مواجهة جديدة بين «المستقبل» و«الوطني الحر» في «البلديات» وحزب الله يكيّف القوانين المالية المطلوبة دولياً
لم تجفّ دماء شهداء الضاحية الجنوبية، ولم تمضِ ساعتان على التصريحات التي تحدّثت عن الشراكة الوطنية وضرورة وضع الخلافات السياسية جانباً وتفعيل العمل في المؤسسات الدستورية، حتى أطلّت التجاذبات السياسية برأسها من جديد في نهاية الجلسة التشريعية التي ترأسها الرئيس نبيه بري أمس، وتعود الأجواء إلى ما كانت عليه من اتهامات متبادلة بين نواب تيار المستقبل ونواب التيار الوطني الحر، حول إقرار القانون الانتخابي وتعطيل الحكومة.
أنهى المجلس النيابي أمس، عمله التشريعي الذي وضعه لنفسه بما تناسب مع تشريع الضرورة بإقرار جدول أعمال حدّدته الهيئة العامة، وأقفل باب القاعة العامة مجدّداً أمام التشريع بانتظار حصول تسوية سياسية لا تزال بعيدة المنال في اتفاق على القانون الانتخابي تنتج عنها إعادة التئام المجلس.
كانت الجلسة أمس، أشبه بسوق عكاظ كلٌّ يغني على ليلاه، لم تسقط تجاوزات النواب للنظام أمام مطرقة الرئيس بري الذي حاول جاهداً ضبط الوضع بتهديده لهم بالبقاء إلى منتصف الليل، متمنياً على أصحاب السعادة البقاء داخل القاعة بدلاً من التجمّعات في بهو المجلس والمكاتب الجانبية، بخاصة أن كاد أن يطير النصاب في بعض الأحيان واقتصر عدد النواب الحاضرين على 62 نائباً.
لم يكن ختام الجلسة مسكاً على التيار الوطني الحر، وحصل خلاف وتلاسن بين الرئيس فؤاد السنيورة والنائب أحمد فتفت من جهة والنائب إبراهيم كنعان من جهة أخرى على خلفية القانون المعجّل المكرّر الرامي إلى إضافة نص إلى البند 2 من المادة 55 من قانون الضريبة على القيمة المضافة والمتعلق بتوزيع أموال البلديات.
وضع تيار المستقبل فيتو على إقرار هذا القانون وهدّد نائبه فتفت بتطيير النصاب، إذا كان هناك من نية لإقراره، بذريعة أنّ التسوية التي حصلت خلت من هذا القانون، وأن أيّ اتفاق لم يحصل مع العماد ميشال عون حول هذا الموضوع كما قال السنيورة، فالتفاهم بين التيار الوطني الحر وحزب القوات لا علاقة لنا به، ولم يكن معنا.
تلقى التيار البرتقالي أمس، ضربة جديدة من ضربات التيار الأزرق الذي يعتبر أنه قدّم للتيار الوطني الحر مكسب استعادة الجنسية وهذا يكفي متجنّباً التصويت لمصلحة إقرار قانون انتخابي قبل انتخاب الرئيس، وإنْ كانت توصية التمديد في العام 2014 قد سُحبت، أوصى المجلس أن تشكل هيئة المكتب لجنة نيابية لمتابعة درس قانون الانتخاب.
تفاجأ الرئيس بري بموقف السنيورة، على اعتبار أنّ تفاهماً حصل بين الكتل على إقراره، إلا أنّ السنيورة أصرّ على الرفض لغاية في نفس يعقوب، فتلقف الكرة رئيس الحكومة تمام سلام معلناً أن لا موجب للقانون لأنّ هناك مرسوماً تنظيمياً بهذا الشأن وفق التعديلات التي وافق عليها وزير الخارجية جبران باسيل. ويبقى السؤال هل سيوقع وزير التربية الياس بو صعب والوزير باسيل الذي غادر الجلسة متوجّهاً إلى فيينا قبل مناقشة هذا البند، على مرسوم يقول بالعودة إلى الصندوق البلدي المستقلّ، بدلاً من العودة إلى البلديات وفق القانون المقدّم من العماد عون؟ وهل ما حصل كان متفقاً عليه في الكواليس بين تيار المستقبل والقوات اللبنانية، لا سيما أنّ هذا البند كان في أسفل جدول الأعمال، وتطيير النصاب عند طرحه للتصويت لا يعطل الاقتراحات والمشاريع المالية المطلوب إقرارها دولياً؟
تلقى نواب التيار الوطني الحر صفعة زرقاء، ستكون لها ارتدادات في الساعات القليلة المقبلة، على ما قال النائب سيمون ابي رميا، غضب أبي رميا حاول النائب إبراهيم كنعان تخفيف وتيرته بقوله إنّ ما نريده وصلنا إليه، ومن يوم غدٍ اليوم سيكون البتّ والحسم من خلال مرسوم. وهذا الشيء سيحصل، وغامزاً من موقف تيار المستقبل لفت كنعان إلى «أن مَن عقله محدود هو مَن تكون لديه إشكالية بأن ينال المواطنون حقوقهم عبر قانون أو عبر مرسوم».
وكان كنعان طالب خلال النقاش بتحويل الأموال للبلديات مباشرة من وزارة الاتصالات، فأجابه وزير الاتصالات بطرس حرب «لا شأن للوزارة بالأمر، الوزارة كانت تحوّل الأموال إلى وزارة المال وفقاً للقانون، والآن يُطلب تحويلها إلى وزارة الداخلية».
ودعا فتفت إلى ضرورة إنصاف البلديات الفقيرة التي لم تستفد من خدمات جمع النفايات. وتحدّث وزير الزراعة النائب أكرم شهيّب عن إعطاء البلديات حقوقها. وقال: «أيّ بلدية تريد حلّ مشكلتها بالنفايات تسأل أين أموالي؟»
أما السنيورة، فأشار إلى «أنّ هناك حاجة لعدم سلق الأمور». ودعا لإرساله إلى اللجان، وقال: «تستطيع الحكومة أن تخرج برأي واضح بهذا الشأن».
وإذا كان تيار المستقبل قد سجل هدفاً في مرمى التيار الوطني الحر بضربه عرض الحائط بإقرار توزيع أموال البلديات بقانون، فإنّ حزب الله في المقابل فرض بنقاش مدروس وهادئ تولاه الوزير فنيش والنائبان علي فياض ونواف الموسوي، بتّ قوانين مالية تتعلق بمكافحة الإرهاب وتبييض الأموال، وانضمام لبنان إلى الاتفاقية الدولية لمكافحة الإرهاب، وفقاً لملاحظاته ومعتمداً سياسة تكييف هذه القوانين بما أمكن وبما يأخذ بعين الاعتبار مصلحة لبنان واللبنانيين، ومن دون انزلاق الدولة إلى مواجهة مع المؤسسات الدولية.
لم يُدخل نواب حزب الله أيّ تعديل على مشروع تبادل المعلومات الضريبية، لكنهم أدخلوا تأكيداً على سرية قاعدة البيانات في مشروع القانون المتعلق بالتصريح عن نقل الأموال عبر الحدود، والذي ينص على أنه «على أيّ شخص يريد الدخول إلى لبنان، التصريح ما إذا كان لديه أكثر من 15000 ألف دولار في البنك، وفي حال تبيّن وجود المبلغ من دون التصريح يُغرّم الشخص بغرامة تصل إلى 10.000.000 ليرة». وأجروا تعديلاً أساسياً في مشروع مكافحة تبييض الأموال، بحيث أنيطت الصلاحيات بهيئة قضائية يرأسها مدعي عام التمييز يبتّ في استمرار تجميد الأموال بعد انقضاء المهل التي أنيطت بهيئة التحقيق الخاصة. كما أدخلوا تعريف جامعة الدول العربية في كلّ ما له صلة بتعريف الإرهاب.
كما صدّق المجلس النيابي المشروع الرامي إلى طلب الموافقة على إبرام اتفاقية قرض بين حكومة الجمهورية اللبنانية والصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العرب، القانون الرامي إلى تعديل المادة 26 من المرسوم الاشتراعي رقم 304 تاريخ 24/11/1942، المتعلق بقانون التجارة البرية، ومشروع القانون المتعلق بطلب الموافقة على إبرام اتفاقية قرض لتنفيذ مشروع تعاون اقتصادي وفني بين حكومة الجمهورية اللبنانية وحكومة الصين الشعبية، والقانون الرامي إلى طلب الموافقة على إبرام اتفاقية قرض ثانٍ برقم 923 بين الجمهورية اللبنانية والصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية لتمويل مشروع نقل مياه الليطاني إلى الجنوب اللبناني لأغراض الريّ والشرب، ومشروع القانون الرامي إلى طلب الموافقة على إبرام اتفاقية قرض بين الجمهورية اللبنانية والبنك الدولي للإنشاء والتعمير لتنفيذ مشروع مكافحة التلوث البيئي في لبنان، ومشروع القانون المتعلق بطلب الموافقة على إبرام اتفاقية قرض مقدّم من الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية للمساهمة في تمويل مشروع إنشاء وتجهيز مسلخ في طرابلس.
وأوصى المجلس بإعطاء المرأة المتزوّجة من غير اللبناني الجنسية لأولادها، وأن تستفيد قرى إقليم الخروب من مشروع جرّ مياه الأولي لبيروت، وأن تتساوى الطوائف في قانون استعادة الجنسية. وأحال مشروع إنشاء مجلس إنماء عكار ومجلس بعلبك ـــ الهرمل إلى اللجان النيابية المشتركة، وقانون الإجراءات الضريبية وتعديلاته، إلى لجنة الإدارة والعدل بعد المناقشة.
وكان الرئيس بري افتتح الجلسة بالحديث عن التفجير الإرهابي الذي طال الضاحية الجنوبية أول أمس، مؤكداً «أنّ الضاحية قدّمت ما يتجاوز المئتي شهيد وجريح من مختلف المناطق اللبنانية، خلال تفجيرات إرهابية متسلسلة استهدفت أكثر الأحياء ازدحاماً بالمدنيين».
ودعا بري جامعة الدول العربية ومنظمات العمل الإسلامي ومجلس الأمن الدولي واجتماع فيينا إلى عقد جلسة اليوم، لإعلان لوائح سوداء بأسماء أعضاء الجماعات الإرهابية وإعلان حرب عالمية عليها وعلى مواردها البشرية ومصادر تمويلها وتسليحها وممراتها عبر الحدود السيادية للدول»، مشيراً إلى «أن الشعب اللبناني وقواه الحيّة مطالَبين بإبراز قوة وحدتهم الوطنية والتفاهم حول قواه العسكرية والأمنية، وتنشيط إدارته الحكومية والعمل الحكومي إلى جانب التشريع لتعبئة موارد الوطن».
ولفت بري إلى «أن الإعلان عن أسماء وهوية المفجّرين بعيد حصول الجريمة النكراء فلسطينيين اثنين وسوري واحد، دعوة مكشوفة للإيقاع بين اللبنانيين والمقيمين عنده»، موضحاً «أن رئيس المكتب السياسي في حركة حماس خالد مشعل والرئيس إسماعيل هنية، أكّدا له أن «الفلسطينيين ليسا من لاجئي لبنان وقد قُتلا منذ أكثر من سنتين في سورية»، كما أن السوري أيضاً غير مسجَّل بين اللاجئين في لبنان. ودعا إلى مقاومة الجرائم الإرهابية بإعلان الحياة والمشاركة في أعراس تشييع الشهداء، وإبراز التحدي الذي يمثله لبنان واللبنانيون.
كذلك قال رئيس الحكومة في مستهل الجلسة إنه لا يجب أن يمنعنا الإرهاب من التشريع وخدمة للناس، وإصرار الرئيس بري على الجلسة التشريعية أمر جيد ولن نقصّر خصوصاً عندما تواكبنا السلطة التشريعية.
وفي السياق، قال السنيورة «إن التفجيرين الإرهابيين أصابا اللبنانيين جميعاً»، مشيراً إلى أنه «لا ينبغي فقط اللجوء إلى الإجراءات الأمنية بل بوقف عمليات الشحن الطائفي الذي يكرره البعض هنا أو هناك من دون معرفة ما يؤدي إلى توتير البلاد».
واعتبر السنيورة «أنه علينا إيجاد حلول حقيقية لعودة لبنان إلى مؤسساته الدستورية كاملة وفي الأولوية ملء الشغور الرئاسي، لأن استمرار الفراغ يسهم في ما نصل إليه».
قال النائب جورج عدوان: «لبنان نموذج يناقض كل محاولات التفتيت. وخارطة الطريق التي تحدّث عنها الرئيس بري هي عبر المؤسسات».