حرب النيات

فادي عبّود

أعلنت فرنسا أخيراً حرباً على الإرهاب، بعدما طالتها شرارة المدّ التكفيري الذي تمّ خلقه في المنطقة، لأسباب استراتيجية معروفة، وهو ما كانت أعلنت عنه سابقاً، إلا أنّ الخطوات لم تكن بالمستوى المطلوب، وكأنّ النية بالحرب الفعلية على الإرهاب ما هي إلا خطابات صحافية. فحتى اليوم أعلنت كلّ دول العالم نيتها محاربة الإرهاب المتمثل بـ»داعش»، ولكن لا نتائج حقيقية تُذكَر، فلا زال التمويل والتسليح والتدريب وتصدير الأفكار الداعشية موجوداً بوضوح، ولا زالت الرواتب تصل باستمرار إلى أعضاء التنظيم، وليست أسراراً نووية من يغذّي ويدعم ويموّل، وحتى الحملة الروسية على «داعش» تستطيع أن تكون أفعل وأقسى، فلماذا مثلاً لا يتمّ قصف آبار النفط التي أصبحت مصدر التمويل الأساسي لـ«داعش»؟ حيث يبدو أنّ شعار محاربة الإرهاب لا يتعدّى حدود التمنيات فيما الأفعال تبقى في مكان آخر.

واعتبر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أنّ تمويل تنظيم «داعش» يأتي من 40 دولة بينهم دول من مجموعة العشرين، موضحاً أنّ بلاده قدّمت لرؤساء قمة العشرين معلومات عن قنوات تمويل الإرهاب وصوراً للأقمار الاصطناعية عن تجارة «داعش» بالنفط.

والأسوأ أنّ هناك غياباً كبيراً لمراجع أساسية لنقض الصورة التكفيرية التي تحاول «داعش» تعميمها في العالم، حيث هناك غياب فاضح للإسلام المعتدل في مواجهة هذا المدّ التكفيري، الذي يبدو انّ هدفه هو تشويه صورة الإسلام الحقيقي لإعادة صراع الحضارات إلى ذروته، فمع تصاعد «الإسلاموفوبيا» اليوم في العالم، تعود نظرة الصراع بين الغرب والإسلام عامة، حيث يعود الكثيرون إلى تبنّي نظريات صموئيل هانتنغتون بأنّ مشكلة العالم الغربي هي ليست مع الإسلام المتطرف بل مع الإسلام بشكل عام، بحيث الاختلاف الحضاري والثقافي سيؤدّي في النهاية إلى المواجهة العنيفة، وهذه النظرية يستفيد منها من يريدون تطويع هذه المنطقة لمصالحهم الخاصة، فتقسيم دول المنطقة على أنها إسلامية في عزّ مواجهة حضارية مع الغرب، يعطي الغرب «كامل الحقوق» للتدخل ولإخضاع هذه الدول تحت نظرية الدفاع عن النفس، وهي السياسة التي بدأها جورج بوش عبر تقسيمه العالم إلى محور للشرّ ومحور للخير.

هذه الاستراتيجية لا تفرّق بين إسلام متطرف أو معتدل أو سني أو شيعي أو غيره، حيث سيصبح الجميع من دون استثناء عرضة لمفاعيل صراع الحضارات، وما حديث هنري كيسنجر عن حرب عالمية ثالثة في مقابلته الأخيرة إلا امتداد لهذا الفكر الذي تدعمه الصهيونية العالمية، لحماية وتحصين «إسرائيل» بأقلّ الطرائق كلفة.

وبالتالي، إنّ الدول العربية التي ترى في «داعش» اليوم أداة لتحقيق مكاسب ضيقة لا تدرك أنها في نهاية المطاف تخسر الكثير، وتصبح هدفاً محتملاً متى تغيّرت المصالح، وانّ الخسارة الكبرى بتشويه صورة الإسلام ستكون لها تداعيات أكبر من أيّ مكاسب ضيّقة اليوم.

صرّحت الملكة رانيا بالأمس القريب أنّ الإسلام المعتدل لا يقوم بما يكفي لمحاربة «داعش»، وهو توصيف واقعي للحالة اليوم، ففي خضمّ الحرب الدائرة اليوم، تقع مسؤولية هامة على القيّمين على الدين الإسلامي لدحض ادّعاءات «الدولة الإسلامية» المزعومة وأفكارها واعتمادها لأفكار التكفير والعنف للعقاب والتأديب، فالدين الإسلامي أساسه الرحمة حيث تبدأ اية صلاة باسم الله الرحمن الرحيم، وهي الصفة الأساسية لصورة الله في الإسلام، فأين المواقف الرسمية عن المراجع الدينية الكبرى لدحض الأفكار التي تودّ الرجوع بالدين الإسلامي إلى العصر الجاهلي؟ أين دور الأزهر الشريف في خلق ثورة مضادّة لتعليم أسس الإسلام الحقيقي؟ وأين دور المملكة العربية السعودية، قبلة المسلمين في العالم، لتصحيح ما تشوّهه ممارسات «داعش» وفي إطلاق حركة تصحيحية؟ وأين دور المملكة الأردنية الهاشمية في تثبيت الإسلام المعتدل كما صرّحت الملكة رانيا؟

فنرى اليوم أنه بالرغم من موقف حكومات دول الخليج في رفض فكر «داعش»، لا تزال محاربة هذا الفكر ورفضه دون المستوى المطلوب، ونسأل في هذا السياق هل الأجدى إجراء استفتاء لشعوب تلك الدول لتحديد إذا كانت توافق على الأساليب والأفكار التي تعتمدها «داعش»؟

إنّ مسؤولية محاربة الإرهاب اليوم ورفض تصدير الأفكار التكفيرية «الوهابية» ليست مجرّد تمنيات ونيات، بل يجب أن تقترن بالأفعال الحقيقية التي لا تقتصر على الأعمال الاستخبارية والعسكرية حصراً، بل تتخطاها إلى المناهج التعليمية والخطب في الجوامع، ورسائل التحريض على وسائل التواصل الاجتماعي، والثقافة وخاصة لدى فئة الشباب والأطفال الذين يعتبرون فريسة سهلة لهذا النوع من الأفكار.

وفي عيد تأسيس الحزب السوري القومي الاجتماعي لا يسعني إلا أن أستشهد بمقولة عظيمة لقائد عظيم منذ 80 عاماً، اذ تنبّأ أنطون سعاده بالأزمة الراهنة معبّراً عنها بقوله: «لقد وجدت النهضة في العصبية الدينية الوهابية المنتشرة في الجزيرة العربية، عداءً للسنّة والشيعة وللتمدّن المسيحي والإسلامي العام، وخطراً يرمي إلى فتح عربي جديد للبلدان المجاورة للسعودية، وخصوصاً للأمة السورية، وهذا الفتح لا يرتكز على نظرة فاهمة في الحاجة الاقتصادية أو الاستعمار، وإنما يقوم على عصبية دينية مادّية خطرة، يتولّى ابن السعود العمل على تحقيقها عبر حرب مداهمة، وبواسطة عملاءَ له في لبنان وسورية وفلسطين يتلقّون المال مقابل الدعاية الدينية والسياسية والإعلامية التي يروّجونها لمصلحة الوهّابية وأهدافها».

ستظهر الأيام المقبلة الجدّية في مكافحة الإرهاب بعد أن أيقنت الدول الأوروبية القدرة التدميرية الهائلة التي تملكها هذه المنظمات على بلدانها ومجتمعاتها، وإنْ لم تكن المواجهة بالجدية المطلوبة، فالجميع في دائرة الخطر.

وزير السياحة السابق

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى