جنون «إسرائيلي» وهدوء سوري
د. سليم حربا
ليس جديداً أو مفاجئاً ما يقوم به الكيان «الإسرائيلي» من انتهاك سافر لجميع الأعراف والقوانين واتفاقية جنيف واتفاق فضّ الاشتباك في الجولان الموقّع في 31 أيار 1974، فهذا الكيان الغاصب عدوانيٌ بطبيعته وخارجٌ على القانون الدولي، أما سلسلة اعتداءاته الأخيرة فتأتي في سياقها الزمني والمكاني لتعكس تخبّطه وارتباكه والتقاطه اللحظة الانتهازية التي يحاول من خلالها منع انهيار مشروع الإرهاب وسقوطه في الداخل السوري بعدما لاحت مرتسمات انهيار الإرهاب النفسي والمعنوي والمادي والبشري في هذا الداخل، وعلى خلفية عجزه واندحاره بدأ يتدحرج في اتجاه العراق والحبل على جرّار المشروع الصهيوني وسكة القطار الأميركي ووقود بترودولار مشيخات النعاج. ويرى الكيان «الإسرائيلي» نفسه الآن بخيبة أمل من عصاباته الإرهابية التي دعمها بلا حدود أو قيود وعوّل عليها أن تحقق له بالوكالة ما عجز عنه كأصيل، فدعمها وأمدّها بأسباب القوة في القصيْر لتكون خنجراً في خاصرة سورية وظهر المقاومة، لكنها تحطّمت فكان العدوان الأول على جمرايا، وأعاد الكيان «الإسرائيلي» التمنّي والتبنّي في القلمون وتحطّمت عصاباته، فكان العدوان الثاني على جمرايا وجنتا وتدحرجت وتقلصت الأماني «الإسرائيلية» وزاد الدعم لما تبقى من عصاباته في المنطقة الجنوبية في ريف القنيطرة ودرعا، علّها تستطيع أن تحقق للكيان «الإسرائيلي» ما عجزت عنه مجاميع الإرهاب في القصيْر والقلمون وإقامة ما يسيل عليه لعابه بعد حرب تشرين التحريرية وتكرار تجربة «الجدار الطيب» في جنوب لبنان وتغيير قواعد الاشتباك مع سورية وضمّ سهل حوران إلى مجاله الحيوي الأمني والاقتصادي، وكانت هستيريا الدعم بالأسلحة المتطوّرة والمتعدّدة والمعدات وأجهزة الاتصال وبروباغندا المعالجة للمصابين والمعابر التي فتحها في الشريط الشائك وتحويل الجولان السوري المحتلّ إلى مسرح مناورة للعصابات الإرهابية للفرار من ضربات الجيش العربي السوري وملاحقاته، وتزويد غرف عمليات الإرهابيين المعلومات كافة عن تحرك الوسائط النارية للجيش العربي السوري وانتشارها وتقدّمها، وتحديد الأهداف التي يجب مهاجمتها من قبل عصاباته وتحديد الأدوات والاتجاهات وساعة الصفر والاشتراك معها بعناصر استخباراتية وقوات خاصة من قوات النخبة «الإسرائيلية» كقوات باشان وكرميل التي شاركت في الهجوم على تل الجابية وتل أحمر غربي وتل الجموع وسقط منها قتلى، ولو لاحظنا الأهداف المعلنة والمخفية التي يرسمها الكيان «الإسرائيلي» وتنفذها أدواته الإرهابية في المنطقة الجنوبية فإنها تتمثل في محاولة السيطرة على الخط نوى وتل الجابية، وصولاً إلى جاسم والحارة كمرحلة أولى، ثم لاحقاً التمدد في اتجاه إزرع – الشيخ مسكين – الصنمين وبالتالي يتم تحديد الأهداف للمجاميع الإرهابية على نحو يلبّي تنفيذ هذا السيناريو «الإسرائيلي». وعلى مدى أكثر من عام عجزت مجاميع الإرهاب رغم جميع أسباب الدعم عن تحقيق إنجازات في هذه المنطقة يمكن أن تصرف في الميدان، لذلك يلجأ الكيان «الإسرائيلي» وتحت أي ذريعة إلى تنفيذ الاعتداءات على نقاط الارتكاز العسكرية السورية التي كانت وستبقى عصيّة على العصابات الإرهابية كتلّ الشعار وتل الحارة وغيرها، لرفع معنويات عصاباته ومحاولة خلق مناخات لنجاح هجومها اللاحق على تلك المناطق. لكن منطق الواقع ينبئ بثقة تامة بأنّ تحطم مشروعه وعصاباته في تلك المنطقة سيكون أكثر وقعاً وأثراً وتأثيراً من سقوطها المدوّي في القصيْر والقلمون وسيكون المسمار الأخير في نعش مشروعه الواهم.
قد يتساءل البعض: لماذا يتأخر الردّ السوري؟ نقول: عوّدتنا الاستراتيجية السورية المركبة سياسياً وعسكرياً بأنها استراتيجية فاعلة وليست منفعلة ومتسرّعة وليست ارتجالية أو تكتيكية قصيرة المدى تعتمد على تعدّد أشكال الردّ واتساع جبهاته وجهاته، بل تعتبر أنّ سحق أدوات العدو وعصاباته التي أصبحت عضوية من كيانه ومشروعه أولوية، وأن قطع يدي الاخطبوط سيشلّ حركته ويهدّد جسده وقلبه، إضافة إلى الإبداع الاستراتيجي بأشكال الرد الموجع التي يعرفها الكيان لكنه لا يجرؤ على الاعتراف بها. والبراعة الاستراتيجية السورية وحساباتها تعتبر أن حسابات الحرب ليست عسكرية فحسب. علماً أن ما يغري هذا الكيان هو الموقف العربي المشتت والمفتت والمؤيّد والمتحالف بعضه مع الكيان «الإسرائيلي»، الذي لن يجرّنا إلى الحرب التي يخطط زمانها ومكانها، فمن بديهيات الحساب الاستراتيجي أن سورية التي تواجه عدواناً وإرهاباً من الحدود الشمالية مع تركيا، وتساهم مع الجيش والشعب العراقي في تدمير قوافل «الدواعش» شرقاً مع العراق، وتطمئنّ إلى حدودها مع لبنان، وتضيّق الخناق على قدوم حشود الإرهابيين من الأردن، على جبهات تصل إلى 2500 كلم، وتسحق ما تبقى من فلول الإرهاب في الداخل، وتحقق الإنجازات… إنما تعرف كيف تردّ ومتى وأين على الكيان «الإسرائيلي»، تتمهّل ولا تهمل، والكيان «الإسرائيلي» يدرك أنّ عصاباته تلفظ أنفاسها وأنه يلعب بالنار التي لا يستطيع تحمّل لظاها، من الجولان إلى ما بعد حيفا، أو ما بعد بعد فلسطين المحتلة.