مقامرة غربية مغمّسة بدماء الأوروبيين
محمد محفوض
يوماً تلو الآخر تنوء أوروبا ذعراً أمام الموت الآتي إليها من الشرق… عمليات باريس وما رافقها في الأيام التالية من إنذارات بهجمات إرهابية في مختلف أنحاء أوروبا، منها الكاذب ومنها الصحيح، جعلت المواطن الأوروبي قبل مسؤوليه كأي مواطن عربي في هذا المشرق يعيش يومه، وكأنه الأخير بفعل الإرهاب الذي نضج في القارة العجوز، بعد أن تجاهلته دول هذه القارة خمس سنوات.
عمليات دهم ومحاصرة لمقار إرهابيين في ضواحي المدن الفرنسية… سيارات مفخخة في ألمانيا وما رافق ذلك من إلغاء فعاليات رياضية في بعض دول أوروبا والسبب المعلن هو تهديدات إرهابية.
لم تعد ضواحي باريس أكثر أمناً من ضاحية بيروت الجنوبية، كذلك بات لدى الدمشقيين مناعة نفسية ضد الإرهاب يفتقدها سكان هانوفر وبروكسيل وغيرهما من المدن الأوروبية.
سلّم الغرب في فيينا بأولوية الإرهاب على أي نقاش آخر يخص أي أزمة سياسية، ليس فقط في سورية بل العالم أجمع.
هذا التسليم لا يوحي بالتفاؤل، فمن يعي تسليم أميركا بمحاربة الإرهاب قبل أكثر من عقد من الآن، يعرف كيف جلبت أدواتها في تلك الحرب الويل والدمار والموت أكثر من الإرهاب ذاته.
عقدت قمة العشرين قبل أيام لتبحث سبل مكافحة هذا الوباء… وجهتا نظر وضعتا على الطاولة… وجهة نظر روسية تنظر بعين الواقعية والصدق والرغبة الملحّة بالقضاء على وباء الإرهاب بدعم جيوش المنطقة.
ووجهة نظر غربية ما زالت طامعة بمقامرة الفرصة الأخيرة والاستثمار حتى وإن كانت على جثث مواطنيها.
على مدى الأيام الماضية، خطت روسيا خطوات سياسية وعسكرية فاعلة لسد كل الذرائع أمام أي مقامرة غربية محتملة في الحرب على الإرهاب:
دخلت السوخوي معركة تطويق الإرهاب في سورية تمهيداً للقضاء عليه ليدخل مؤتمر فيينا السوري معترك الحرب على الإرهاب والتعويل على الأردن كشريك في تحديد المجموعات الإرهابية في سورية، عملاً بمقولة وشهد شاهد من أهله، خصوصاً أن هذا الشاهد يمتلك حدوداً مع سورية يعني ضبطها الكثير.
أخيراً، وضعت موسكو بأيدي نظرائها الأوروبيين خرائط الأقمار الصناعية لتحركات الإرهابيين وخطوط تمويلهم رفعاً للغطاء عن مصادر هذا التمويل والدول المتورطة فيه، ودحضاً لمقولة إن الدول غير قادرة على ضبط حركة التنظيمات الإرهابية.
هي إذاً ورقة بوتين الواضحة كالشمس في محاربة وباء بات يتهدد العالم مبدياً حزمه وإصراره على التصدي له، ولو منفرداً بعد أن دعا جميع الدول للتعاون البنّاء مقابل الورقة الغربية التي شابها الالتفاف والاستغلال السياسي، سواء في ما يخصّ قضايا منطقتنا أو في ما يخصّ القضايا الأوروبية ذاتها كقضية اللاجئين الذين هربوا من الإرهاب في بلدانهم ليلقوا العنصرية من الأوروبيين أنفسهم.