المؤتمر العربي العام والنتائج

عباس الجمعة

شكل انعقاد المؤتمر العربي العام السادس لدعم الانتفاضة في فلسطين نقطة تحوّل هامة، وخاصة انّ المؤتمر بحضور القوى والاحزاب العربية والشعبية منها وكافة الفصائل الفلسطينية دون استثناء، شدّد على اهمية دعم الانتفاضة الفلسطينية، لتكون بذلك خطوة مهمة من نوعها على المستوى الشعبي العربي، إنْ لم نقل أكثر من ذلك، باعتبار انّ الانتفاضة على امتداد فلسطين ارادت ان تضع الجميع امام مسؤولياتهم القومية على مختلف الصعد، وها هي تفاعلاتها على مختلف الصعد والساحات تتواصل حاملة في طياتها شتى الاحتمالات.

فالانتفاضة ما كان لها أن تستمرّ وتتصاعد، لولا امتلاكها لآلية الاستمرار والتصاعد، ولولا امتلاكها واستنادها إلى جملة من الخصائص والسمات التي تفسّر هذا الاستمرار وتبعث على الثقة بأننا أمام نمط حياة جديد لجماهيرنا تحت الاحتلال يبشر بأنّ الانتفاضة ستتواصل حتى الظفر بالحرية والاستقلال.

انّ التنظيم عنصر هامّ وأساسيّ من عناصر استمرار الانتفاضة وتصاعدها، وهو لا يقتصر على القيادة الوطنية الموحدة للانتفاضة، بل من خلال لجانها التي شكلها شابات وشباب فلسطين، وهذا العنصر يشكل المتطوّر في ضمان استمرار الانتفاضة وفق برامج مدروسة بعناية وضرورات إبقاء جذوة الانتفاضة مشتعلة.

من هنا نحن نثمّن الجهد الذي قام به رئيس مركز التواصل العربي الدولي الاستاذ معن بشور والأمناء العامون للأحزاب العربية والقومي العربي والقومي الاسلامي حتى تبقى قضية فلسطين القضية المركزية للأمة العربية، ويجب ان تبقى البوصلة فلسطين كما اكد احرار العالم بمسيرتهم الحاشدة التي تشهدها العديد من العواصم الغربية وهي أبلغ دليل على ذلك.

وهذا يقتضي من كافة الأحزاب العربية مراجعة كاملة لكلّ المناهج والبرامج والمهمات المطروحة علينا، للخروج بفهم جديد يعيدنا إلى دائرة الفعل المؤثر في حركة الواقع، على مستوى الاستراتيجيا والتكتيك الصحيح الملائم لظروف المرحلة الراهنة، ولذلك فإننا نرى ما خرج به المؤتمر العربي العام السادس من قرارات بحضور مختلف التيارات والحركات الفاعلة على اختلاف مشاربها الفكرية والايديولوجية اليسارية، والقومية، والإسلامية المتنوّرة، مع تسارع وتيرة الأحداث والمواجهات الدامية بين الشعب الفلسطيني وقوات الاحتلال الصّهيوني في مدن القدس والضّفة المحتلتين، حيث تؤكد الانتفاضة في فترة زمنية غاية في الحراجة والدقة تعيشها المنطقة العربية نتيجة ما تقوم به القوى المعادية من زرع الفتنة والاحتراب للوصول بتقسيم الدول وتجزئتها وتوفير ديمومة الاحتلال.

انّ الانتفاضة أعادت القضية الفلسطينية مرة أخرى إلى الصدارة، ومن شأن استمرارها والنجاح في عودتها إلى مركزيتها على المستوى العربي لتحتلّ الموقع الأول على الأجندة لحركة التحرّر العربي، ونحن نأمل ان تسهم الانتفاضة في تحرير العقل العربي مما لحق به من انحراف فكري حول صيغة الصراع ومكونات أعدائنا ليعيد تسليط الضوء على الكيان الصهيوني كمشروع على النقيض تماماً مع مشروع الأمة وطموحها.

ومن هذا المنطلق نرى انّ ما تتعرّض له المنطقة يتطلب من كافة الأحزاب العربية وقواها القومية الوقوف في مواجهة الهجمة الامبريالية الصهيونية الرجعية الإرهابية التكفيرية التي تستهدف تفتيتها بما يخدم المشروع الصهيوني في المنطقة والذي يهدف الى تحيقيق حلم الحركة الصهيونية بدولة يهودية، رغم قناعتنا بأنّ الشعوب العربية ستنتصر مهما جيّشوا لها من جيوش إرهاب يتمّ استيرادها من مختلف دول العالم.

وامام ما لفت انتباهي خطابات الفصائل والقوى الفلسطينية في المؤتمر حول ضرورة دعم الانتفاضة بغضّ النظر عن التباين السياسي، وهذا يشكل ثمة ضرورة لتوحيد كلّ الطاقات والاتجاهات السياسية لمواجهة الخطر الرئيسي المتجسد بالمشروع الأميركي الصهيوني.

من هنا نحن نعتبر انّ مواجهة الخطر الذي يحيق بالساحة الفلسطينية يتطلب تجسيد الوحدة الوطنية، وضرورة إعادة ربط البعد الوطني بالبعد القومي، حتى يستطيع الشعب الفلسطيني أخذ دوره على المستوى القومي، وانّ الجهد الذي قامت به القوى والأحزاب العربية مشكورة هو جهد عربي يرغب بمساعدتنا بالاتجاه الذي يؤدّي إلى تحقيق الوحدة الوطنية على قاعدة التمسك بالثوابت الوطنية الفلسطينية.

إننا على قناعة بأنّ ما اتخذ من قرارات في المؤتمر العربي العام السادس سيشكل بيئة شعبية حاضنة للانتفاضة، لأنّ الاحزاب العربية والقوى المشاركة معنية في ظفر الشعب الفلسطيني بحريته واستقلاله الوطني، وبممارسة حقوقه الوطنية المشروعة، فإنّ للشعب الفلسطيني مصلحة أكيدة في ان تنال الشعوب العربية حقها في التحرّر الوطني والديمقراطية والحرية والعدالة الاجتماعية، التحرّر من نير التبعية الامبريالية والاستعمارية و الرأسمالية، لأنّ ذلك يعكس بصدق، مواقف القوى والأحزاب والتيارات السياسية المختلفة من القضية الفلسطينية، التي كانت ولا تزال، تعتبر القضية المركزية لجميع الشعوب العربية، والتي لا تزال تستأثر باهتمام شديد من قبل القوى والأحزاب والتيارات اليسارية والديمقراطية في العالم أجمع.

لهذا نعتبر أنّ انعقاد المؤتمر العربي دعوة لتضامن الجماهير العربية مع الشعب الفلسطيني وانتفاضته، والوقوف في وجه غطرسة القوة والتهديد وممارسة الضغوط من قبل الإدارة الأميركية الصهيونية لفرض شروط الهيمنة على المنطقة العربية برمّتها، وندعو لأن يكون الإنسان العربي في قلب الحدث، وأن ينتفض على واقع الهزيمة والإحباط، وأن يواصل دفاعه عن الحرية والاستقلال، ليس في فلسطين فحسب بل في كلّ أرجاء الوطن العربي. فالإنسان العربي معنيّ بالدفاع عن وجوده وكيانه وإنسانيته وثقافته وتراثه الوطني، والوقوف في وجه الهيمنة والأطماع الأميركية الصهيونية في المنطقة العربية.

ختاماً لا بدّ من القول إنّ النموذج الفلسطيني للمقاومة، مدعوم بعمق شعبي قومي عربي، كفيل في تفعيل روح المقاومة والانتفاضة والتصدّي للمشروع الإمبريالي الأميركي الصهيوني، الذي يستهدف الحجر والشجر والبشر. بهدف الوصول لتصفية القضية الفلسطينية وإعادة رسم خارطة العالم وفق المقاييس الأميركية، الا انّ ارادة انتفاضة الشعب الفلسطيني بدعم العمق الشعبي العربي، وإصراره على تمسكه بالمقاومة المشروعة، ستنتصر مهما غلت التضحيات حتى الوصول الى تحقيق حقوقه الوطنية وفي المقدمة منها حقه في العودة إلى بيوته وأراضيه ومدنه وقراه التي هُجر منها، وإقامة دولته الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس.

كاتب سياسي

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى