تقرير
كتبت مجلة «فورين بوليسي» الأميركية: حفّزت الهجمات القاتلة التي وقعت في باريس، المعارضين من الأوروبيين والأميركيين لخطط إعادة توطين ملايين اللاجئين الفارين من الحرب في سورية، ما أثار تساؤلات جديدة حول ما إذا كانت المذبحة التي راح ضحيتها 129 شخصاً على الأقل في العاصمة الفرنسية، ستجلب المزيد من البؤس لأولئك الذين يسعون للجوء إلى الغرب.
في آب الماضي، بعدما أعلنت ألمانيا أنها ستستقبل اللاجئين حتى لو لم يكونوا قد سجّلوا في أماكن أخرى في الاتحاد الأوروبي، جادل قادة القارة من اليمين المتطرف بأن تيسير السياسات الحدودية للاجئين قد تسمح لمسلحين متنكرين يطلبون اللجوء إلى الدول الأوروبية بتنفيذ هجمات إرهابية. وقد أشار تحرك الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند غير المسبوق نحو تقييد الحدود الفرنسية الجمعة إلى أن هناك سبباً للاعتقاد بأن التهديد أتى من خارج فرنسا، على رغم أنه قد صرح يوم السبت أنه ربما جرى التخطيط للهجمات في الخارج ولكن حدث تواطؤ من الداخل، والتحقيق سيساعد على إثبات ذلك.
قال المدعي العام في باريس، فرانسوا مولان، يوم السبت إن واحداً على الأقل من الإرهابيين السبعة الذين قتلوا الجمعة هو مواطن فرنسي ولد في الضاحية الجنوبية لباريس. ولكن جرت اعتقالات عدّة أيضاً عبر بلجيكا المجاورة، ووفقاً لمولاينس، فإن إحدى السيارات المرتبطة بالمتطرفين أُجّرت هناك.
وقال نيكوس توسكاس، نائب وزير حماية المواطن اليوناني، في بيان أنه قد عُثر على جواز سفر سوري إلى جوار جثة أحد المهاجمين الذي كان قد دخل جزيرة يروس اليونانية في 3 تشرين الأول الماضي. وتشير التقارير الأولية إلى أنه قد تظاهر بأنه لاجئ، وهو التكتيك نفسه الذي حذّر منه معارضو التوطين من على جانبي الأطلسي.
في الولايات المتحدة، قال الجمهوريون، من بينهم مرشحون رئاسيون عن الحزب الجمهوري، إن هجمات باريس يجب أن تجبر الرئيس باراك أوباما على إلغاء خطط لإعادة توطين حوالى 10.000 من اللاجئين الذين يتدفقون من سورية نحو الولايات المتحدة. أما المرشحون الديمقراطيون للرئاسة، فسيركزون الآن على قضايا الأمن الوطني والإرهاب.
إلا أن المناقشات الأكثر إلحاحاً ـ والتي قد تستمر طويلاً ـ التي تجري في أوروبا، تركزت حول فكرة الحدود المفتوحة في قلب الاتحاد الأوروبي، والتي ربما يجري التخلي عنها بعد قيام دول الاتحاد ببناء الأسوار لمنع تدفق المهاجرين وطالبي اللجوء.
وقد صرح رئيس المجلس الأوروبي دونالد تاسك هذا الأسبوع أن اتفاق شنغن كله يتعرض لخطر الانهيار.
في فرنسا، استغل حزب الجبهة الوطنية اليميني المتطرف وقوع الهجمات يوم الجمعة للمطالبة بإغلاق المساجد الراديكالية وتشديد أمن الحدود. قالت زعيمة الحزب، مارين لوبان السبت: من المهم أن تستعيد فرنسا السيطرة على حدودها، مرة واحدة وإلى الأبد. لقد أصبحت فرنسا معرضة للخطر. فقد تعرضت لانهيار قدراتها الدفاعية. ويجب أن نعيد تسليح أنفسنا.
وفي جميع أنحاء أوروبا، استغلت أيضاً وسائل الإعلام الرئيسية المعارضة لخطط إعادة توطين السوريين الهجمات لممارسة المزيد من الضغط ضد السماح للاجئين بالتدفق على بلدانهم. في ألمانيا، حتى حلفاء المستشارة الألمانية آنجيلا ميركل، الذين كانوا يواجهون بالفعل معارضة داخلية بعد دعوة 800.000 لاجئ إلى البلاد، قالوا إن هجمات باريس يجب أن تقنع ميركل بتغيير سياستها. قام ماركوس سويدر، وهو سياسي بارز في حزب شقيق لحزب ميركل في بافاريا، بالتغريد قائلاً: قوموا بتغيير كل شيء. لا يمكننا أن نسمح بالهجرة غير الشرعية وغير المنضبطة.
ستانيسلاف تيليش، وهو عضو في حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي، دعا إلى تشديد الضوابط الخاصة باستقبال اللاجئين. «نحن بحاجة لنعرف من يتواجد هنا، ومن الذي يمر عبر بلدنا»، قال تيليش، وفقاً لمجلة «فوكاس» الألمانية.
يوم الجمعة، تعهدت ميركل بـ«الكفاح من أجل وجهة نظرها» حول اللاجئين. تحدثت ميركل يوم السبت مرتدية ملابس سوداء، وقالت: «نعلم أن حياتنا الحرة أقوى من الإرهاب. دعونا نردّ على الإرهابيين بأن نعيش قيمنا بشجاعة».
وقال مجتبى الرحمن، رئيس مجموعة أوراسيا للنارسة الأوروبية، في مذكرة بحثية نُشرت السبت: ستضيف هجمات باريس الآن بُعداً أمنياً كان خاملاً حتى الآن بوصفه عنصراً آخر للقلق في شأن سياسة ميركل الليبرالية نحو اللاجئين. ولذا يتعين على ميركل إدارة توازن غير مستقر على نحو متزايد، بين إبقاء الحدود مفتوحة، والحد من مخاطر وقوع حدث مماثل في ألمانيا.
وقد ربط كونراد زيمانسكي، الوزير المسؤول عن الشؤون الأوروبية في الحكومة البولندية المحافظة المنتخبة حديثاً التي من المقرر أن تؤدي اليمين الدستورية الاثنين بين سياسات ميركل وهجمات باريس. وأضاف أن بلاده لم تعد تتوافق مع متطلبات الاتحاد الأوروبي لاستقبال اللاجئين السوريين.
«إن قرارات المجلس الأوروبي في شأن إعادة توطين اللاجئين والمهاجرين في جميع دول الاتحاد الأوروبي التي انتقدناها ما زالت قانوناً ملزماً للاتحاد الأوروبي»، كتب زيمانسكي في مقال نشر على شبكة الإنترنت، وفقاً لصحيفة «وول ستريت جورنال». وأضاف: «لكن في مواجهة الأحداث المأسوية في باريس، فإننا لا نرى إمكانيات سياسية لتنفيذها».
إيان ليسر، المدير التنفيذي لمكتب صندوق مارشال الألماني في بروكسل، صرح لمجلة «فورين بوليسي» السبت بأن الهجوم صادم للغاية.
وقال: سيمثل إضافة إلى سلسلة معقدة بالفعل من المناقشات في أوروبا، حول اللاجئين، والأمن، وتقاسم الأعباء»، وقال ليسر: «وما من شك في أن هذا سيجعل من هذه المناقشات أكثر تعقيداً».
في أيلول الماضي، واجهت المجر إدانة واسعة النطاق، بما في ذلك من الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، بسبب نشر الجيش واستخدام خراطيم المياه والغاز المسيل للدموع لتفريق طالبي اللجوء اليائسين الذين يحاولون عبور الحدود من صربيا. ولكن رئيس الوزراء المجري اليميني فيكتور أوربان لعب ببطاقة معاهدة شنغن للدفاع عن هذه الخطوة، وادّعت حكومته بأنه حدّد إرهابياً من بين الذين ألقي القبض عليهم عندما دبت الفوضى عند المعبر الحدودي في ذلك الأسبوع.
في ذلك الشهر نفسه، وفي مقابلة مع الإذاعة الكاثوليكية البرتغالية «ريناسينا»، قال البابا فرانسيس إن احتمال قيام «داعش» بشنّ هجمات داخل أوروبا لم يكن مستبعداً.
قال: «الحقيقة هي أنه على مسافة 400 كيلومتر فقط من جزيرة صقلية هناك مجموعة إرهابية قاسية. لذا فهناك خطر من وقوع عمليات تسلل، هذا صحيح».
أضافت عمليات الاعتقال الأخيرة لخلايا إرهابية مزعومة المزيد من الوقود على هذه النار. يوم 3 تشرين الثاني، شنّت السلطات الإسبانية في مدريد وريفاس فاسيامدريد غارات في الصباح الباكر، والتي قالت أنها فككت خلية إرهابية مرتبطة بـ«داعش» تتآمر لشن هجوم على العاصمة الإسبانية. وأصدرت وزارة الداخلية الإسبانية بياناً بعد عمليات الاعتقال قالت فيه إن المجموعة التي ضمّت ثلاثة على الأقل من المغاربة، هم متطرّفون للغاية ومنظّمون تماماً. وفي آب الماضي، أحبط ثلاثة أميركيين هجوماً إرهابياً محتملاً عندما نزعوا سلاح مسلّح مغربي حاول فتح النار على قطار مزدحم متجه من أمستردام إلى باريس.
ومساء الجمعة، عندما أصبح مدى المذبحة في فرنسا واضحاً، أطلق النائب جيف دنكان، وهو جمهوري من ولاية كارولينا الجنوبية سلسلة من التغريدات هاجم فيها خطط أوباما لإعادة توطين اللاجئين.
امتد تأثير الهجمات بالفعل ليصل إلى سباق الرئاسة الأميركية المقرّر عام 2016. قال مرشحو الرئاسة الجمهوريون إن هجمات باريس تظهر حماقة سياسة البيت الأبيض.
«إن فكرة الرئيس أوباما وهيلاري كلينتون أنه ينبغي علينا استقبال عشرات الآلاف من اللاجئين المسلمين السوريين في أميركا، ليست سوى ضربٍ من الجنون». قال السيناتور تيد كروز في مقابلة مع شبكة «فوكس نيوز».
كما هاجم مايك هاكابي، الحاكم السابق لولاية أركنساس خطط أوباما لإعادة التوطين. وقال: «نحن بحاجة إلى عملية أفضل». صرح هاكابي لشبكة «CNN». وأضاف: «ليس علينا فقط فتح الحدود كما يفعلون في أوروبا». وقبل انعقاد المناظرة الرئاسية بين المرشحين الديمقراطيين يوم السبت، قدّمت هيلاري كلينتون، الأوفر حظاً تعازيها للضحايا.