لسنا نعاجاً!

كان فارس الخوري يجلس في استراحة بين جلسات مجلس الأمن الدولي، يعبث بسبّحته كما اعتاد دوماً. فرآه وزير خارجية بريطانيا إرنست بيفن فسأله: «ماذا تقول متمتماً يا مستر خوري وأنت تداعب سبّحتك؟».

فأجابه الخوري مبتسماً: «إني أردّد: اللهم ألهم مستر بيفن الحقّ».

وشاءت الظروف أن يكون الكلام في جلسة اليوم التالي لبيفن، وقبل أن يبدأ كلامه، حانت منه نظرة إلى فارس الخوري، فرآه يمدّ يده الى جيبه ويخرج سبّحته. فصاح به على الفور وهو يهزّ رأسه: «مستر خوري فهمت عليك، فهمت عليك!!».

لم تذكّرني هزّة رأس هذا المُستعمِر إلا بهزّة رأس أسعد خرشوف، بطل «ضيعة ضايعة»، وعبارته المتكرّرة حين لا يفهم شيئاً «فهمت عليك… فهمت عليك». فمن أين لهذا العقل الاستعماري المملوء بالهراء أن يفهم معنى الحق؟ وأنّى له أن يفتح ذهنه الصدئ ليفهم معنى حرّية الشعوب؟

وأقول رحمة الله على فارس الخوري، ولكنه لو كان حيّاً الآن لعرف أنّ العقل الاستعماري بقي كما هو ولم يتغيرّ قيد أنملة، إنما تغيّر الأسلوب فقط في احتلال البلاد وفرض الانتداب. وهؤلاء الأوغاد لم ينسوا قطّ ما فعله بهم الشعب السوري حين أحبط مخطّطاتهم في تقسيم سورية إلى دويلات طائفية متناحرة. وعادوا اليوم ليكملوا مشروعهم القديم المتجدّد لشرذمة الدول العربية. ونجحوا في كثير من البلدان، وأصبحت السمة الواضحة هي النزاعات الطائفية والقبلية وسيطرة ميلشيات مسلّحة مدعومة مالياً وعسكرياً من دول الاستعمار في العالم، على تلك الدول. وأصبحت أخبار القتل كوجبات يومية على شاشاتنا، تحكي باختصار عن الحال المزرية التي أضحت عليها غالبية الدول العربية.

لم ننسَ ولن ننسى أن حكومة فرنسا كانت وما زالت تعمل بكلّ جهدها لتدمير الدولة السورية. ولم يتوقف التحريض على القتل والتخريب. ولم يتوقف التدخل بشتى الوسائل، لا الكلامية فحسب. ولا تزال الدماء تنزف بسببهم وعلى أيديهم. وما زلنا نقاوم عدوانهم. وحتى لو نسينا، فدماء شهدائنا وصورَهم لن تسمح لنا بأن نتعاطف مع قَتَلتهم.

إن ظنّ هولاند وباقي نسل آل صهيون أننا سنبكي على ما حصل في بلاده ونعلن الحداد والتضامن، فسأذكّر الجميع أن هؤلاء الذين يفجّرون في فرنسا هم أنفسهم في سورية وهم «معارضة معتدلة»، وهذه طريقتهم في التعبير عن اعتدالهم، وهذه وسيلتهم التي اختبرناها للمطالبة بحقوقهم منذ مجزرة جسر الشغور حتى اليوم. والمتفجرات التي قُتل بها الفرنسيون، دفعت ثمنها الحكومة الفرنسية.

نعود لنقول كما قال أجدادنا يوماً: لن نكون نعاجاً لا تملك حق الثغاء، فنحن نسل الأسود، سندافع اليوم بكلّ قوة. ونحن كما أجدادنا لن نمنح أحفادنا قيوداً يرزحون تحتها، إنما سنمنحهم فخراً يشمخون ويتباهون به. وكما قاتلنا بالأمس من أجل بقاء سورية موحّدة سيدة، سنفعل اليوم، ولو وقف ضدّنا العالم كلّه. ولن ننسى لهم سواد أيديهم وقدّ قلوبهم.

صباح سورية، صباح شهدائها، صباح جيشها، صباح كل حبّة تراب فيها… صباح سمائها وبحرها.., صباح بيوتها وجبالها.

وفاء حسن

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى