باريس.. ومحنة الإنسانية

نظام مارديني

لا يزال الخوف والرعب يملآن أفق باريس ورائحة الموت تجوب أزقتها وشوارعها ونواديها وملاعبها، بخاصة بعد استهداف «داعش» ستة مواقع فيها بهجمات متزامنة ذهب ضحيتها المئات، ولكن ما أصاب باريس تعيشه سورية والعراق منذ سنوات خمس، ولطالما ردّدنا أن الإرهاب سيرتدّ على أصحابه وعلى مَن ربّاه ودعمه وموّله.

فرنسا تعرضت لما تعرضت له جاء نتيجة طبيعية وأكيدة للسياسات الخارجية الإرهابية التي يقودها الثنائي هولاند ـ فابيوس اللذان أرادا قتل إنسانيتنا. والشعب الفرنسي هنا لا يتحمل نتائج سياسات حكومته، ومن المعيب أن نشهد حالات التشفي التي وقع بها البعض من شعبنا، بل لا بد من النظر إلى أن هذا العمل الإرهابي كان عملاً مروّعاً وإجرامياً بكل المقاييس الإنسانية ولا تستدعي إدانته لحظة تفكير، فإنسانية سلوك الإنسان لا تتجزأ انتقائياً حسب المكان ونوع الضحية وجنسيتها، فالقتل مدانٌ عندما يطال المدنيين والعزّل ويعبث باستقرار الناس وأوقات راحتهم، والقتل فعل جبان يستهدف الاستقرار الاجتماعي والأمني في المجتمع الذي يقع فيه فعل الإرهاب، هذا من جهة، ولكن هذا لا يمنع نقد المجتمعات الغربية لصمتها المدان أمام جرائم حكوماتها ضد العالم العربي.

أما من جهة ثانية، فإن لهذه الاعتداءات الإرهابية جاءت سببين، هما دعم الإرهاب والارتزاق من السعودية وقطر والتحالف مع تركيا وبريطانيا وأميركا في تشكيل خلاياه الناشطة والنائمة، لإسقاط الدولة السورية ومحاولة تأسيس نظام «ديموقراطي» تابع. وقد شاهدنا كيف دخل رجال «الديموقراطية» الجديدة عبر تركيا قادمين من شمال افريقيا وليبيا وتونس والقوقاز والشيشان ليلتحقوا بما يُسمّى «الثورة» في سورية، فابتلعوا شخصيات ديكورية ليبرالية مثل ميشيل كيلو وبرهان غليون وجورج صبرة وعبد الباسط سيدا حاولت فرنسا ودول أوروبية بتظليل خليجي أن تجعل منهم الضجيج الإعلامي لإسقاط الدولة السورية. وقد أنتج دعم أوروبا وأموال الخليج وحشَيْ «النصرة» و»داعش» فأحرقا العراق وسورية وشرّدا الملايين منهما وتركا للعالم أكبر المآسي… قوافل اللاجئين.

ما يجب التأكيد عليه، أن هناك دماء تهدر في سورية، وتنزف في العراق، ولا يُراد لها أن تتوقف في ليبيا وتونس ومصر، ودماء تنفر في اليمن، بينما يُغضّ الطرف عن الدماء التي ما زالت تنزف في وضح النهار، ومنذ سنة 1948 في فلسطين المحتلة.

ولنكن أكثر شجاعة ولنقل إنها مؤامرة لإطفاءِ نور العقلانية السورية التي وصلت إلى مرحلةٍ تعرفُ بأن العدو ليس هو مَن يحملُ السكّين أو من يطلقُ الرصاص فقط، بل من حشرَ في دماغه شهوة القتل بالسكّين والساطور، وهم المجرمون الحقيقيون، الغرب والوهابية والعثمانية.

معظم الحكومات الأوروبية استبدلت عقولها وضمائرها بأبشع عنصرية طبقية تعيب المدنية المعاصرة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى