500 مليون دولار أميركي تشعل في «الائتلاف» حرب داعش والجرباء

كتب المحرر السياسي

تقدم الجيش السوري في الخط الحدودي مع لبنان لإمساك تام بالتلال التي تربط المدن والبلدات السورية في السلسلة الشرقية بنظيراتها اللبنانية، فبعد إقفال كلّ خطوط التسرّب نحو عرسال من يبرود ورنكوس وفليطا، أكمل الجيش السوري إقفال التلال الموصلة بين الزبداني ومعربون وعسال الورد وسرغايا، وصار تسرّب الانتحاريين أو القياديين أو عناصر الدعم اللوجستي والتنظيمي من سورية إلى لبنان أشدّ تعقيداً إلى حدّ الاستحالة.

لبنان المستنفر شعباً وحكماً وأجهزة وأحزاباً لمواجهة القلق من المزيد من التفجيرات والمخاطر يتراجع همّه الرئاسي داخلياً أمام مخاطر الهموم الأمنية، بينما تتضارب النصائح الغربية من التركيز على مواجهة المخاطر الأمنية وتثبيت الاستقرار على قاعدة أنّ الحلول لا تزال بعيدة وعلى اللبنانيين انتظارها لتنضج طبختهم الرئاسية، إلى ما يتفلّت من مواقف وتلميحات يلتقطها السياسيون ويحاولون قراءة ما وراءها من دعوة للمزيد من التحصين للأمن بالسياسة بتحمية النار تحت الطبخة الرئاسية، من دون وضوح وجود وجبة جاهزة للإعداد بعد.

وفي سورية كان الأميركي الذي صرّح رئيسه قبل يومين عن يأسه من الرهان على بناء معارضة مسلحة بعيداً عن القاعدة تمثل وزناً حقيقياً في الميدان العسكري، يعلن بلسان وزير خارجيته بعد المقابلة مع رئيس الائتلاف المعارض أحمد الجربا عن قرار من الكونغرس قيد الإنجاز بتأمين مبلغ خمسمئة مليون دولار كموازنة لدعم بناء قوة مسلحة للائتلاف، والقرار الأميركي الذي تزامن مع معلومات عن تفعيل ماكينات التدريب والتنظيم للمجموعات المسلحة للمعارضة، أشعل حرباً داخل المجموعات المسلحة والقيادات التي تتوزّع هذه المجموعات وتتولى التواصل بينها وبين قيادة الائتلاف، وبادر رئيس حكومة الائتلاف إلى إعلان حلّ المجالس العسكرية وإقالة رئيس أركانه، فاتحاً ملف فساد مالي بسرقة مبالغ طائلة، بينما اتهمته جماعة المجالس العسكرية بتهريب خمسين مليون يورو وردت من قطر وتأمينها لحساب داعش بدلاً من توزيعها على المجموعات المسلحة التابعة للائتلاف، فيما كان كيري يطلب موقفاً حاسماً من داعش يتبناه الائتلاف وقواه المسلحة، ليخرج الجربا من اجتماعه مع كيري ويعلن إلغاء قرار رئيس حكومته، وتندلع حرب بيانات بين الكلّ ضدّ الكلّ وتظهر الرهانات الأميركية الخائبة على مجموعة من اللصوص الذين يتصرّفون بعد الهزائم التي لحقت بهم، على قاعدة أنّ كلّ دفعة مالية تقع بين أيديهم قد تكون آخر الدفعات الواصلة، فيقتتلون على قسمتها بصفتها تعويض نهاية خدمة، يريدون تأمينه كموارد خاصة لهم كأفراد وجماعات من خلاله، بعيداً عن حسابات القتال التي يتوهّمها الأميركي في الفانتازيا التي تحدّث عنها أوباما.

سورية رصيد حساب تفتحه واشنطن لحلفائها لتوزّع أحمال الخسائر، من السعودية لقطر وتركيا، بينما تفتح بين جماعات المسلحين حرب داعش والجرباء، على المال الخليجي المعاد تدويره أميركياً، كما قال أحد المعارضين السوريين من داخل سورية، قائلاً لو بقيت واشنطن عند كلام أوباما لأقفلت الحساب على درجة من الاحترام على رغم كلّ التورّط في دماء السوريين.

حساب تعويض الخسائر والسعي لتحقيق الأرباح تفتحه واشنطن للحلفاء أنفسهم في العراق، عبر تقديم ما يسمح بتجميع أوراق تتيح التفاوض من موقع أفضل مع إيران، على الأحجام والأوزان الإقليمية، ففي العراق كما يبدو ستتقرّر هذه الأحجام، فالمعادلة هي أن يبقى خطر داعش ينمو، وأن يملك حلفاء واشنطن القدرة على امتلاك تأثير في بيئتها الحاضنة، يسمح لكل منهم أن يشكل ضرورة لا غنى عنها لوضع حدّ لتقدم داعش، تسلم به إيران وحلفائها العراقيين وتستعدّ لمفاوضات تضع فيها مقايضات عراقية وخليجية مقابل التعاون عراقياً، إنْ لم تسبقهم رياح التقسيم التي أطلقتها داعش في المنطقة للداخل التركي ببعد كردي وللداخل السعودي ببعد طائفي.

خلط الأوراق ورمادية المواقف لا يعكسان قدرة أصحابها بقدر ما يعبّر عن ارتباكهم، ما يدع للقوى الصغرى التي لا تقيم حساباً للمعادلات الكبرى، من نمط داعش أن تتصرف بهوامش حركة أوسع وأن تشكل خطراً أكبر، تكون عادة الساحات الأشدّ فرقعة إعلامياً وحساسية طائفياً هي المرشحة للمزيد من اجتذاب الأحداث، ما قرأه الكثير من المسؤولين اللبنانيين نداء للالتفات إلى الداخل الأمني بالمزيد من التحصين السياسي والعين المفتوحة.

الاستنفار الأمني مستمر لملاحقة الخلايا الإرهابية

أما داخلياً، ففي وقت يأخذ الوضع الأمني أولوية الاهتمامات السياسية بما يمكّن الأجهزة الأمنية من مواجهة موجة الإرهاب الجديدة التي جرى تحريكها من قبل جهات معروفة في الخليج وغيره، بقيت هذه الأجهزة في أعلى درجات الاستنفار على مستويات مختلفة لضبط أي تحركات أو محاولات من الخلايا الإرهابية لاستهداف الاستقرار الداخلي، والسعي لإشعال الفتنة خدمة لمشروع التفتيت الذي تعمل عليه «إسرائيل» بدعم وتشجيع من مواقع أساسية في الإدارة الأميركية وفي عواصم خليجية وغربية.

ووفق معلومات أمنية لـ«البناء» فإن الاستنفار الأمني شامل وأن التنسيق بين الأجهزة في أعلى درجاته، وأوضحت أن لدى الأجهزة الكثير من المعطيات وأن الأيام المقبلة قد تشهد المزيد من الإنجازات على صعيد تفكيك خلايا إرهابية جديدة، وأشارت المصادر إلى وجود تعاون استخباراتي مع أجهزة صديقة للبنان، وإن هذا التنسيق يساهم في كشف الحَراك الإرهابي للمجموعات المتطرفة.

كما أوضحت المصادر أن هناك رصداً لتحرك المجموعات المتطرفة في غير منطقة وبالأخص في منطقة عرسال، لا سيما في جرود المنطقة بعد دخول أعداد كبيرة من المسلحين من جرود القلمون إليها، وكذلك في بعض مناطق الشمال والتي كان آخرها تمكن الأجهزة من توقيف خلية إرهابية في القلمون وصولاً إلى مخيم عين الحلوة، مشيرة إلى أن الاتصالات نشطة مع الفصائل الفلسطينية لضبط الأمور في المخيم ومنع المتطرفين من تحويله مكاناً لانطلاق العمليات الإرهابية إلى خارجه، لفتت إلى أن الخطوات والإجراءات مستمرة لنشر القوة الفلسطينية المشتركة في المخيم لضبط الوضع هناك.

وفي هذا السياق، بادر كل من حزب الله وحركة أمل وجمعية المبرات إلى إلغاء عدد من الإفطارات التي كانت مقررة لمناسبة حلول شهر رمضان تحسباً لأي عمليات إرهابية.

ملاحقة مزوّد انتحاري الروشة بالمتفجرات

وكانت الأجهزة الأمنية واصلت أمس ملاحقة المجموعات الإرهابية المتطرفة، وأفيد أن قوى الجيش تبحث عن الإرهابي منذر الحسن الذي كان زوّد انتحاري فندق «دي روي» في الروشة بالأحزمة الناسفة والمتفجرات ويقوم بدور تنسيقي بين «داعش» وجماعة «عبدالله عزام». بعد أن شوهد في الساعات الماضية يغادر منطقة البداوي نحو جرود عكار.

كذلك أفادت قيادة الجيش أنه بنتيجة التحقيق مع الموقوف محمود خالد والذي اعترف بوجود كمية من القذائف والذخائر مطمورة في قطعة أرض عائدة له في بلدة فنيدق عكار عثر على كمية من المواد المتفجرة والحشوات والكرات المعدنية التي تستعمل في تجهيز الأحزمة الناسفة وقذائف هاون وقد تم تسليم المضبوطات إلى المراجع المختصة.

الاستحقاق الرئاسي

أما في الشأن السياسي، فبعد التوافق على آلية عمل الحكومة على قاعدة الحد الأدنى الممكن، لا مؤشرات في المدى المنظور على حصول حلحلة في ملف انتخابات رئاسة الجمهورية أو ملف سلسلة الرتب والرواتب الذي يبقى «ناراً تحت الرماد»، خصوصاً أن تصحيح الامتحانات الرسمية وإصدار نتائجها مرتبط بإقرارها.

حوارات داخلية من دون نتيجة

فيما تراجعت الاتصالات الداخلية بخصوص انتخابات رئاسة الجمهورية على رغم تأكيد مصادر مطلعة استمرار الحوار بطريقة أو بأخرى بين التيار الوطني الحر وتيار المستقبل وقالت إن هذا الحوار لم يفضّ إلى أي مقاربات حول الاستحقاق الرئاسي وإن كان استمراره مفيداً على مستوى تبريد الأجواء الداخلية وحلحلة بعض الملفات الداخلية.

الحَراك الديبلوماسي يقتصر على النصائح

وفي هذا السياق لاحظت مصادر ديبلوماسية أن الحَراك الديبلوماسي الخارجي الذي يحصل باتجاه الساحة اللبنانية سواء من بعض وزراء الخارجية في دول غربية والتي كان آخرها لقاء وزير الخارجية الأميركي جون كيري مع رئيس تيار المستقبل سعد الحريري أو تحرك سفراء هذه الدول في بيروت لا يطرح جديداً بما خص الانتخابات الرئاسية. وأضافت المصادر أن «هذا الحَراك الديبلوماسي لم يطرح أي مبادرة أو اقتراح، أو حتى أفكاراً تساهم في تقريب المواقف بين الأطراف اللبنانية، وكل ما يطرحونه هو كلام عام لا يتعدى إسداء النصائح بإجراء الانتخابات الرئاسية، وبالتالي لا يقدم ولا يؤخر في أزمة الانتخابات».

ولاحظت المصادر أن مسار الانتخابات الرئاسية دخل في تعقيدات جديدة بعد تمدد تنظيم «داعش» في بعض المحافظات العراقية وسيطرته عليها، على اعتبار أن هذا التمدد حصل بتحريض ودعم من دول معروفة خصوصاً السعودية، وهو ما يعني أن لا أفق لأي تسويات في المنطقة في وقت قريب وتحديداً بين السعودية وإيران، وأشارت إلى أن التقاطعات الإقليمية والدولية التي أفضت إلى تشكيل حكومة تمام سلام انتهت، ولذلك فالشغور الرئاسي مرشح لأن يستمر لفترة طويلة لا سيما أن لبنان لم يعد أولوية لدى هذه العواصم.

وعلم في هذا السياق أن اجتماع رئيس المجلس النيابي نبيه بري والسفير الأميركي في بيروت ديفيد هل أمس وقبل ذلك مع سفراء الدول الكبرى والدول الغربية الأخرى تناول الوضع الأمني في لبنان وملف الاستحقاق الرئاسي، وقالت مصادر مطلعة إن هؤلاء السفراء أبدوا قلقهم من تنامي الأعمال الإرهابية لكنهم عبروا عن التزام دولهم بتحييد لبنان عن أجواء المنطقة، وجددوا دعواتهم للمسؤولين للعمل من أجل المحافظة على الاستقرار من خلال الدعوة لإجراء الانتخابات الرئاسية وعدم تعطيل المؤسسات، ولأن الفراغ الرئاسي وتعطيل المؤسسات يساهم في زعزعة الساحة الداخلية، كما جدد هؤلاء السفراء إعلان دعم بلادهم للجيش والقوى الأمنية.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى