من بايدن إلى البارزاني ومن كيري إلى باول… ما الذي تغيّر؟

عامر نعيم الياس

أرسلت الإدارة الأميركية وزير الخارجية جون كيري في زيارة إلى العراق حيث التقى في بغداد المسؤولين العراقيين وعلى رأسهم رئيس الحكومة نوري المالكي وبحث معه الأوضاع في العراق مطالباً إياه بالسعي إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية قبل نهاية الشهر الجاري، وهي المهلة القانونية، لكن من دون أن يتمّ التطرّق إلى مصير المالكي، وفي هذا مؤشر واضح على استعداد الإدارة الأميركية لاحتمال بقاء المالكي في الحكم، لكن على قاعدة تغييرات كبرى في شكل ومضمون الحكومة تؤدي إلى استعادة الولايات المتحدة على الأقلّ لحصتها السياسية والأمنية والاقتصادية في العراق.

وبعيد الانتهاء من زيارة بغداد وصل جون كيري إلى أربيل حيث التقى رئيس إقليم كردستان مسعود البرزاني الذي قال له: «هناك عراق جديد بحاجة إلى قيادة جديدة»، فهل يعني ذلك إصرار الأكراد على استبدال المالكي؟ أم أن موقف أربيل يندرج في إطار التمنيات وليس الضغط على واشنطن لإبداء موقف أكثر حزماً من المالكي؟

إنّ زيارة جون كيري إلى أربيل بعد بغداد تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك الآتي:

الدعم الأميركي المطلق لكردستان وحكومتها وسياساتها المتّبعة منذ احتلال العراق عام 2003.

كردستان هي القاعدة الأميركية في العراق، والأكراد هم الحلفاء الأوفياء لواشنطن في قلب العراق الموّحد والعامل والأنموذج الأساس لرؤى التقسيم الخاصة بالعراق وحتى المنطقة.

كردستان العراق بشكلها الحالي تمثل ورقة ابتزاز وضغط أميركي في وجه دول المنطقة بمن فيها تركيا شريكة الولايات المتحدة في حلف شمال الأطلسي، فضلاً عن إيران وسورية، وعليه فإنّ الحفاظ على هذه الورقة وتقديم ما يمكن تقديمه لها في العراق أمران لا يمكن إهمالهما في السياسة الأميركية.

الزيارة بحدّ ذاتها وفي هذا التوقيت تحديداً، أيّ في ذروة مشاكل المالكي مع الأكراد وذروة حاجته إلى موقف وطني جامع وموحد في مواجهة «داعش» التي يروّج لها على أنها نتيجة فقط لسياسات المالكي، هذا ما قاله البرزاني، هذه الزيارة تعدّ اعترافاً واضحاً من قبل إدارة أوباما بالتوجهات الجديدة للأكراد، وخصوصاً بعد السيطرة على كركوك من قبل البشمركة، وسحب هذه الورقة من يد العرب وإدخالها في بازار تعويم ملف الانفصال النهائي للأكراد عن العراق.

الإصرار الكردي على استبدال المالكي يندرج في سياق اللعبة السياسية والابتزاز الذي تقوده واشنطن تجاه المالكي وحلفائه من جهة، ومن جهة أخرى يندرج في سياق الانتهازية السياسية الكردية التي مورست تاريخياً في العراق وغيرها من الدول العربية.

يوماً بعد يوم تتوضّح صورة وشكل الاستنزاف الأميركي الجديد للعراق أقلّه على المدى المنظور، استنزاف بهدف تعزيز التقسيم وليس بهدف التقسيم، فالعراق الموّحد السيّد المستقل انهار بانهيار الدولة العراقية عند دخول الجيش الأميركي، ونحن اليوم نعيش عصر داعش البغدادي ذا الخريطة التوسعية العابرة للحدود وبرنامج التطهير العرقي والإثني والطائفي بحق كلّ من يخالف قناعاتها، كما أننا نعيش عصر جو بايدن النائب الحالي للرئيس الأميركي والذي طرح فكرة تقسيم العراق علناً عندما كان نائباً في عام 2006 أمام مجلس الشيوخ الأميركي إلى ثلاث دول كردية وسنية وشيعية. هو عصر البارزاني الذي ورث عن والده الانتهازية السياسية والانقلاب على الدساتير والاتفاقات، عصر التقسيم ودولة كردستان والحلم الكردي. وفي هذا العصر يأتي جون كيري وزير الخارجية الأميركي إلى بغداد ليملي على المالكي مطالب إدارته لإنقاذ العراق من براثن داعش وإبقائه على رأس الحكومة العراقية، مطالب لا تختلف عن تلك التي حملها وزير الخارجية الأميركي كولن باول إلى سورية في أيار 2003 بعد احتلال العراق لضمان أمن الدولة السورية.

كاتب سوري

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى