التفجير الإرهابي في برج البراجنة التوقيت، والأهداف… وكيف أُحبطت؟

حسن حردان

كشفت العملية الإرهابية التي نفذها أعضاء في تنظيم «داعش» الإرهابي، مجدّداً، الطبيعة الإجرامية الوحشية لهذا التنظيم وفكره التكفيري المعادي للإنسانية. فهذه العملية الإجرامية استهدفت مواطنين مدنيين في سوق شعبي مكتظ بالمارة لإيقاع أكبر عدد من الضحايا، وهي لم تميز بين مواطن وآخر بل إنّ الدماء التي سُفكت كانت مزيجاً من دماء اللبنانيين والسوريين والفلسطينيين.

والأسئلة التي طرحت في أعقاب هذه الجريمة هي:

لماذا جاءت في هذا التوقيت بالذات؟ وما هي أهدافها؟ وهل تحققت هذه الأهداف؟

بالنسبة إلى التوقيت، فمن الواضح أنّ الجريمة جاءت في ظلّ الهزائم المُتتالية التي تُمنى بها الجماعات الإرهابية المسلحة في سورية، والتقدم الكبير والسريع للجيش العربي السوري وحلفائه على كافة جبهات القتال بدعم جوي روسي، كما جاءت في ظلّ عودة الحركة السياسية الدولية والإقليمية لإعطاء دفع للحلّ السياسي على قاعدة التسليم بحقّ الشعب السوري في تقرير مصير بلاده، وانتخاب رئيسه بعيداً من الإملاءات الخارجية، إلى جانب العمل على تصنيف الجماعات الإرهابية لتوحيد الجهود الدولية لمحاربتها، كما جاءت أيضاً متزامنة مع انهيار معنويات الجماعات المسلحة وظهور الكثير من المؤشرات على تفكُّكها، وهروب عناصرها باتجاه الأراضي التركية بعد سيادة شعور بفقدان الأمل لديها في تحقيق أهدافها إثر زيادة منسوب الدعم الروسي للجيش السوري عسكرياً، وهي تكشف تقاعس الدول الغربية وعجزها عن مواجهة روسيا، وبالتالي إنقاذ الجماعات الإرهابية الموالية لها من السقوط في الميدان.

وفي ما يتعلق بالأهداف، فمن الواضح أنّ هذه العملية الإرهابية إنما استهدفت تحقيق جملة من الأهداف هي:

ـ محاولة حرف الأنظار عن هذه الهزائم التي تلحق بالجماعات المسلحة في سورية عبر تسليط الضوء إعلامياً على حدث جديد يستقطب اهتمام الرأي العام، وهو نهج لطالما اعتمدته هذه الجماعات على مدار سنوات الأزمة، إن كان عبر تنفيذ عمليات إرهابية وارتكاب المجازر ضدّ المدنيين، أو بواسطة تنفيذ هجوم على منطقة معزولة لإظهار أنها لا تزال تمتلك القدرة ولم تهن أو تتراجع.

ـ رفع معنويات قواعدها المسلحة وأنصارها، ولا سيما في مواقع المواجهة، ومحاولة تبديد صورة الهزائم والظهور بأنّها قادرة على الضرب في أي مكان، فلم تتأثر وأنها قادرة على استعادة زمام المبادرة لوقف الانهيار الحاصل في صفوفها، نتيجة التقدم المستمر الذي يحققه الجيش العربي السوري وحلفاؤه.

ـ الانتقام من جمهور المقاومة ومحاولة إضعاف عزيمته وتأييده في حربها إلى جانب الجيش العربي السوري ضدّ القوى الإرهابية، وبالتالي السعي إلى إحداث شرخ بين المقاومة وقواعدها الشعبية التي تستند إليها في مواصلة كفاحها ونضالها ضدّ العدو الصهيوني من جهة، والعدو الإرهابي التكفيري من جهة ثانية.

ـ محاولة إثارة الفتنة اللبنانية ـ الفلسطينية، وبالتالي خلط الأوراق وإدخال وإشغال المقاومة في خضم معركة تستنزف قدراتها بعيداً عن مواجهة قوى الإرهاب، وفي الوقت نفسه إثارة العداء ضدّ الشعب الفلسطيني وقضيته الوطنية، وتحويله إلى شعب معادٍ، وهو ما يؤكد الدور الصهيوني في التخطيط لهذه العملية الإرهابية وارتباط الجماعات الإرهابية بأجهزة الاستخبارات الصهيونية. وفي هذا السياق يُمكن إدراج الهدف من البيان الذي أعلن فيه «داعش» تبنّيه للعملية والقول بأنّ الانتحاريين فلسطينيان.

لا شكّ في أنّ مواجهة أهداف هذه العملية الإرهابية تستدعي يقظة وطنية حقيقية لكشف مراميها الخبيثة التي تسعى، كما أسلفنا، إلى الثأر من جماهير المقاومة، بالدرجة الأولى، ومحاولة الحدّ من مضاعفات هزائم الإرهابيين في سورية، وهو أسلوب صهيوني بامتياز طالما اعتمد أثر كلّ هزيمة صهيونية أمام المقاومة عبر ارتكاب المجازر الوحشية ضدّ المدنيين، كما حصل عشية هزيمة تموز العام 2006 في قانا. وهذا يستدعي العمل على كشف وإماطة اللثام عن أهداف هذه الجرائم الإرهابية وتنوير الرأي العام بحقيقتها واستخدام الوقائع والمعطيات الحقيقية والموثقة كلّها لدحض الدعاية التي تقوم بها التنظيمات الإرهابية لتضليل الناس، إن كان لناحية استخدام كلّ وسائل الإعلام، بما فيها مواقع التواصل الاجتماعي، لكشف حقيقة الأكاذيب التي أطلقتها بزجّ الفلسطينيين أو السوريين في تنفيذ عملياتها الإجرامية، وخصوصاً أنّ التحقيقات أكدت أنّ الانتحاريين سوريان وليسا فلسطينيين، في حين أنّ تنظيم «داعش» أو «جبهة النصرة» أو غيرهما يضمّان في صفوفهما أعضاء من جنسيات مختلفة تنتمي إلى عشرات الدول في العالم إن كانت عربية أو أجنبية، وبالتالي فإنّ هؤلاء الإرهابيين، بغضّ النظر عن جنسياتهم، لا يمثلون شعوبهم ولا يمكن أن يؤخذ أي شعب ينتمون إليه بجريرة أعمالهم الوحشية، كما أنّ لفت النظر إلى الهدف الأساسي من الحرب على سورية فهو ضرب دورها الوطني والقومي والمقاوم المناصر للقضية الفلسطينية وحقّ الشعب الفلسطيني في مقاومة الاحتلال، لهذا فإنّ الهدف من جريمة برج البراجنة هو بحدّ ذاته استهداف للقضية الفلسطينية عبر محاولة تأليب جمهور المقاومة ضدّ أبناء الشعب الفلسطيني في لبنان.

إنّ إحباط أهداف الإرهابيين تكون بالمزيد من الوعي الوطني وعدم الانقياد الأعمى وراء الشائعات والأضاليل وكذلك عبر الالتفاف حول المقاومة ودورها الريادي في محاربة هذا الخطر الإرهابي التكفيري، الوجه الآخر للخطر الصهيوني، وهو ما عبّر عنه، بشكل جلي، أهالي الضاحية الجنوبية، وملاقاة هذا الموقف الوطني، الواعي لإبعاد المخطط الإرهابي، من قبل أبناء الشعب الفلسطيني في مخيمات لبنان، وقواه الوطنية، ومسارعتهم إلى التنويه بخطاب قائد المقاومة السيد حسن نصرالله الذي أسهم، بدوره، في وأد محاولات إشعال الفتنة، وإحباط أهداف العملية الإرهابية الإجرامية، وتحصين الوعي الوطني في مواجهة الشائعات المشبوهة التي انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي في محاولة خبيثة لتوظيف الجريمة في خدمة مخطط الفكر الإرهابي التكفيري والعدو الصهيوني.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى