الضغوط على إيران تتضاعف وقد هدّدت من بيروت فهل بدأ التنفيذ؟
روزانا رمال
في وقت تبدو العلاقات بين روسيا والأفرقاء الإقليميين المعنيين بالأزمة السورية، كتركيا والسعودية جيدة لجهة التنسيق والتعاون، تبدو إيران ابعد من أن تكون قد نسجت أو خرقت ثغرة للجماد المسيطر على علاقاتها بهم، على عكس ما كان ممكناً كتوقع للتطورات أن تفتحه بعد الاتفاق النووي بينها وبين الغرب، وذلك لعوائق عدة برزت فجأة، لكنها ربما تكون متوقعة في صراع مصيري كهذا من خصوم يسجلون النقاط ويسعون لكسر سياسات بعضهم البعض، وتتجسّد ابرز هذه العراقيل بكارثة حجاج منى التي فتحت على إيران أبواب الخلاف والتحديات على مصراعيها مع السعودية، حيث العلاقات السياسية المتوترة أصلاً لألف سبب وسبب.
الحديث عما كانت قد تقدّمت به روسيا لجهة مساعي إنجاح عقد لقاء بين اللواء السوري علي المملوك ووزير الدفاع السعودي محمد بن سلمان، وأنه قد تمّ إفشاله إيرانياً لحساسيات مع الروس، ولكي لا تتكرّس روسيا بالحدث السوري مقللة من أهمية العنصر الإيراني في التسويات، لا يفسّره قبول السعودية بإفشال تداعياته إذا كان فعلاً الهدف في تحجيم إيران مصلحة لها. وعلى هذا الأساس كان من الأجدر على السعودية الوقوف عند الخطة الروسية واستكمال المباحثات مع الجانب السوري بشكل سرّي، وذلك لإبعاد أي دور فعّال لإيران بين الطرفين. وعليه فإنّ ما عطّل هذا المسعى الروسي بين سورية والسعودية لا علاقة له إلا بالرغبة السعودية بعدم تقديم أيّ ايجابية في الوقت الراهن.
من جهة أخرى، وإذا كان هناك أيّ حديث عن أنّ روسيا تحاول العمل على تحجيم الحضور الإيراني في الساحة السورية ميدانياً بوجودها، فإنّ هذا يسقط مع التنسيق العالي الميداني بين العسكريين الإيرانيين على الأرض والعسكريين والأمنيين الروس، وبالتالي فإنّ التعاون وحده بشأن سورية سيد الموقف عدا عن مساعي روسيا الكبرى في التوصل إلى أفضل الممكن من أشكال التفاهم بين الغرب وإيران على الملف النووي الذي يؤثر بشكل مباشر على الوضع في سورية كحليف صمد فصمد معه حلف بأكمله، وهنا تسقط كلّ الحسابات في استهداف العلاقة الإيرانية الروسية في سورية.
اليوم، وصلت العلاقة الإيرانية – السعودية إلى أسوأ مراحلها، فالملفات المفتوحة أو العقبات التي كان من الممكن تذليلها أضيف عليها أزمة حجاج منى التي تعتبرها إيران في آخر مواقفها الرسمية استهدافاً سعودياً صريحاً لها وهي المشكلة التي لا يمكنها تخطيها، لأنّ ما فيها يشير حسب الإيرانيين إلى محاولة اختطاف الحجاج الإيرانيين عن سابق تصوّر وتصميم، وكأنّ العلاقة السيئة بين البلدين لم يكفها القلق الكبير من تتويج إيران نووية خليجياً، ولا سوء العلاقة حول سورية ومصير الرئيس الأسد، ولا الحرب السعودية المفتوحة على اليمنيين والحوثيين، تحديداً حلفاء إيران.
كلّ هذه الأزمات دقيقة وشديدة الخطورة وهي تحتاج وقتاً غير قليل، لكي توضع على سكة الحلول، لكن يبقى الموقف اللغز الذي تتبناه السعودية، بخصوص سفير إيران السابق في لبنان ومن معه من المفقودين في الحجّ غير مفهوم. فالسلطات الإيرانية وعلى لسان مساعد وزير الخارجية حسين امير عبداللهيان أعلنت أنّ معلوماتها تقول إنه ما زال حياً وإنها تريد من السعودية إعادته لبلاده حياً ليتبعه موقف من رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية الإيراني علاء الدين بروجردي، يقول إنّ فرضية اختطاف آبادي ورئيس مركز الدراسات الاستراتيجية في الحرس الثوري علي أصغر فولادكر، ستطرح على المحافل الدولية إذا لم يتمّ تحديد مصيرهما. وإذا كانت الحكومة السعودية غير قادرة على تحديد مكانهما أو مكان دفن جثمانيهما، فنحن سوف نتابع وبشكل جادّ فرضية الاختطاف كأقوى فرضية .
فرضية الاختطاف تزيد الأمور تعقيداً، وهي بالتأكيد ستؤثر سلباً على أيّ طاولة مفاوضات سياسية ستُعقد بوجود السعوديين، فإيران تشعر اليوم أنها أكثر استهدافاً من السعودية وحلفائها حتى أنّ تصريحات مقلقة خرجت عن بعض مسؤوليها حول حضور مؤتمر فيينا مفادها أنّ طهران لم تتخذ بعد قراراً بالمشاركة في اجتماع فيينا المقبل بشأن سورية، وأن المشاركة رهن بإيجابية واشنطن على تصرفات أحادية من قبل أطراف مشاركة من دون التشاور مع البقية، والقصد واضح.
لكن وعلى الرغم من كلّ ذلك لا تبدو إيران في وارد الخضوع لأيّ ضغوط تمكنها من تقديم تنازلات اليوم، وربما هذا يعقد فرص المسارعة بالحلول في المنطقة، لأنه من دون تحسين العلاقة الإيرانية السعودية وتذليل العقبات لا يمكن التفاؤل بمستقبل أفضل لمجمل الملفات. ومن هنا تعرف إيران الاستفادة الإسرائيلية من المشهد كله، ويبدو أنها تريد فتح جبهة ضغط أكبر مما يمكن أن تتحمّله إسرائيل بحسابات خاطئة منها اعتبرت أن إيران المنشغلة بأزماتها ستغضّ الطرف عما يجري في فلسطين، لتأتي المفاجأة من بيروت كرمزية للمقاومة وإعلان موقف بهذا الحجم منها، على لسان عبداللهيان لتقول الانتفاضة الفلسطينية هي مسألة جدية للغاية، وإذا لم يبادر الكيان الإسرائيلي إلى العدول عن طريقة تصرّفه، فإنّ هناك أسابيع صعبة ومريرة هي بانتظاره ..
لم تمرّ أسابيع، وإذ بانتفاضة السكاكين تتحوّل إلى إطلاق نار وتصعيد فلسطيني يوقع قتلى وجرحى إسرائيليين بينهم أميركي في مستوطنة غوش عتصيون في الضفة الغربية في تطور لافت، فهل بدأت إيران برمي أكبر أوراقها التي قد تكون حاسمة هذه المرة في أكثر الملفات إيلاماً وتأثيراً على مصير المنطقة؟