موسكو نحو تحالف دولي تدريجي لكن بشروطها
تضع موسكو منذ تموضعها الحربي على ضفاف المتوسط وبدء شراكتها الجادّة والمثابرة في الحرب ضدّ الإرهاب قبالة أعينها كيف تستثمر وجودها ونجاحاتها لفرض تموضع الغرب ضمن معادلة جديدة تغادر الرهان على استخدام الإرهاب لإضعاف سورية من جهة، وتعلن الحرب عليه شكلاً كي لا يتمدّد كثيراً ويخرق الخطوط الحمر من جهة أخرى، لتنضمّ دول الغرب إلى حرب جدية انطلاقاً من ثنائية جديدة تراهن روسيا على توليدها، قوامها دفع الغرب إلى القلق من تمكن روسيا وسورية وحلفائهما من بلوغ مشارف النصر على الإرهاب من دون شراكة غربية، وبالتالي فقدان الغرب فرصاً لا يمكن ان يضيّعها بالنظر إلى مصالحه الحيوية في الشرق الأوسط من جهة، ومن جهة مقابلة القلق من تسرّب الإرهاب المهزوم نحو البلاد الغربية وتموضعه هناك كخطر مقيم يصعب اقتلاعه اذا تجذر، وما لم تتمّ ملاقاته بالأساس من قواعد انطلاقه في سورية والعراق وتتبعه.
ما جرى في سورية في شهر ونصف الشهر ميدانياً، وما جرى من اعتداءات في باريس ولبنان وشرم الشيخ ولّد مناخات جديدة حوّلتها روسيا إلى خطة عمل نحو باريس وواشنطن.
هكذا صوّت مجلس الأمن أول أمس بالإجماع على مشروع النصّ الفرنسي، ليصير قراراً أممياً بتنسيق الجهود في الحرب على «داعش» ومتفرّعات تنظيم «القاعدة»، ويلزم الدول بالمشاركة في منع تجنيد العناصر لحساب التنظيمات المدرجة على لوائح الإرهاب وخصوصاً «داعش» والمجموعات المرتبطة بتنظيم «القاعدة»، وإتخاذ الإجراءات اللازمة لمنع كلّ أسباب الدعم المالي واللوجستي التي قد تصل إلى هذه الجماعات، وبذلك يكون التنسيق الروسي الفرنسي الذي خطا أولى خطواته بترحيب روسي بقدوم حاملة الطائرات الفرنسية «شارل ديغول» إلى مياه البحر المتوسط كقوات صديقة للأسطول الروسي، ليتوّج باللقاء الذي يجمع الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والفرنسي فرنسوا هولاند الخميس المقبل.
روسيا التي تشتغل لضمّ فرنسا إلى حلف جدّي يردّ لها إعتبارها كدولة عظمى بعد مذبحة باريس، تدرك أنّ الرئيس الفرنس يشتغل هو الآخر على جمع موسكو وواشنطن على نقاط وسط تصلح لتأسيس حلف ثلاثي يقود العالم في الحرب على الإرهاب، آخذاً بالاعتبار الرؤية الروسية التي تعتبر الراية الأممية هي المظلة المناسبة لهذا التحالف.
يذهب الرئيس بوتين للقاء نظيره الفرنسي عائداً من طهران التي زارها الاثنين، وهو مزوّد بخطة التنسيق السياسية والعسكرية المشتركة للحرب التي يخوضها الشريكان الأهمّ في غرب آسيا، والتي تتولى الإمساك إلى جانب الدولتين السورية والعراقية وجيشهما ومقاتلي حزب الله بأهمّ الجبهات العالمية في الحرب على الإرهاب، وتحقق فيها الإنجازات المتتالية، كان آخرها حاصل القصف الصاروخي النوعي لمواقع «داعش» في دير الزور والرقة الذي تولته السفن الروسية الاستراتيجية في بحر قزوين والذي تناقلت الأنباء تكبيده قادة «داعش» ومقاتليه المئات من القتلى والجرحى.
موسكو نفسها تلاقي حركة رئيسها بمناورات جوية وبحرية، خاطبت دول غرب المتوسط ومنها لبنان، بدعوات تعديل مسارات خطوطها الجوية، تماشياً مع مقتضيات المناورات، ما استدعى إتصالات افضت إلى تأمين خط مرور جنوبي بالتنسيق مع المديرية العامة للطيران القبرصي، والمناورة تفتح شهية فرنسا على دور في لبنان ضدّ الإرهاب يشبه دور روسيا في سورية ودور أميركا في العراق بالتعاون مع الجيش الوطني لكلّ دولة.
ليس من أحد أزعجته المناورة الروسية إلا السعودية لأنها في ظلّ إحراج عام لها يبدأ من التمسك بالرئيس السوري وينتهي بالضغط لوقف تمويل الإرهاب والإصرار على تصنيف صارم لا تتسرّب منه تنظيمات مرتبطة بـ«القاعدة» تدافع عنها السعودية، وجنبلاط ينقل الصوت السعودي على طريقته.
«توب نيوز»