بين البزّالية وعرسال
تحابّا سرّاً صغيرين واقترنا خفية مراهقين، ثم أنجبا علناً وهما عاقلان قبل اختطافه فإعدامه. كانا من قريتين متجاورتين في أعالي بقاع لبنان ناحية الهرمل يسترقان النظر إلى بعضهما قبل أن يلتقيا. ثمّ تواعدا. ولمّا لم يوافق أهله على زواجه منها، صمّما على الزواج في غياب أهلهما، فاحتجبا لزمنٍ وعادا إلى قريته ومعهما طفلة لا تغيب البسمة عن شفتيها، وكان العيش رغداً. فهو عسكريّ في الجيش، مكتفٍ وقادر ومستغنٍ.
ولكن فجأة، انقلبت الدنيا رأساً على عقب. فكان على الحدود مع سورية عند القريتين زلزال لم يُبقِ ولم يذر. فتداخلت الآراء وارتطمت الأفكار. فانجرّت القريتان إلى الغليان الحربيّ والصراع القبليّ، ونشأت خطوط تماس ونقاط اشتباك. فمالت قريته إلى حدب، فيما مالت قريتها إلى صوب. لكنهما بقيا وطفلتهما على الحياد٬ إلى أن كان يوم مشهود.
وقف مع عسكر بلاده بين القريتين، فيما وقف أخوها في مواجهته، فكانت القطيعة واختطفه مسلّحون يناصرون أخاها. فأرسلها أهله إلى قريتها إلى أن يعود ابنهما إليهما. ذات مساء، بثّت الإذاعة وصوّر التلفزيون خبر إعدامه. كان راكعاً معصوب العينين، فيما اخترقت جمجمته رصاصة.
ندبته أمّه وإلى جانبها طفلة تحمل صورة والدها الجنديّ وعلى شفتيها ابتسامة.
هو من البزّالية، وهي من عرسال، فيما الطفلة… بين بين في عالم يهلك.
محمود شريح