لقاء باريس المتمِّم لفيينا فرصة لسقوط شعار «تنحِّي الرئيس الأسد»

تطور الإرهاب، كخطر داهم على أوروبا، يجعل الوقت غير صالح للحفاظ على عنوان الضغط لتنحي الرئيس السوري بشار الأسد. فالمشهد الذي شهدته شوارع باريس يكاد يكون مفصلاً في تاريخ أوروبا و ليس فرنسا، بطبيعة الحال، لعدة أسباب أبرزها الاتحاد السياسي والاقتصادي الذي يربط معظم بلاد القارة ببعضها البعض ما يجعل الانتقال من دولة إلى أخرى أسهل بكثير، بالإضافة إلى حرية هرب الخلايا من دولة إلى أخرى بعد تنفيذ العمليات المطروحة، ما يشغل كلّ أجهزة الاستخابرات الأوروبية، مرة واحدة، بملاحقة الخلايا المبعثرة في كلّ الأرجاء والتي تهدّد أي دولة تتكاتف وتتعاون من أجل مكافحتها. ومن هنا فإنّ المسؤولية الأوروبية لا تقلّ خطورة عن مسؤولية الحكومة الفرنسية التي تلملم شظايا الاعتداء وتداعياته المعنوية والسياسية في الداخل قبل أي شيء.

مناقشة سياسة هولاند التي أدت إلى تسعير النار في بلاده، تحتاج إلى شرح مطول لكنّ الأهم أنه لم يتوان واستخبارات بلاده عن دعم المجموعات التكفيرية في سورية من أجل التخلص من النظام السوري الحالي بشخص الرئيس بشار الأسد من دون فهم مغزى المطلب الفرنسي حتى الساعة.

إذا تمّ التسليم جدلاً بأنّ لتركيا مشروعها والسعودية عداوتها الخاصة مع عائلة الأسد، إلا أنّ فرنسا تبدو في هذا المعركة تابعاً غير قادر أن يعيد أمجاد الانتداب الفرنسي أصلاً في المنطقة، وهو لم يستطع حتى حصد نتائج الاحتلال الغربي لليبيا. بمعنى آخر فإنّ حليفتها أميركا لم تحسب حساب مصالح الفرنسيين كثيراً، كذلك الأمر كان ممكناً أن يحصل في سورية لأنّ المصلحة «الإسرائيلية» تتفوق في هذه المنطقة تحديداً على أي مصلحة أخرى، وخصوصاً بوقوعها بمحاذاة الخطر الداهم وهو حزب الله وكون سورية حليفة سقطت في المخيلة «الإسرائيلية» ـ الغربية. وعلى هذا الأساس فإنّ كلّ شيء يشير إلى سذاجة الموقف الفرنسي الذي أدى إلى ما أداه اليوم إرهاباً يعيث فساداً بين الباريسيين المذعورين على مستقبل بلادهم.

كان من الممكن أن تشكل سورية ضمانة أمنية لفرنسا القريبة منها بفاصل حدود بحرية عن أوروبا وهي التي نسجت علاقات جيدة معها بعد كلّ التاريخ السيئ من الاحتلال لكنها أرخت أجواءاً من الحرص، وخصوصاً على مستقبل لبنان وسورية في هذه المنطقة، لكنّ هذا لم يحصل ودخلت فرنسا في النار متحدية التاريخ والجغرافيا.

تطورات الميدان العسكري اليوم وتقدم الجيش السوري وحزب الله والسوريين القوميين والدعم الشعبي، بغطاء ناري روسي، يجعل حلب قريباً في قبضة الجيش وكلّ تأخير في التسوية بسبب الضغط لربطها بمصير الرئيس السوري يجعل التفاوض من موقع ضعف. فالوقت ليس لصالحهم.

الضغط الروسي على عنواني التمويل والتصنيف أي تمويل الإرهاب وتصنيف المعارضة سيجعل الوقت داهماً أيضاً ضدّ الربط بمصير الرئاسة السورية.

هذه أربعة عوامل ستجعل لقاء باريس آخر السنة المتمِّم لفيينا، فرصة لسقوط شعار تنحي الرئيس الأسد شرطاً للحلّ السياسي.

«توب نيوز»

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى