الأكراد. وكسبا المعركة البرلمانية. أما الغرب الأوروبي فجرى تحييده وإلهاؤه بمشكلة اللاجئين، حيث اتضح له أنه ما لم يهادن تركيا فهو لن يحلها. تبدو الولايات المتحدة مستكينة لوضعها في القواعد العسكرية التركية الثلاث دياربكر وانجرليك وأضنة ذات المواقع الاستراتيجية التي تشرف على سورية والعراق، وهذا أهم إنجازاتها في العلاقة مع تركيا العدالة والتنمية.