«داعش» يدخل غرفة العمليات… والطبيب الأميركي يستعدّ للجراحة التجميلية
د. محمد بكر
لا أحد يستطيع إنكار ما استولدته هجمات باريس من إرباكٍ وذعرٍ في المجتمعات الأوروبية لدرجة بات يهرع عدد من المواطنين الفرنسيين خوفاً وهلعاً لمجرد أن يطرق مسامعهم هدير مروحية فرنسية حلقت فوق سماء باريس عقب الهجمات، وكذلك حالة «الهلوسة» بوجود «داعش» و»آثاره» في كل تفصيلٍ مكاني في أوروبا، وفي كل مقعدٍ من مقاعد الطائرات الأوروبية، والتي كانت كفيلة بإخلاء ملعب هانوفر وإلغاء المباراة المقررة، وتوالي الهبوط الاضطراري للطائرات، تلك الهجمات التي بدت عاملاً محرّضاً على التغيّر في الخطاب الغربي لجهة التوصيف الفرنسي بأنّ ما تشهده فرنسا هو حالة حرب وترى في «داعش» العدو، فيما وصّف الأميركي «داعش» بأنه وجه الشر، بدوره دعا وزير الخارجية الإسبانية الغرب إلى التعاون مع الأسد بوصفه الخيار الأفضل لمواجهة التهديدات، بينما اعترف الكولونيل الأميركي ستيف وارن بأنّ ضربات التحالف الأميركي ضدّ داعش على مدى العام المنصرم كانت نتائجها طفيفة مضيفاً بالقول: «بدأنا بتغيير الاستراتيجية».
فما هي هذه الاستراتيجية؟ وهل سينسحب تغيّر الخطاب الغربي على السلوك السياسي والعسكري له؟ وهل تلقى دعوة الخارجية الإسبانية آذاناً أميركية صاغية؟
في اعتقادنا أنّ الولايات المتحدة في المرحلة الحالية من الصراع لا تشعر بالندم مطلقاً حيال موقفها السابق لجهة الإصرار على رحيل الأسد بحسب ما أدلى به السيناتور ريتشارد بلاك لقناة «الميادين»، إنما تعيش الولايات المتحدة الأميركية حالة من «الحرج السياسي» أمام الرأي العام تستدعي تغييراً للاستراتيجية في التعاطي مع «داعش»، تماماً كما أعلن ستيف وارن، ولكن وجهة هذا التغيير لن تكون مطلقاً على قاعدة ما قاله أوباما في قمة العشرين: «نحن موحدون ضدّ داعش» وما أعلنه لجهة أن الرئيس الروسي شريك بناء في المحادثات حول سورية، ذلك الحرج الذي أسس له واستولده عاملان رئيسان:
– التدخل العسكري الروسي وما بدأ يتبدّى من مفاعيله في مواجهة «داعش» والتنظيمات الأخرى على الأرض السورية، بدى خلاله للأميركي أنّ التأثير سلباً في الحراك الروسي سياسياً وعسكرياً من الصعوبة بمكان إنجازه، لذا لا بد من «مسايرة» التوجهات الروسية وليس الانخراط فيها.
– ما أسّست له هجمات باريس، وكذلك المواقف الأخيرة للسيناتور الأميركي ريتشارد بلاك لجهة كشف الدعم الأميركي لمجموعات متطرفة في سورية، من ضرورة تغيير الاستراتيجية الأميركية ضدّ «داعش» الذي بات وجهاً «قبيحاً» جداً في عيون المجتمع الدولي، ولكن على قاعدة «تجميل» الوجه فقط، من دون تغيير سياسة المضيّ في الاستثمار السياسي لكيان جديد يحلو كثيراً لأميركا توصيفه بالمعتدل تعمل على تكوينه وصياغته وتحضيره لا ضير في أن يضمّ عناصر من «داعش» نفسه على قاعدة «الانشقاق»، والانضمام والانضواء تحت راية «المولود» الجديد، ترسل الولايات المتحدة من خلال هذا التوجه رسائل لداعش ولكل من تسول له نفسه في التنظيم بـ»الشذوذ» عن ذلك، بأنه سيكون فعلاً هذه المرة في مرمى نيران تحالفها الذي ستصادق أميركا في المرحلة المقبلة على أن يكون جزءاً من التحالف الدولي المزمع توسعته وشرعنته في مجلس الأمن لمواجهة الإرهاب، ولا سيما بعد دعوة لافروف مجلس الأمن لجهة تهيئة الأسس القانونية لتشكيل تحالف موسع ضد الإرهاب، ومن هنا نقرأ ونفهم ما أعلنه لافروف أيضاً بأنّ هناك مجموعات مسلحة متطرفة في سورية بدأت تغيّر خطابها وتتلون لتقدم نفسها بصورة المعارضة المعتدلة.
لدى تحليلها للتناقض الحاصل في خطابات أوباما، أفردت صحيفة «نيويورك تايمز» العام الماضي تقريراً موسعاً حول ذلك، وفي مقارنة بين ما قاله الرئيس الأميركي عندما فاز في عام 2009 بجائزة نوبل للسلام حيث قال: «سيأتي وقت تدرك الدول أن استخدام القوة ضدّ الإرهاب ليس ضرورياً فحسب، بل له ما يسوّغه أخلاقياً» وبين قوله في عام 2014 الذي جاء على النقيض تماماً وتحديداً في خطابه في الأكاديمية العسكرية الأميركية «ويست بوينت» حيث قال: «إن أكثر أخطائنا كلفة لم تأت من ضبط النفس فقط، بل ومن رغبتنا في الاندفاع بمغامرة عسكرية من دون التفكير في نتائجها»، إذ عزت الصحيفة يومها ذلك التناقض الذي لم تجد فيه تناقضاً على الإطلاق بأنّ لهجة أوباما لم تتغيّر بشكل جذري، لكن تبدو متغيّرة لأنها تأخذ بالحسبان عامل الزمن والظروف السياسية المحيطة في العالم، بينما وجد يومها نائب مستشار الأمن القومي الأميركي بنيامين رودس بأنّ سياسة أوباما لم تتغيّر منذ عام 2009، وهذا ما يشكل في اعتقادنا جوهر «التغيّر» في الاستراتيجية الأميركية المعلنة اليوم تجاه «داعش»، يراعي فيها «الطبيب» الأميركي ضرورة إجراء جراحة تجميلية لوجه داعش الذي بات في ظروف معينة هجمات باريس وجهاً للشرّ، من دون نسيان الحاجة لشكله الجديد في خدمة الأهداف السياسية الأميركية لجهة هزيمة واستنزاف الخصوم في ظرفٍ تدخل فيه الروسي عسكرياً في الميدان السوري، فيما لا يزال «جوز» حزب الله بحسب الجنرال الصهيوني عميدرور عنيداً على الكسر.
كاتب فلسطيني مقيم في سورية
mbkr83 hotmail.com