هولاند رخيص وغبي
ناصر قنديل
– يتردّد أيّ كاتب بوضع عنوان يتضمّن تعابير من هذا العيار بحق رئيس دولة حتى لو كان هذا الرئيس فرنسوا هولاند الذي وصفته زوجته السابقة المفكّرة والمرشحة الرئاسية الفرنسية ورئيسة الحزب الاشتراكي السابقة سيغولين رويال، بـ»عديم القيم والأخلاق وفاقد المناقبية وحسّ التفكير السليم والبعيد عن أيّ من المواصفات التي يجب أن يتمتع بها من يتولّى مهام رئاسة دولة بعراقة فرنسا وعظمتها»، لكن المشكلة أنّ الرجل لا يترك لك مجالاً إلا أن تنتقي له أقلّ التعابير فظاظة في توصيف حالته وهو يُدلي بتصريحات لا يمكن وصفها في لحظة كالتي تمرّ على فرنسا وأمامها، إلا بالغباء والرخص، بعد الاستعانة بأشدّ قواميس اللغة تهذيباً.
– حَدَث ما حَدَث في باريس، واجتمعت البشرية كلها تُعرب عن تضامنها مع الشعب الفرنسي والديمقراطية الفرنسية، وخرجت النخب الثقافية والفكرية الفرنسية على شاشات التلفزة بخطاب واحد مضمونه، أنّ ما كان مقبولاً وربما مرحّباً به من الرئيس الفرنسي في ربط الحرب على الإرهاب التي تشكّل سورية مسرحها، بمستقبل الرئيس السوري، صار ترفاً ممنوعاً بعد الذي جرى في فرنسا، حيث الأمن القومي لفرنسا والأمن الشخصي للفرنسيين هو المهدّد، فيقف هولاند أمام البرلمان الفرنسي ليقول إنّ حكومته ستسعى إلى حلّ سياسي في سورية لا مكان فيه للرئيس السوري.
– التفكير بعقل رئيس فرنسا، كدولة استعمارية تحلم باستعادة أمجادها التي مضت في سورية ولبنان، والتفكير بعقل رئيس فرنسا الذي وجد في كذبة ديمقراطية يصدّرها ويجعلها مبرّراً لحلم استعادة الانتداب والوصاية على سورية، والتدخل لمنح حرب تخريب سورية شعاراً يتناسب مع مخاطبة الرأي العام الداخلي الفرنسي بقيم الديمقراطية التي يتباهى بها الفرنسيون وتدغدغ مشاعرهم، كانت أموراً نستطيع فهمها وتفسيرها بغير الأمراض الشخصية لهولاند، حتى التعاون الإجرامي مع الإرهابيين الذين أمسك بأيديهم وزير خارجيته لوران فابيوس على الحدود التركية السورية وفي طليعتهم مهدي الحاراتي، زعيم «داعش» اليوم في ليبيا، وهو يقول لهم «أنتم أبطال الحرية»، كان يمكن تفسيره بانخراط فرنسا ضمن حلف يراهن على إسقاط الدولة الوطنية المستقلة في سورية لحساب مشروع الهيمنة من جهة، ومن جهة أخرى، لحساب خريطة للجغرافيا السياسية للشرق الأوسط تضمن أمن «إسرائيل» وتحقق بالشراكة مع السعودية وتركيا و»إسرائيل»، التي تفصل بينها سورية، عبر تواصلها جغرافياً من خلال سورية بعد إسقاطها، مشاريع أنابيب نفط وغاز تعبّر عن مصالح استعمارية جديدة، لكن ماذا بعد الذي جرى في باريس؟
– أيّ عقل يجب أن نتخيّل في رأس هولاند حتى نفسّر الكلام الذي تفوّه به أمام الجمعية الوطنية الفرنسية، فقد ثبت أنّ التصدير الذي قامت به حكومته لمئات ثم آلاف المتطرفين إلى سورية عبر تركيا، تحت شعار إسقاط الرئيس السوري وصل إلى طريق مسدود، والرئيس السوري باقٍ ولن تؤثر بمكانته لا كلمات هولاند ولا مَن سيرسلهم وزير خارجيته من رفاق مهدي الحاراتي، والنتيجة التي عرفتها باريس ستكون قابلة للتكرار ما دام شيئاً لم يتغيّر في السياسة التي أنتجت ما جرى. وفي المقابل الرهان على التخلص من هؤلاء المتطرفين بإرسالهم إلى سورية أثبت العكس، فإشعال نار سورية أنشأ مدارس للتطرف لتعبئة المقاتلين وتحوّلت المساجد التي كان يؤمّها مصلون آمنون إلى ثكنات لمنتظِمي منظمات «القاعدة» المتنوّعة، والرهان على حرب جوية ضدّ «داعش»، يعلم هولاند أنها لن تنتج شيئاً وفقاً لما قاله الرئيس الأميركي ووزير خارجيته ورئيس أركان جيوشه مراراً ووافقهم القول كلّ العالم، ومعنى كلّ ذلك أنّ ما جرى معرّض للتكرار بصورة أقوى ما دامت عناصر إنتاجه ستكبر، وتقوى وتشتدّ، فكيف يفكر رئيس فرنسا وأيّ عقل يحتلّ رأسه بعد المذبحة التي روّعت عاصمته باريس؟
– يقول بنيامين نتنياهو رئيس حكومة الاحتلال، وصديق هولاند وفابيوس، إنّ المخابرات «الإسرائيلية» الموساد، ضبطت عبر التنصّت الاتصالات التي تؤكد أنّ «داعش» يحضّر لعمليات تخريب في باريس قبل أيام من المذبحة، كما تفجيري الضاحية الجنوبية لبيروت وتفجير وإسقاط الطائرة الروسية في شرم الشيخ، ويقول إنه مستعدّ للمساعدة لحماية فرنسا، ويقول أيضاً إنه يدعو اليهود الفرنسيين إلى الهجرة، وبنظر أيّ عاقل هذا المثلث الذي يطرحه نتنياهو، نحن نعلم وقادرون على المساعدة وسنخوض حملة لتهجير اليهود إذا بقي الحال كما هو؟! يعني، تجاوبوا معنا قبل أن يستمرّ ما يجري ونتولى تهجير اليهود، والتجاوب الراهن طبعاً يتصل بسحب فرنسا مشروعها الخاص بنشر مراقبين أمميّين في القدس، والكلام أقرب إلى تبنّي العمليات والتهديد بالمزيد ما لم تتمّ الاستجابة إلى الطلبات «الإسرائيلية»، فلا يرفّ جفن هولاند، بينما هو يعلن أنه متمسك بسورية دون رئيسها ضماناً لأمن الفرنسيين؟
– يحار المرء بمعرفة أيّ عقل يسكن رأس هولاند، عندما يعلم لا جدوى هذا العناد على رحيل الرئيس السوري الذي لن يوصل لشيء، بغضّ النظر عن مضمونه، فما الحاجة إلى بلد كفرنسا برفع شعار لن يتحقق أولاً، ولن يكون هناك حلّ سياسي بدون الرئيس السوري، وهولاند يعلم ذلك، وثانياً أمن فرنسا والفرنسيين بات مرتبطاً عضوياً بشيء واحد هو إغلاق بؤرة «داعش» و»النصرة» ومفردات «القاعدة» في سورية، لتغلق مدارس وثكنات التعبئة في فرنسا وتتسنّى ملاحقة الفلول والسيطرة عليهم، وهذا لن يتحقق من دون حرب برية يبدو جلياً لأيّ بصير أنّ الجيش السوري بقيادة الرئيس بشار الأسد هو الجهة الوحيدة القادرة مع حلفائها على خوضها، والطريق لمصالحة مع الرئيس السوري هو الطريق لخوض هذه الحرب والفوز بها، والبوابة التي تحفظ ماء الوجه قدّمتها وثيقة فيينا التي كان في مستطاع هولاند أن يكتفي بالقول مع صدورها، «بعد ما جرى لبلدنا أولويتنا هي القضاء على داعش، والطريق تشجيع وتسريع تطبيق وثيقة فيينا للحلّ السياسي لحشد كلّ الطاقات في الحرب على الإرهاب، فليس لدى العالم وقت لترف المطالب الفئوية الخاصة والشروط والشروط المضادّة، وبعد النصر على الإرهاب يختار السوريون رئيسهم بضمانة العالم لمعايير انتخابات شفافة ونزيهة» لكنه لم يفعل واختار الخطاب الذي يضمن استمرار المذابح في بلده والمعاناة للسوريين، فما الحكمة في عقل الرئيس الفرنسي؟
– سببان لا ثالث لهما هما الغباء والرخص، فمن يقيم حساب مواقفه على معادلة عدم إغضاب السعودية التي تشكل مصدر الإرهاب فكراً وتمويلاً، طمعاً بصفقات معها لعدد من الشركات الفرنسية وعمولات من الصفقات بواسطة بعض من محامي الشركات للرئيس وحاشيته، لا يستحق أن يكون رئيساً لفرنسا في لحظة تنزف فيها عاصمته دماً، ولا يمكن وصفه بغير الرخص، عندما تضيع عنده دماء مواطنيه لقاء حفنة مال، والذي يقيم حساباً لهدايا أمير قطر وتحويلاته المالية إلى حسابات الحاشية، لا يمكن وصفه إلا بالرخص، والذي يتصرّف برخص في زمن تتعرّض بلده لهذا المستوى من المخاطر ويتوهّم أنه سينجو، مهما توهّم أنّ الأمور ستسير على هواه، ليس إلا غبياً.