اليد «الإسرائيلية» في تفجيرات الضاحية واليد الأميركية في عرقلة فيينا

ناصر قنديل

– المشهد أمامنا ويكفي أن نربط بعضه ببعض قطعاً وحزماً ونجمعها لتكتمل المعالم، قوة «داعش» و«النصرة» تظهر رغم كلّ نجاح الاندفاعات الهجومية الاستعراضية المبنية على معادلات عشرة رجال لرجل، وكثافة الآليات والنار، قوة لا يُعتمد عليها في الحروب، فكما قال موشى أرينز وزير الدفاع «الإسرائيلي» الأسبق أحد آخر الاستراتيجيين المتبقّين في كيان الاحتلال، «عظمة قتال حزب الله في حرب تموز 2006 أنه قتال دفاعي جبار تحت قبة نارية هائلة وقدرة دمار استثنائية، وبعديد يعادل واحد من مئة بالقياس للعديد المهاجم، من بنت جبيل إلى مارون الراس إلى عيتا واجهنا بضع عشرات في كلّ منها بينما كنا بضعة آلاف نهاجم».

– ما يجري في شمال سورية يقول إنّ «داعش» و«النصرة» لا يُعتمد عليهما في الحروب، وإنهما قوة تخريب فعّالة، وقوة إبهار هوليودية لإرهاب الناس يُعتدّ بها، لكن في ساحات القتال، سيشكل كلّ الكلام عن الحرب الطويلة التي سيحتاجها العالم ليتخلص من «داعش» وحدها، مجرد حرب نفسية تافهة خاضها رئيس الدولة الأعظم في العالم ليمنح «داعش» هالة العدو الجبار، ليعذره العالم لتأخر هزيمته، بينما سيظهر انهيار هذا الجبروت العسكري أمام الجيش السوري ومقاتلي المقاومة، كانهيار أمام المرآة لكذبة صنعها الرئيس الأميركي باراك أوباما، وسقوط للأسطورة التي رسمها بعناية عقل استخباري كان يريد للحرب على «داعش» أن تبقى تحت السيطرة.

– لم تعد ممكنة إعادة عقارب الساعة إلى الوراء وتوفير أسباب الصمود لـ«داعش» ولا عاد ممكناً التساهل مع العبث بمسار الحرب التي يخوضها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وباتت حربه الشخصية منذ سقوط الطائرة الروسية، بقنبلة «داعش»، بعدما كانت حرب روسيا وحدها، وبات العبث فيها مقامرة بالعلاقات الروسية الأميركية وقدرتها على تشكيل مرجعية لترصيد الحسابات ورسم التوازنات، من جهة، ومقامرة بمستقبل الحرب التي تشكل أيّ انتكاسة افتراضية روسية فيها تؤدّي لمنح «داعش» فرصة النصر، سبباً كافياً لتحويل «داعش» إلى قوة لا تقهر وتسليمها مفاتيح الشرق الأوسط وأبواب أوروبا. الطريق الوحيد المتاح هو مفاوضة روسيا وإيران على الثمن المطلوب لتوفير التغطية السياسية لهذه الحرب، من جانب أميركا وحلفائها الدوليين والإقليميين، من دون تباطؤ يترك روسيا وحلفاءها ينتصرون وحدهم، بينما التفاوض يجري على ثمن التغطية الهادف أصلاً لتخفيض كلفة النصر ومدة تحقيقه.

– هذا المشهد الأميركي الحساس والدقيق، يقابله مشهد «إسرائيلي» لا يقلّ دقة وحساسية، فـ»إسرائيل» عاجزة عن الحرب وعن السلم وعن تحمّل استنزاف اللاحرب واللاسلم، وعن احتمال توقع ما سيحدث بعد تعافي سورية من الحرب ونتائجها عندما يتحقق لها النصر على الإرهاب، وتتصرّف كقوة قائدة في الإقليم ومن ورائها إيران ومن أمامها حزب الله، وماذا سيكون غير الحرب الكبرى التي تخشاها «إسرائيل»، ولو بعد سنوات؟

– يلتقي أوباما برئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، فيتصارحان بضعفهما، ويخرجان باتفاق قيل إنه غير مسبوق، يرتكز إلى الواقعية. وتبدو الواقعية في صرف «إسرائيل» النظر عن عنتريات تفوق طاقتها بحروب على إيران وسورية وحزب الله كانت تدّعي أنّ أميركا تمنعها عن شنّها، والتسليم بحاجتها إلى رصيدين أميركيّين يشكل صرفهما في الحساب «الإسرائيلي» قوة للشريكين الاستراتيجيين أميركا و«إسرائيل»، والمقصود الرصيد الأميركي في تحريك مجموعات الإرهاب الفاشلة في الحرب الناجحة في القتل والانتحار والتخريب، والرصيد الأميركي التفاوضي لمنح الغطاء السياسي للحرب على الإرهاب.

– التفاهم يجري على أن تضع «إسرائيل» سقوف سياستها تحت السقف الأميركي بلا دلع وتفرّد، خصوصاً لجهة إطلاق مسار تفاوضي مع السلطة الفلسطينية لإجهاض الانتفاضة وتمييع الصراع، مقابل سعي أميركي لتفاوض يمنح «إسرائيل» ضمانات عدم تعرّضها لحرب مقبلة، إذا سهّلت أميركا الاعتراف بدور الرئيس السوري والتعامل معه كأمر واقع لا يمكن تغييره، وارتضت الاحتكام لانتخابات تعرف سلفاً أنه سيفوز فيها، حتى وهي تستعدّ لحرب انتخابية لإسقاطه وتقنع حلفاءها الآخرين بوضع قدراتهم للفوز بهذا الهدف. والضمانات ستحاول أميركا الحصول عليها من روسيا وربما من إيران، ومعها ربما ستفاوض على ضمانات تتصل بنوع السلاح الذي سيحصل عليه حزب الله كقضية قائمة بذاتها. فحزب الله الذي تشارك أوباما ونتنياهو بتوصيفه كأكبر مصدر للخطر في المرحلة المقبلة هو الهدف.

– إضعاف حزب الله وإرباك حزب الله واستنزاف حزب الله وتحديد مصادر قوة حزب الله والسعي إلى النيل منها وإرباكها، هي عناوين التفاهمات الأميركية «الإسرائيلية»، ولا حاجة للتساؤل عن قدرة أميركا و«إسرائيل» في التأثير على قرارات الجماعات المنتمية إلى «القاعدة» من «داعش» إلى «النصرة» وأخواتهما، ولم يعد الأمر سراً، يكفي التحقق من أنّ كلّ استهداف لحزب الله وبيئته الحاضنة لن يغيّر في موقف الحزب وجمهوره من الحرب على «داعش» و«النصرة» لمعرفة عبثية الاستهداف في هذه الحرب، واكتشاف أنّ المستفيد يخوض حرباً طويلة تتخطى ما يجري في سورية ويكفيها الإنهاك والنزيف، وليس إلا «إسرائيل» تستفيد.

– تجيّر أميركا مكانتها في عملية فيينا للعرقلة وإعادة التفاوض إلى نقطة الصفر حول الرئاسة السورية بعد لقاء أوباما نتنياهو، وتستخدم غباء حكام الخليج لتوهّمهم أنّ التغيير يجري بسببهم، فيزيدون دفعات المال السخي التي وعدوا بدفعها إذا أظهر الأميركيون عناداً أشدّ، ويضع الأميركيون في مغلف صغير مطلبهم من روسيا وإيران، حدّدوا سقف دعمكم لحزب الله فنتراجع عن تصلّبنا تجاه دور الرئيس السوري، وعلى ضفة أخرى يجري إطلاق قطعان الانتحاريين الفاشلين في الحرب للضرب يميناً ويساراً، حيث يمكن جعل جسد الحزب وجمهوره ينزفان.

– يتوهّم الثنائي الأميركي «الإسرائيلي» بالقدرة على ربح هذه المعركة التكتيكية بوهم أنهما حسباها جيداً، وأنهما لا يطلبان أثماناً مرتفعة، وسيكتشفان أنّ الردّ السريع بتصعيد الحرب وجعل النصر ممكناً بلا الغطاء السياسي للغرب وحلفائه من واشنطن إلى الرياض مروراً بأنقرة، هو الردّ العملاني والتفاوضي، فتسارع النصر وحده سيفهم اللاعبين الاستراتيجيين أنهما في مدرسة هواة أمام محترفين، حيث الإرهاب الذي ضرب الضاحية سيسرّع التعبئة للحرب، ومعنويات الإرهابيين المنهارة في الحرب لن تختلف كثيراً عن معنوياتهم وهم يتساقطون أمام الملاحقات الأمنية في الحرب الاستخبارية التي دخلت مرحلة جديدة للتوّ، والتشدّد الأميركي في فيينا سيصعّد الوقوف الروسي بقوة للحسم السريع، فتتساقط رقع الجغرافيا السورية الأسيرة بيد الإرهابيين لتصير بيد أصحابها الحقيقيين وبسرعة. على الأميركيين التنبّه إلى أنّ الكلام السياسي تتضاءل قيمته كلما مرّ الوقت، وربما فيينا نفسه صار بلا قيمة.

– إنها الحرب وسيضحك كثيراً من يضحك أخيراً.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى