في نهاية الحرب: حزب الله المنتصر الوحيد «بلا تنازلات»
روزانا رمّال
عندما تنعقد طاولة المفاوضات حول الأزمة السورية، بحلقتها الأخيرة، سيصدر عنها كلّ ما يحتِّم على الأطراف الحاضرة الالتزام به. فهذه الطاولة سترسم مصير المنطقة لسنوات ومنها ستخرج معاهدة بناء الدولة السورية الجديدة، حيث لا مجال للعودة إلى الوراء.
إنّ الدخول العسكري الروسي على خط مكافحة الإرهاب بدا المحفز الأساسي لخلط الأوراق في المنطقة والعالم، فكلّ طرف رفع أوراق قوته في وجه الآخر، وجاء مؤتمر فيينا ترجمة لنيات الإسراع في الحلول، على الرغم من أنّ الأجواء تشير إلى تعقيدها لأنّ الحديث عن التسوية السياسية خاضع لظروف قد تتغيّر بسرعة وتتقدّم إيجاباً بالنسبة إلى طرف وتُحسَب سلباً للطرف الآخر. وفي الحالة السورية، فإنّ أي إنجاز روسي كبير على خط المواجهة هو إحراج أكبر للولايات المتحدة وحلفائها، حيث ستُمعن الخطوة الروسية في تحجيمها، إذا ما قدمت للعالم نموذجاً من القدرة على مواجهة وحش الإرهاب بعدما أمعن الأميركي في اعتباره قدراً لا مفرّ منه، شرق أوسطياً، زاعماً بقاء المنطقة تحت رحمته لثلاثين عاماً، كما جاء على لسان رئيس الاستخبارات الأميركي السابق ليون بانيتا.
العقدة خلقتها روسيا وبات على خصومها التعامل مع منطق الهروب من التحجيم الذي سيلاحقهم في الحلول السياسية. وقد أتت الانتصارات الميدانية للجيش السوري في منطقة ريف حلب في هذا التوقيت بين مطار كويرس، كأول هزيمة لـ»داعش»، ومنطقة الحاضر، كمعقل لـ»جبهة النصرة»، الإنذار بقرب معركة حلب الكبرى كتحدٍّ كبير للحلف الأميركي الذي بات متفرجاً أمام تدهور سيناريو رسمه لمدة خمس سنوات يتعلق بالإرهاب التكفيري القادر على الإخضاع وإسقاط المرحلة السابقة والتأسيس لمنطق التقسيم، والقادر على الأخذ إلى التسويات المذلّة وحصد النقاط وكسر سورية وحلفها بطبيعة الحال.
تدرك واشنطن أنها غير قادرة على ردّ الخطوة الروسية إلى الوراء، لكنها تدرك أيضاً أنها غير مستعدّة أن تترك موسكو تلعب دور المخلّص في نظر العالم. فهذا الإحراج قد فضح سياسات دول بذلت أموالاً طائلة لإقناع الرأي العام داخلها، بأنّ الإرهاب التكفيري خارج عن السيطرة وأنّ قتاله يتطلب وقتاً، موحية بأنّ تحالفاً دولياً، بزعامة أميركا، عجز عن ذلك ولو أنّ هذا التحالف أيقن لحظة واحدة أنّ روسيا ستقدم على هذه الخطوة بجدية، لأعاد حساباته. ما يؤكد عدم التنسيق الأميركي ـــ الروسي في الدخول الروسي وهذا حديث آخر. وعليه فإنّ القرار بعدم ترك الساحة خالية لروسيا وحلفائها قد اتُخذ.
استفاق العالم على عمل إرهابي مروِّع ضرب باريس، بجرأة غير مسبوقة تعبّر عن حرفية وإقدام ودعم كبير لهذه المجموعات. فهذا العمل يتخطى كونه ارتجالاً أو انتقاماً، ففرنسا من أشدّ الداعمين للمشروع التقسيمي لسورية ولا تزال تحافظ على أقسى التصريحات بخصوص النظام، وعليه يستحيل اعتبار العمل الإجرامي انتقاماً من السلطات الفرنسية لعمل أو موقف أو خطوة أو حتى إيحاء بالتنصُّل من مشروع إسقاط الرئيس بشار الأسد أو دعم كلّ مَن يعاديه.
تؤكد أحداث فرنسا أنّ الحلف الأميركي استعد للدخول على خط مكافحة الإرهاب، وربما خطط له نظراً للعمل الاستخباري الرفيع المستوى الذي أظهرته العملية والجرأة في الإقدام، حيث لم يقع حادث مماثل حتى في أكثر الدول العربية هشاشة في الأمن وركاكة في الوحدة الوطنية. إنّ هذا الحادث هو بمثابة تحوُّل أوروبي دولي على خط مكافحة الإرهاب المنطلق من سورية. من هنا فإذا قرّرت فرنسا القيام بعمليات نوعية وجدية في سورية للقضاء على بؤر التكفير فهي لا تحتاج إلى تبرير عمل أخذت أو دفعت إليه أمام العالم.
يبدو جلياً تعقُّد الأزمة منذ مؤتمر فيينا الذي سرّعه الدخول الروسي، ولأنّ هذا المؤتمر جدّي في حلّ الأزمة، فإنّ الأطراف كلها على موعد مع تقديم تنازلات لحلها وإغلاق الملف الذي قال عنه جون كيري منذ أشهر إنه حان الوقت لبته. فالأزمة طالت أكثر مما ينبغي، بحسب تعبيره، وهي أزمة أنهكت العالم بأسره ولو اتفق على مصلحة باستنزاف سورية. وعليه فإنّ الأطراف التي تتصارع اليوم في كلّ الجبهات تعدُّ أوراقها وأوراق تنازلاتها للتسويات الخارجية التي ستنعكس داخلياً، بلا شكّ، على أنظمتها، لكنّ اللافت أنّ هناك طرفاً رئيسياً في هذه الحرب ممثل بحلفائه وغائب عن الطاولة لن يدفع ثمن أي تنازل بل سيتوَّج منتصراً بلا هوادة.
حزب الله هو الطرف الوحيد الذي سيخرج من الأزمة منتصراً، داخلياً وإقليمياً، فحلها سينعكس إيجاباً عليه على الصعيد السياسي في لبنان وسيحسِّن من قدرته على فرض شروطه في أي استحقاق داخلي لفترة غير قليلة، وسيؤكد على قدرته على قطع الطريق على أي محاولة للفتنة وهو لن يدفع أثماناً في هذه الجبهة أو تلك، كما ستدفع أو تقايض دولياً إيران والسعودية والولايات المتحدة وفرنسا وتركيا وسورية وكلّ من له علاقة، والأبرز «إسرائيل».
المأزق الأكبر اليوم في العين «الإسرائيلية» هو خروج حزب الله، المفترَض أنّ الحرب قد أنهكته، منتصراً ومكللاً بموقف تتويجه قوة إقليمية ودولية كبرى، ما يرفع المخاوف في هذه المرحلة التي تسبق فيينا، داخلياً، من استهدافه وإيلام قاعدته أكثر من أي وقت مضى وتفجير برج البراجنة نموذج ضمن هذا السياق.