ميدان فيينا
نظام مارديني
بالتزامن مع التقدم الميداني الذي يحققه الجيش السوري في جبهات عدة كان تقدم الميدان الدبلوماسي حاضراً في محادثات العاصمة النمساوية، وما اصطلح على تسميته بـ «فيينا 2»، من خلال إصرار روسي ـ إيراني على أهمية ضرب الإرهاب من جهة، وتأكيد أن حل الأزمة السورية لن يكون إلا بالتسوية السياسية من جهة ثانية، وقد جاراهما الأميركي مرغماً بذلك، في حين بقي الآخرون من الحاضرين في المحادثات مجرد كورس يردد ما يقرّه الثلاثة الكبار.
فعلى وقع الميدانين السوري والنمساوي جاء لقاء بوتين ـ أوباما على هامش قمة العشرين في أنطاليا السورية المحتلة من قبل تركيا. ورغم التباين في المواقف في كلا الميدانين، إلا أنهما مصيريان وقد يحددان شكل المستقبل السوري إذا نجح الأطراف في التوافق على حل يقبله الجميع.
الروس الذين سهّلوا مهمّة المجتمعين في فيينا2، واختاروا تجزئة القضايا الخلافية لكي لا ينفجر مسار المفاوضات. فضلوا البدء بتحديد خريطة الإرهابيين، قبل دعوة المشاركين في الاجتماع لاحقاً، إلى تصويب صواريخهم عليهم في سورية، والدخول إلى ميادين الحرب على من وُضعوا على لائحة الإرهاب، بعدما أمضوا أعواماً في تمويلهم وتسليحهم والمراهنة على الوصول إلى دمشق خلفهم.
وحتى لو نجح الدبلوماسيون بالتوافق على ما يطلبه الروس، الذين يسعون لقبض ثمن الحل قبل الدخول في تفاصيله، لا توجد مع ذلك ضمانات أن تحترم الدول ما يترتب على تصنيف أي جماعة مسلحة بالإرهاب، لأن ذلك سيكون انسحاباً من الميدان السوري، ووضع العربة أمام الحصان، قبل اتضاح «الصفقة» السياسية التي ستكتمل خلال 18 شهراً، والأثمان التي سيطالب كل طرف بها، للمساومة على الجماعات التي تعمل تحت رعايته في الحرب على سورية، كما اتضح من خلال تصريح «دانكيشوتي» لمندوب مملكة السواد الجبير الذي سعى لقبض ثمن الحل بدعوته لتنحية الرئيس السوري بالسياسة أو بالقوة!
ما نشاهده اليوم في المفاوضات حول سورية، لا يمتّ بصلة لكل ذلك العويل الأيديولوجي الوهابي المسكون بمصطلح «أشباه الرجال»، ولا يمكن الانعتاق من دوائره القاتلة، إلا بالعودة إلى هذه المهمة الكبيرة للميدان السوري من جهة..، ومهمة بناء الدولة الحديثة، التي يقاوم أبناؤها كل ذلك الطيف الواسع من صناع التشرذم وسماسرة قوى العدوان من جهة ثانية.