صحافة عبريّة
ترجمة: غسان محمد
تركي الفيصل و«الاندلاق» على «إسرائيل»
أصبح الأمير تركي الفيصل، الرئيس الأسبق للاستخبارات العسكرية في المملكة العربية السعودية، الناطق غير الرسمي بلسان الرياض في وسائل الإعلام «الإسرائيلية». فعلى شرف انعقاد مؤتمر السلام الذي تُنظّمه سنوياً صحيفة «هاآرتس» العبرية، كان من الطبيعي جداً أن يدلي الفيصل بدلوه. فبعد كتابته مقالاً لصحيفة «هاآرتس» السنة الماضية، جدّد فيه عرض مبادرة السلام العربية، التي أقرّها مؤتمر القمّة العربية الذي عقد في بيروت عام 2002، ثمّ عاد وأقرّها مؤتمر القمّة العربية الذي التأم في الرياض عام 2007، على «الإسرائيليين»، أجرى الأمير السعودي تركي الفيصل مقابلة مع الصحيفة العبرية، عاد وأكّد من خلالها طلب السلام مع الدولة العبرية، وبطبيعة الحال التطبيع معها.
ولفتت الصحيفة في المقدّمة إلى أنّ تركي الفيصل، الابن الثامن للملك فيصل بن عبد العزيز، ورئيس جهاز الاستخبارات السعودي الأسبق، يتولّى مهمة الإلحاح على قادة «إسرائيل» كي يصنعوا السلام، وهو في سبيل ذلك التقى في السنوات الماضية، بشكلٍ علني، شخصيات «إسرائيلية» مختلفة، منها الوزيران السابقان مائير شطريت ودان مريدور، ورئيس شعبة الاستخبارات العسكرية السابق الجنرال عاموس يدلين، وأخيراً وزير المالية السابق يائير لابيد، زعيم حزب «يش عتيد» المُعارض.
وفي بداية حديثه الصحافي، زعم الأمير السعودي أنّ الحديث الصحافي نابعٌ من ضميره الخاص، مُشدّداً في الوقت عينه على ألا يُمثل البلاط الملكي أو الحكومة السعودية. علاوة على ذلك، أوضح في الوقت نفسه، أنّه لم يسمع أي شكوى من جانب الحكومة في المملكة السعودية حول آرائه المعلنة.
ولفتت الصحيفة «الإسرائيلية»، التي أبرزت الـ«سبق الصحافي»، إلى أنّ الأمير على يقينٍ، كما الصحافي الذي أجرى معه الحوار في واشنطن، حيمي شاليف، أنّه لولا موافقة السلطات السعودية، الصريحة أو الضمنية، لما كان بالإمكان إجراء الحديث الصحافي. ولفت شاليف إلى أنّ الفيصل استقبله في الفندق الفخم باكراً في منهاتن.
أرادت الصحيفة أن يكون الحوار لمناسبة مبادرة كلينتون العالمية في أفريقيا والشرق الأوسط، والتي يشارك فيها الفيصل، ليتشعب الحوار في اتجاهات أخرى، أبرزها تحسين صورة المملكة لدى الرأي العام «الإسرائيلي»، والحديث عمّا سمّاه الأمير السعودي «العدو المشترك» لبلاده ولـ«إسرائيل»، ألا وهو الجمهورية الإسلامية الإيرانية.
وخلال حديثه، لفت الأمير السعودي إلى أنّ الرئيس الأميركي باراك أوباما استهل ولايته الأولى بمنتهى الحزم للدفع بعملية السلام بين «إسرائيل» والفلسطينيين، ولكنّه تراجع سريعاً، الأمر الذي أصاب العالم العربي بخيبة أمل كبيرة، على حدّ تعبيره.
وتابع الأمير الفيصل قائلاً للصحيفة العبرية: لا أحد يظن أنّ واشنطن ستدفع «تل أبيب» إلى تبنّي مبادرة السلام العربية والتوصل إلى حلّ الدولتين، الأمر الذي يعني أنّه لا يوجد سوى «إسرائيل» نفسها كي تكون هي المبادرة إلى ذلك.
إضافة إلى ذلك، لفت الأمير السعودي إلى أنّ مبادرة بلاده هي السبيل للخروج من الطريق المسدود لعملية السلام بين الدولة العبرية والدول العربية، مُشدّداً على أن تشمل انسحاب «إسرائيل» إلى حدود ما قبل الرابع من حزيران من عام 1967، وإنشاء دولة فلسطينية، وإيجاد حلٍّ متفقٍ عليه للاجئين الفلسطينيين. وشدّدّ على أنّه بالمقابل ستحصل الدولة العبرية على تطبيع العلاقات مع جميع دول المنطقة، أي الدول العربية والإسلامية، على حدّ سواء.
علاوة على ذلك، قال الفيصل في معرض ردّه على سؤالٍ إنّ الماضي شهد على أنّ العرب هم من كانوا يقولون «لا»، أما اليوم فإنّ «إسرائيل» هي التي ترفض التطبيع، وأعرب عن اعتقاده بأن رئيس الوزراء «الإسرائيلي» بنيامين نتنياهو ليس زعيماً صاحب بعد نظرٍ، وهو، أي نتنياهو، لن يطلق تحركاً سياسياً دراماتيكياً، لذلك، يجب أن تنطلق المبادرة من مصدر آخر، من الرأي العام في «إسرائيل». معرباً عن تمنياتّه بأن يقرأ الشعب «الإسرائيلي» التصريحات التي أدلى بها لصحيفة «هاآرتس».
وأوضح الأمير السعودي أيضاً أنّ رئيس السلطة الفلسطينية محمود عبّاس، ومنظمة التحرير الفلسطينية، ملتزمان بالحلّ التفاوضي، وأعاد إلى الأذهان أنّ حركة «حماس» أيضاً قد تعهدّت بقبول كل ما توافق عليه منظمة التحرير، وشدّدّ على أنّ هذا هو موقفهم العلني ومن الممكن اختباره. وبطبيعة الحال كانت إيران حاضرةً وبقوّةٍ في اللقاء الصحافي، إذ لفت الأمير الفيصل إلى أنّ العلاقات بين المملكة السعودية والجمهورية الإسلامية شهدت تحسّناً في عهدَي الرئيسين الإيرانيين الأسبقين، هاشمي رفسنجاني ومحمد خاتمي، إلا أنّها تراجعت في عهد محمود أحمدي نجاد، زاعماً أنّ مردّ ذلك يعود في الأساس إلى رغبته في بسط النفوذ الإيراني على الشرق الأوسط بأسره، من سورية والعراق، حتى البحرين واليمن.
كما تطرّق إلى الرئيس الإيراني الحالي، حيث بدا التناغم والتماشي مع الموقف «الإسرائيلي» جلياً وواضحاً، إذ قال: إنّ الرئيس حسن روحاني وإن كان صدر عنه بعض الكلام الجميل، إلا أنّه لم يغيّر الاتجاه حتى الآن. معرباً عن شكّه العميق في أقوال الرئيس روحاني في ما يتعلّق برغبته بتحسين العلاقات مع السعودية.
ورفض الأمير تعريف العلاقات مع إيران بأنّها علاقات بين دولتين عدوين، وقال إنّ العلاقات بينهما تتمحور حول خلافات في الرأي حول عددٍ من القضايا.
وأضاف: إنّ المحاولة لتحويل الخلافات مع إيران إلى نزاعٍ بين الشيعة والسُنّة يتّم تطويره ونشره من قبل الميليشيات الشيعية والتنظيمات الإرهابية التي تحارب في كلٍّ من سورية والعراق.
الأمير الفيصل رفض رفضاً قاطعاً ما يشاع عن بلاده بأنها تنشر في العالم الإسلامي التطرّف الأصولي، ولفت في هذه المسألة إلى أنّ السعودية تقف منذ الهجوم على مركز التجارة العالمي في نيويورك عام 2001 على رأس الكفاح ضدّ الإرهاب، وشدّد على أنّ المملكة قامت باتخاذ إجراءات صارمة، شملت منع تحويل أموال وتصدير خطاب تحريض أو السماح بانتقال الأشخاص إلى مناطق حساسة.
وخلُص الفيصل إلى القول إنّه إذا لم يحرَز أي تقدّم في المسار «الإسرائيلي» ـ الفلسطيني، فإنّ الرياض لن تتعاون مع «تل أبيب» في أيّ قضية من القضايا. يُشار إلى أنّ الصحيفة العبرية نشرت فيديو المقابلة مع الأمير السعودي، والتي أُجريت باللغة الإنكليزية، على موقعها الالكتروني، مع ترجمةٍ إلى اللغة العبرية، بهدف إيصال صوت الفيصل إلى الجمهور «الإسرائيلي»، كما طلب.