تصويب بسيط…!

علي قاسم

رئيس تحرير «الثورة» ـ سورية

لأول مرة قد تكون مقاربة المبعوث الأممي دي ميستورا حقيقية، وإنْ لم يقصدها بشكل مباشر، حين اعتبر السعودية مكاناً جيداً جداً لاستضافة ما سمّاه المعارضة، مع تصويب بسيط، وهي أنها بالفعل مكان جيد جداً، لكن لاستضافة الإرهابيين سواء جاؤوا تحت تسمية معارضة مسلحة أم معتدلة، أو كانوا تحت راية التبعية للسعودية ومَن جاراها في دعم الإرهاب إقليمياً ودولياً، ومن هو الأقدر منها على جمعهم واستضافتهم.

فالسعودية صاحبة الباع الطويل في تنشئتهم وتمويلهم، وصاحبة «فضل» لا يمكن لأيّ منهم أن ينكره في رعايتهم واحتضانهم، وهي بلا منازع الأقدر على احتوائهم، وذلك لأسباب يعرفها القاصي والداني، وفي مقدّمتها أنّ السعودية كانت ولا تزال توفر لهم البيئة السياسية والإعلامية وربما – وهنا من باب التأكيد لا التشكيك كانت الأكثر معرفة ودراية بمتطلباتهم وشروط جمعهم وأسباب اجتماعهم.

وحين أوكل الأميركيون المهمة للسعودية لم ينطلقوا من فراغ، ولا هو محض مصادفة أو عفو الخاطر، بقدر ما يعكس واقعاً عملياً تعرف واشنطن حيثياته وأسبابه وموجباته، وهي الشريك الفعلي للسعودية، وإذا ما فشلت السعودية في ذلك – وهي ستفشل بالضرورة – لن يكون هناك دولة قادرة على جمعهم، وتوحيد صفوفهم، ويتشارك مع الأميركيين في هذه القناعة كلّ من يقاسمها التعاطي مع التنظيمات الإرهابية، أو قَبِلَ بوجودها وبالمهمة الوظيفية الموكلة إليها.

في أسباب الفشل تتقاطع المعطيات وتتعدّد الاحتمالات، لكنها في نهاية المطاف تقود إلى النتيجة ذاتها المعروفة مسبقاً، وهي أنّ التنظيمات الإرهابية ومَن يمثلها ليست في وارد التغيير، ولا هي قادرة على المضيّ أبعد من سياق الحالة القائمة، بحكم ما بنته في سنوات التنشئة، وما راكمته في حقبة التنفيذ لمهامها الوظيفية التي حدّدتها السعودية قبل غيرها، وهي التي انتزعت الوكالة الحصرية منذ زمن بعيد.

لكن، وكالتها في مدّ التنظيمات الإرهابية ورعايتها شيء، والطلب منها أو إرغامها على تقليم أظافر تلك التنظيمات أو إعادة هيكلتها شيء آخر، حيث حساب التنشئة لا يمكن أن يطابق بيدر التقليم. وهنا المعضلة الأساسية التي ستواجه السعودية، وهي التي ستحول دون نجاحها، خصوصاً ما بات منها أقرب إلى الاستقلالية المالية وإنْ احتفظت بالتبعية السياسية، وبعضها يمتلك خيارات أخرى تلوح لدى «النصرة» و»داعش» بشكل مباشر.

والمعضلة الثانية التي ستواجهها السعودية ستكون عبر بعض المشاغبات الناتجة عن مقاربات الذين يراهنون على تبعيتهم للدور القطري أو التركي، رغم المعطيات التي تتحدّث بأنّ المهمة الموكلة سعودياً جاءت بأمر عمليات أميركي، لن يكون بمقدور تركيا ولا قطر المغامرة في شغل حيّز أبعد مما هو متاح في القرار الأميركي، خصوصاً بعد أن فشل الطرفان في الحفاظ على الجبهات المشتركة من دون الاعتماد على الخيط السعودي الحاضر في مختلف تلك التشكيلات التي نشأت أو يمكن لها أن تتشكل بين التنظيمات الإرهابية.

غير أنّ هذا لا يقلل من «صوابية» كلام المبعوث الأممي، وإنْ لم يتعمّده، ولا يعدّل من التصويب البسيط وإنْ تقصّدناه، ليكون المشهد والمحاكاة التي يقدّمها مطابقة تماماً لواقع الحال والدور الوظيفي للسعودية، حيث تُشكّل بالفعل مقرّاً ومستقرّاً قابلاً للتعايش مع أولئك الإرهابيين، وبيئة سياسية وعائلية حاضنة وراعية بامتياز، ولن يشعروا بالغربة لديها، ولن يختلفوا على الزمان أو المكان ولا الحيثيات، سواء جاءت عبر التكتيك، أم فرضتها الاستراتيجية.

فالمشهد الإقليمي لا يحتمل المزيد من التجريب، فيما الدولي يموج بمتغيّرات عاصفة وينذر بكثير من الأعاصير السياسية، بحيث لا يقدر على الانتظار، ولا تسعفه التجاذبات المفخخة داخله على التمهّل أو التريّث ريثما تنهي السعودية مطابقة حسابات تنظيمات إرهابها على بيدر عقارب الساعة الدولية، التي اختلفت إحداثيات دورانها وباتت أقرب إلى التوقيت الروسي دولياً، وتكاد تتطابق مع التوقيت الإيراني إقليمياً، حيث إنّ لقاء الرئيس بوتين مع المرشد خامنئي، ليس بروتوكولياً أو زيارة مجاملة، بقدر ما هو وضع النقاط على حروف العلاقة التحالفية التي يترجمها الميدان السوري.

فالتصويب هنا ليس على مصطلح دي ميستورا أو تعبيره فحسب، بل أيضاً على المقاربة المقبلة، بعد أن يعيد النظر في التوقيت، وربما الاتجاهات، سواء كان بمحض إرادته وبدافع من قراءاته السياسية، أم اقتضتها موازين العلاقات الدولية، التي أضحت مواقيت ربيعها المنصرم غير متوافقة وربما متعارضة مع ضبط إيقاع ما يفرضه شتاء المواجهة الذي يلوح في الأفق الإقليمي ولو احتاجت لبعض الوقت.

تنشر بالتزامن مع الزميلة «الثورة» ـ سورية

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى