بوتين: تكثيف الغارات على جبل التركمان وقوافل النفط… وعقوبات اقتصادية لبنان إلى الواقعية بعد أحلام ليالي باريس عن حلحلة حريرية… والتهدئة تكفي

كتب المحرر السياسي

الأيام المقبلة ستكون الأهمّ والأقسى على المنطقة، وفقاً لمرجع ديبلوماسي عربي، فالمواجهة التي تخوضها تركيا بدعم أميركي واضح لرسم خطوط حمراء أمام عاصفة السوخوي الروسية، لا بدّ من تحمّل درجة عالية من حبس الأنفاس، من دون أن تدوم طويلاً قبل أن ترسو على توازنات تحدّد هوية المعادلة التي ستحكم تسويات المنطقة.

تحرّكت تركيا بقرار أميركي ورسمت خطاً أحمر حول جبل التركمان والجماعات المسلحة التي ترعاها وتتولى القتال في ريف اللاذقية وصولاً إلى جسر الشغور، وقالت عملياً إنّ استهداف هذه المناطق شمال سورية بمثابة انتهاك للمدى الحيوي التركي، وأسمته مجازاً بمجالها الجوي، وقرّرت روسيا قبول التحدّي، فأصدر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أوامره بتجميد العمل بالاتفاقات التي تستفيد عبرها تركيا بمليارات الدولارات من العلاقة مع روسيا، في مجالات السياحة والتفاهمات العسكرية ومجلات النفط والغاز.

عسكرياً بدأت الطائرات الروسية ليل أمس غارات مكثفة على المناطق التي تتمركز فيها الجماعات المسلحة التي أرادت تركيا حمايتها، وهذه المرة خرجت الطائرات الروسية بجهوزية لحرب مع سلاح الجو التركي في حال تدخّله، والتحدّي أمام تركيا إما أن تعيد الكَرّة فتقع المواجهة وروسيا عازمة، كما قالت مصادر متعدّدة ديبلوماسية وإعلامية في موسكو، أو أن ترتضي الأمر الواقع الذي تفرضه روسيا في الميدان.

التوتر سيتصاعد وفقاً لمصادر متابعة، والمسعى الأميركي عبّر عنه بيان حلف الأطلسي بالدعوة إلى الحوار والتفاوض، الذي لن يكون على مجال جوي تركي ولا على قواعد الاشتباك، بل على ثلاث قضايا تشغل بال واشنطن وحلفائها بسبب الضغط الروسي وهي تصنيف التنظيمات الإرهابية، بعدما ربحت موسكو حرب تصنيف «النصرة» وتتابع سائر التشكيلات المدعومة من واشنطن وحليفيها الأبرز السعودية وتركيا، والثاني تفرّد روسيا في رسم الخارطة العسكرية للحرب في سورية، وطلب واشنطن تشكيل مرجعية تشترك فيها روسيا مع واشنطن وتركيا وفرنسا وبريطانيا، من دون السماح لروسيا بشراكة مماثلة في رسم خارطة الحرب في العراق، والثالث هو رسم حدود الدور الإيراني في المنطقة، خصوصاً بعد التفاهمات التي سجلت في قمة الرئيس الروسي مع الزعيم الإيراني السيد علي الخامنئي وما تضمّنته من عناوين استراتيجية تطال قطاعات حيوية كأنابيب النفط والغاز نحو البحر المتوسط، وتخصيب اليورانيوم بتقنيات أجهزة الطرد المركزي وتطوير مشترك لصناعات الأسلحة النوعية.

المواجهة التي تشهدها المنطقة برمزيتها، هي الأخطر والأهمّ منذ بدء الحرب في سورية وعليها، وعلى نتائج هذه المواجهة سيتقرّر شكل الشرق الأوسط الجديد، وترسم فيه حدود موازين القوى للأطراف التي كانت تتفادى التقابل مباشرة، وها هي اليوم تجد نفسها في الخنادق الأمامية وجهاً لوجه.

لبنانياً، بعد يوم من الأحلام الباريسية حول حلحلة حريرية عاد اللبنانيون إلى واقعهم وهم يتخندقون في المتاريس التي ينقسم العالم وتنقسم المنطقة حولها، ليكتشفوا أنّ الحلم بعيد، وربما يكونون قد بالغوا في التخيّل عندما ظنوا أنّ الرئيس سعد الحريري يملك السير بمعادلة رئاسية من دون قرار سعودي، وأنّ المنطقة لا تزال في المخاض وأنّ عليهم الانتظار وتخفيض سقوف توقعاتهم، والاكتفاء بالتهدئة مطلباً، ينتظرونه من بيانات الحوار الثنائي لحزب الله وتيار المستقبل، كلما انعقد.

إسقاط سو 24 كسر قواعد الاشتباك

خطف إسقاط الطائرة الروسية سوخوي 24 فوق الأراضي السورية الأضواء عن الملفات الداخلية، بخاصة أن هذه الطائرة هي الثانية التي تسقط لروسيا بعد طائرة شرم الشيخ التي أسقطها تنظيم داعش، بينما أسقطت تركيا الدولة الأولى الداعمة لداعش قاذفة السوخوي 24 امس، في كمين جوي سياسي قام به الرئيس التركي رجب طيب اردوغان بتخطيط مسبق وبتنسيق مع الأميركيين والإسرائيليين لكسر الاندفاعة الروسية والعنفوان الروسي. ويأتي إسقاط الطائرة مباشرة بعد اللقاء الاستثنائي بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والمرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية السيد علي الخامنئي، ورداً على حجم الإنجازات التي حققها الدفاع الروسي والجيش السوري في التلال الاستراتيجية في اللاذقية وجبل التركمان وجبل الأكراد ما جعل تركيا تخرج عن طورها. فهذه المناطق التي يحررها الجيش السوري هي مناطق محاذية للحدود السياسية التركية السورية وفوق مناطق تسيطر تركيا عليها منذ نحو ثلاث سنوات بواسطة مسلحين موالين لها.

فإلى أي مدى من الخطورة ممكن أن تصل احتكاكات من هذا النوع وهل نحن أمام مخاطر واحتكاكات تكسر قواعد الاشتباك الحالية وتطيح بكل الخطوط الحمراء وتنقلنا إلى اشتباك إقليمي دولي؟ وهل إسقاط الطائرة أمس هو بداية الدفعة الأولى من تسديد أردوغان الدين للولايات المتحدة بعدما حفظت ماء وجهه وساعدته على الفوز في انتخابات الأول من تشرين الثاني الحالي؟ وكيف سيتصرّف الناتو إزاء ما قام به الأتراك وهل يوفر لتركيا الغطاء لعدوانها الموصوف؟ والأهم كيف ستكون طبيعة الردّ الروسي الذي سيلجأ إليه الرئيس بوتين وهو المستهدف الأول؟

الحوار الوطني اليوم في عين التينة

أما محلياً، فينتظر لبنان جلاء صورة اللقاء الباريسي بين رئيس تيار المستقبل سعد الحريري ورئيس تيار المردة النائب سليمان فرنجية الذي شابه الغموض عقب التسريب الملتبس من تيار المستقبل لهذا اللقاء، ومن المتوقع أن يأخذ لقاء فرنجية الحريري حيّزاً كبيراً من جلسة الحوار الوطني اليوم في عين التينة التي ستلتئم برعاية رئيس المجلس النيابي نبيه بري وبغياب رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميل ورئيس حزب القوات سمير جعجع.

وإذ أشارت أوساط سياسية لـ«البناء» إلى أن «اللقاء كان ثمرة المساعي التي قام بها رئيس المجلس النيابي ورئيس اللقاء الديمقراطي النائب وليد جنبلاط»، لفتت إلى «أن اتفاقاً حصل على إبقاء اللقاء سرياً، ليعلن فرنجية بعد فترة وجيزة نيته في الترشح ويعمل على حصد تأييد العماد ميشال عون وفريق 8 آذار مجتمعاً له، غير أن الحريري سارع إلى تسريب الخبر ضارباً بعُرض الحائط ما وعد به». ونفت الأوساط السياسية صحة ما يتم التداول به عن انزعاج عوني من تصرّف فرنجية، مشيرة إلى «أن العماد عون تعامل بذكاء مع تسريب اللقاء ولم يقع في الفخ المستقبلي، لا سيما وأنه يتذكر جيداً وعود الحريري في روما وباريس له ومن ثم تراجعه عنها».

المستقبل يخفّف من نبرته تجاه فرنجية

وأكدت مصادر تيار المستقبل لـ«البناء» أن «الصورة ستتوضّح في اليومين المقبلين»، مشيرة إلى اهتمام جدي عند التيار لإنجاح التسوية السياسية الشاملة». وألمحت مصادر تيار المستقبل إلى «أن الهجوم الذي تعرّض له النائب فرنجية في اليومين الماضيين من قبل وزراء ونواب في تيار المستقبل ستخفّ حدته ولن نلحظه في الأيام المقبلة»، لافتة إلى «أن اجتماع الكتلة الذي ترأسه الرئيس فؤاد السنيورة أمس كان هادئاً، تخلله كلام لا يخلو من الجدية وإن اتسم بالمزاح أنه إذا كنّا سنقبل بفرنجية رئيساً لكنّا مشينا بعون». وأشارت المصادر إلى «أن الطبخة لم تستو بعد وهي تتطلب موقفاً مرناً من حزب الله يتخلى فيه عن ترشيح العماد عون». وفي محاولة لدق إسفين بين التيار الوطني الحر وتيار المردة، أكدت مصادر «المستقبل» «أن العماد عون يسعى إلى حرق فرنجية»، مشدّدة على «أن بيان تكتل التغيير والإصلاح عقب الاجتماع الأسبوعي امس، الذي ورد فيه أن رئيساً للجمهورية يجب يكون ممثّلاً حقيقياً لشعبه، يؤكد أن التيار الوطني الحر لن يقبل بفرنجية».

وكانت الكتلة استعرضت ما يقوم به الرئيس الحريري من اتصالات مع أكثر من جهة سياسية لبنانية، وذلك في ضوء ما يجري في المنطقة من تطورات وتحولات ومواجهات خطيرة بعيدة الأثر، وكذلك بسبب الظروف العصيبة التي يمر بها لبنان على أكثر من صعيد سياسي وأمني ومعيشي، وعدم تمكن المجلس النيابي من انتخاب رئيس جديد للجمهورية، ولفتت إلى «أن مجمل هذه التطورات تستدعي المبادرة لاتخاذ خطوات إنقاذية، من أجل التوصل إلى تسوية وطنية جامعة تحفظ الميثاق الوطني وتحترم الدستور وتكرّس مرجعية اتفاق الطائف وتعالج بدايةً أزمة الشغور الرئاسي بانتخاب رئيسٍ جديدٍ، كما وأن تطلق هذه التسوية الوطنية الجامعة عمل المؤسسات الدستورية، وتفعِّلُ عمل مجلس الوزراء والمجلس النيابي والمؤسسات الدستورية وتستعيد حصرية سلطة الدولة وهيبتها والسلاح الشرعي على كامل الأراضي اللبنانية».

حزب الله غير معني بالتعليق على لقاءات

في مقابل ذلك، أكدت مصادر مطلعة في 8 آذار «أن حزب الله غير معني بالتعليق على ما يجري من لقاءات، لا سيما أن فرنجية لديه حق كامل أن يمارس استقلاليته كطرف يتحاور مع الحريري من دون أن يشاور أحداً». وشدّدت المصادر على «أن لا شيء مما يحصل يستدعي موقفاً حقيقياً من حزب الله»، مشيرة إلى أن الحزب «لا يزال على موقفه من دعم ترشيح العماد عون».

تداول ترشيحات لملء الوقت الضائع

وفي إطار لقاء الحريري رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميل، أكدت مصادر كتائبية لـ»البناء» «أن اللقاء بحث في تزخيم انتخابات رئاسة الجمهورية والبحث عن مخارج لانتخاب الرئيس وتعزيز العلاقة بين الحلفاء». وشددت المصادر على «أن ما يجري تداوله من ترشيحات لأسماء لرئاسة الجمهورية يصب في خانة ملء الفراغ والوقت الضائع»، مشددة على «أن الأمور لا تزال بعيدة وليس هناك أي شيء جدي في هذا المجال».

أوباما: لانتخاب الرئيس

في سياق متصل، أكد الرئيس الأميركي باراك أوباما أن الولايات المتحدة ستستمر في دعم المؤسسات الأمنية في لبنان، مشيراً إلى أن واشنطن تدعم لبنان منذ فترة طويلة في سعيه لتحقيق السيادة الكاملة والأمن والاستقلال. وقال أوباما في رسالة وجهها إلى رئيس الحكومة تمام سلام بمناسبة عيد الاستقلال «إنه الوقت المناسب للزعماء اللبنانيين للعمل على المصلحة الوطنية وانتخاب رئيس من أجل استقرار لبنان وأمنه».

وحضرت التطورات في لبنان والمنطقة في لقاء بين رئيس الحكومة ووزير الدفاع الإسباني بيدرو مورينيس الذي أمل «أن يتم انتخاب رئيس للجمهورية في وقت قريب وأن تعود المؤسسات اللبنانية إلى عملها بشكل طبيعي».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى