لم تكن ثورة … ولا هي أزمة … أنه العدوان الموصوف
د. فيصل المقداد
نائب وزير الخارجية السورية
تتعرّض سورية منذ أكثر من ثلاث سنوات لعدوان مباشر استهدف تدميرها وتغيير نظامها السياسي. وكان القائمون على هذا العدوان يخططون لإنهاء الوضع السوري لمصلحتهم من خلال استخدام القوة أو إجبار سورية على الاستسلام خلال بضعة أيام أو أسابيع على الأكثر. وعندما فشلوا في تحقيق ذلك أكدوا أن سيطرتهم على سورية ستتم خلال بضعة أشهر. إلا أن الأيام التي حددوها لإنهاء المهمة انقضت، وجاء بعدها أيام عدة أخرى وبعدها الأسابيع والأشهر وبقيت سورية تقاوم. وبعد ذلك مضى العام الأول والعام الثاني والعام الثالث وسورية صامدة لا تتراجع.
ومع تصاعد صمود سورية والتفاف شعبها حول جيشها وقائدها الرئيس بشار الأسد، جن جنون أصحاب المخطط العدواني على سورية. حاولوا في البداية تصوير ما وصفوه «الحراك الجماهيري» على أنه سلمي وأنه على «النظام» الاستجابة «لطلبات الشعب السوري».
وقد ذكر لنا العديد من أبناء الشعب السوري وفعالياته السياسية والاقتصادية والفنية والثقافية ورجال الأعمال داخل وخارج القطر كيف كان السفراء الغربيون في سورية ومنهم فورد الأميركي، وشوفالييه الفرنسي، وسيمونز البريطاني وآخرون من ألمانيا والدنمارك يتصلون بهم ويقولون لهم أن التحقوا بالركب فالنظام انتهى وما عليكم إلا إعلان الولاء والطاعة للنظام الجديد. ولنكن مباشرين مع شعبنا وقرائنا، فقد استجاب عدد من هؤلاء والتحقوا بالركب وصدقوا الأكاذيب وتصور العديد منهم أن أبواب جنات عدن قد تفتحت أمامهم وما عليهم إلا أن يملأوا جيوبهم من «بركات» هذه «الثورة». من هؤلاء من نصب نفسه أو نصبوه «هكذا ببساطة» وزيراً وآخرون مدراء ومسؤولين كباراً. ولاختصار هذه التفاصيل فإنني لن أتحدث حول ما حدث بعد ذلك، خصوصاً عندما تكشفت أبعاد المؤامرة، وبدأ العدوان.
إن استخدام كلمة عدوان لوصف ما يجري في سورية هي أدق تعبير لما يشهده هذا البلد من قتل ودمار وإنهاك وتدخل خارجي. وإذا كان مفهوم العدوان سابقاً هو قيام جيش غريب بإعلان حرب غير مبررة على بلد آخر واحتلاله وإخضاع شعبه وثرواته وسيادته لسلطة أجنبية، فإن مفهوم العدوان الآن لم يتغير بل أصبح أكثر تعقيداً إذ تستخدم فيه أشكال أكثر خطراً مثل العصابات الإرهابية المسلحة والإعلام والعقوبات الاقتصادية والبروباغندا والترتيبات الإقليمية والتسليح والتمويل وشراء الذمم ومعاهد البحوث.
لا أكتشف نظرية عسكرية جديدة إذا قلت بأن أساليب الحروب قد اختلفت من شكلها الكلاسيكي على غرار الحرب العالمية الثانية والحروب التي تلتها في فيتنام أو في أفريقيا وفي إطار الصراع العربي الإسرائيلي حرب حزيران عام 1967 وحرب تشرين التحريرية عام 1973. ولا ينحصر هذا التغيير في أشكال الحروب على ما خططت له الدوائر الصهيونية الأوروبية، بل شمل أيضاً منطقتنا العربية حيث استطاعت المقاومة اللبنانية البطلة كسر شوكة الجيش الإسرائيلي سواء عند تحريرها للجنوب اللبناني في عام 2000 أو عند تصديها للعدوان الإسرائيلي الوحشي في عام 2006. كما تابعنا أيضاً بإعجاب التحول الكبير الذي شهده الجيش العربي السوري في تحديد تكتيك عملياتي جديد لمواجهة أي عدوان صهيوني أو استعداداً لتحرير الأرض العربية المحتلة.
أما التغيير الغربي الأساسي في شنه للاعتداءات، فقد اعتمد منذ الأحداث المعروفة في أوروبا الشرقية في نهاية الثمانينات وبدء التسعينات من القرن الماضي على ربح معارك من خلال تبني أساليب جديدة بعيدة عن التدخل العسكري المباشر تقوم على حركات مناوئة لحكومات البلدان المستهدفة لإحداث التغيير المطلوب من خلال قلب الحكومات عبر رعاية وتمويل حركات شعبوية وأدلجتها مستغلة عوامل في أداء الحكومات في البلدان المستهدفة وتدريب هذه الحركات على اتباع تكتيكات لإحداث التغيير المطلوب. وقد أنشأت وكالات الاستخبارات الغربية معاهد ومؤسسات لتدريب الجهات المرتبطة بها سواء كانت عناصر منفلتة معادية لمجتمعاتها أو من خلال تنظيمات غير حكومية اتخذت تقليدياً من حقوق الإنسان عناوين لها لتخريب البنية الاجتماعية في البلدان المستهدفة وحقنها بمفاهيم جديدة تتناسب مع أهداف الدول الاستعمارية وللحفاظ على مصالحها على حساب شعوب الدول النامية. ومما لا شك فيه أن الدول الغربية قد استغلت المشاكل التي تواجهها الدول النامية في مجالات التنمية وبطالة الشباب والفقر والتخلف وتطلعات الشعوب إلى الاستفادة من مكاسب العولمة واستخدامات التكنولوجيا الجديدة وبخاصة في مجالات التقدم الهائل في حقل الاتصال.
ومن الأسلحة الخطيرة التي استخدمت من قبل الدول الغربية وحلفائها في أشكال عدوانها الجديدة هو مجال الإعلام. ولم نكن نتصور في المنطقة العربية أن تلجأ الدول الغربية التي سيطرت تاريخياً على الإعلام الدولي وبررت معظم ادعاءاتها ضد الدول النامية في مجال حقوق الإنسان وحقوق المرأة أو ما يسمى «الحقوق السياسية»، حيث لم تخجل في التحالف مع أكبر منتهكي حقوق الإنسان وحقوق المرأة… مع دول مثل السعودية التي تجاهر بعدائها لحقوق الإنسان وحقوق المرأة في إطار أيديولوجيتها الوهابية البغيضة. وليس ذلك فحسب، بل إن الدول الغربية تحالفت مع أنظمة هذه الدول وسخرت أجهزة الإعلام التي تمولها الأنظمة الخليجية، التي يغمى قادتها عندما يسمعون بكلمات حقوق الإنسان وحقوق المرأة، حيث أصبحت محطات تلفزة مثل الجزيرة والعربية وأخواتها أبواق للولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وتركيا وغيرها لتحقيق أهداف الغرب في الانقضاض على الحكومات التي لا تعجبها في المنطقة. وأنا هنا لا أريد تعميم تصور واحد حول كل ما جرى في الدول العربية والتطورات التي شهدتها. وعلى سبيل المثال، فإنني أحترم حق الشعب العربي المصري في الثورة ضد نظام كامب ديفيد الذي أذل الشعب المصري، وجعل بلداً عظيماً كمصر تابعاً لسياسات بلدان تطاولت على مصر إلا أننا كنا نعرف أن أميركا وإسرائيل أرادت تسليم السلطة هناك، من خلال الثورة، لعملائها التاريخيين من الإخوان المسلمين، وهذا ما حدث فعلاً، فجاءت ثورة يونيو لتقضي على حكم الإخوان ومن دعمهم.
إضافة إلى كل ذلك، لم يتردد أصحاب الحروب الجديدة «الثورات الربيع العربي» ومصمموها في استخدام السلاح لقتل المتظاهرين واتهام أجهزة الأمن وحفظ النظام والقوات المسلحة بذلك بهدف اتهام الأنظمة السياسية التي تريد تغييرها بذلك واستفزاز مشاعر المواطنين لزيادة حجم التظاهرات ولتوليد تدهور جديد لتصعيد الأوضاع لتسريع الانقلاب على الوضع القائم. وقد حدث ذلك في سورية وفي دول عربية أخرى، وشاهدنا الكثير ممن استخدموا السلاح ضد أهلهم في تظاهرات ادعى منظموها من عملاء الدوائر الغربية أنها كانت سلمية بل «سلمية جداً». وعندما تحيق المخاطر بالبلد المعني ويهدد هؤلاء وحدة أرضها وشعبها، ويحاول الجيش وقوات حفظ النظام والأمن حماية المنشآت العامة ومنع قتل الأبرياء، يصبح الجيش الوطني هدفاً ويتهمونه بممارسة المجازر والتدمير وتطالب الدول الغربية بمحاكمة قادته ومؤسسات البلاد المنتخبة.
وتسخّر الدوائر الغربية في عدوانها وحربها ذات الطابع الجديد على البلدان النامية المؤسسات الدولية كالأمم المتحدة وأجهزتها كمجلس الأمن والجمعية العامة ومجلس حقوق الإنسان لتمرير قرارات الإدانة والتهديد بالحرب أو القيام بالحرب كما حدث عندما قامت الدول الغربية من خلال حلف الناتو بالعدوان على ليبيا، وقتل عشرات الآلاف من أبنائه من دون رادع. كما عملت الدول الغربية على تمرير مفاهيم جديدة مثل «التدخل الإنساني» أثناء مناقشات ومفاوضات شاقة في الجبهة العامة للأمم المتحدة، إلا أن ذلك كان مثار جدل كبير بين الدول النامية والدول الغربية.
والمثير للسخرية هو ذلك الدور الوسخ الذي قامت به جامعة الدول العربية ضد ميثاقها خدمةً للدول الغربية في أشكال حروبها الجديدة من خلال قيامها بدعوة الناتو لاحتلال بلد عربي وتدميره وتحويله إلى مرتع للعصابات الإجرامية المتطرفة وإلى دولة فاشلة قد تحتاج إلى عشرات السنين لإعادة الأمن والاستقرار إليها، ناهيك عن تحقيق الهدف الأساسي للعدوان وهو نهب الثروات النفطية الهائلة لهذا البلد العربي. وعلى رغم الدعوات الروسية – الصينية لعقد اجتماع لمجلس الأمن لمناقشة ما حدث في ليبيا، إلا أن الدول المعتدية بما في ذلك أعضاء دائمون في مجلس الأمن لم توافق ولم تسمح بعقد مثل هذا الاجتماع، حتى الآن. أما في سورية التي صمدت حتى النهاية فقد قاموا بفرض جزاءات اقتصادية عليها من خارج ميثاق الأمم المتحدة لم تؤثر إلا على المواطنين العاديين من أبناء الشعب السوري بهدف إذلالهم ودفعهم إلى الاستسلام.
ولا يمكن أن ننسى ونحن نستعرض هذه الأشكال الجديدة من العدوان على أمتنا العربية مقولات استعمارية جديدة مثل «الشرق الأوسط الجديد» الذي روجت له إدارة جورج بوش الابن والمحافظون الجدد بالتعاون مع حكومة الإخوان المسلمين في تركيا برئاسة رجب طيب أردوغان. لقد اتضح أخيراً أن مثل هذه الأفكار، خصوصاً مقولة «الفوضى البناءة» كانت مصممة لهدف واحد هو خدمة إسرائيل.
نحن ما زلنا نعيش العدوان علينا ونتابع ما يقوله الغربيون لحرف الانتباه عن عدوانهم على سورية. فدعمهم للمجموعات الإرهابية أصبح دعماً «لجماعات مسلحة معتدلة»، وعندما فشلوا بشكل ذريع في إركاع سورية وتسويق هذه الأكاذيب ادعوا أن السبب في ذلك يعود إلى عدم قيام الولايات المتحدة بشن عمل عسكري على سورية. بل وزادوا على كل ذلك أن عدم استسلام «النظام السوري» لأغراضهم الدنيئة أدى إلى إطالة الحرب مما جعل من سورية بلداً «جاذباً للإرهاب» وأن داعش وعصابات القاعدة حققت نجاحاتها في العراق نظراً لتمدد الإرهاب من سورية إلى العراق. لكن الحقيقة المعروفة هي أن القاعدة التي برزت إلى الوجود في العراق أثر الاحتلال الأميركي له في عام 2003، قد أعادت ترتيبات إجرامها وتكتيكاتها وأصبح اسمها الدولة الإسلامية في العراق، وبعد ذلك أضافوا كلمة «الشام» إلى هذا الاسم. إن الغربيين وعملائهم في الداخل السوري وفي المنطقة لا يخجلون من ممارسة الكذب والتضليل لتبرير جرائمهم وذبحهم لشعوبنا وتهديدهم لوحدة أرضنا ونسيج شعبنا الاجتماعي.
لقد لاحظ القارئ المتابع أنني استعملت كلمة العدوان لوصف ما تعرضت له سورية، ولا أجد فرقاً بين عدوان خارجي، كذلك الذي شنه الناتو على ليبيا، أو العدوان الذي تقوم به أدوات استخدمتها الدول الغربية في عدوانها على سورية، سواء كان ذلك بأدوات محلية أو من خلال استنفار كل القتلة والمجرمين من كل أنحاء العالم وإرسالهم إلى سورية «للجهاد». المشكلة ليست فقط بالأشخاص الذين يتم استئجارهم لارتكاب العدوان، بل من خلال تزويد هذه الدول لهؤلاء «الجهاديين» بالسلاح والمال والتدريب والإيواء والدعاية، وهو ما تقوم به حكومات السعودية وتركيا والولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وغيرهم بشكل معلن. وفي الوقت الذي تنادى فيه وزراء داخلية وأمن بعض الدول إلى عقد اجتماعات في بروكسيل وفي المنطقة لمناقشة مخاطر عودة هؤلاء المسلحين والجهاديين الذين قاموا «بمهمة مقدسة» في سورية، فإنهم اعتبروا عودتهم إلى بلدانهم أمراً في غاية الخطورة تجب مكافحته. وهنا أود أن أؤكد أن هؤلاء القتلة من الدول الغربية والذين وصلوا إلى سورية ودول أخرى في المنطقة إنما جاؤوا بحماية ومساعدة من تركيا وكل أجهزة استخبارات الدول الغربية التي تعرف هؤلاء بالاسم، وأن كل ما نسمعه عن عداء من قبل هذه الدول لهؤلاء القتلة هي محاولات لإخفاء ضوء الشمس. والحقيقة هي أنهم أرادوهم قتلى في سورية، لكنهم لا يرغبون برؤيتهم في شوارع وحارات وساحات أوروبا والولايات المتحدة والسعودية وتركيا وباريس ولندن… هذا عدوان على سورية تنطبق عليه كل المعايير والتعاريف الدولية. فقد عرفت الجمعية العامة للأمم المتحدة في قرارها رقم 3314 د 29 تاريخ 14/12/1974 العدوان كما يلي:
«تنطبق صفة العمل العدواني على أي من الأعمال التالية، سواء بإعلان حرب أو من دونه، وذلك من دون إخلال بأحكام المادة 2 وطبقاً لها:
أ إرسال عصابات أو جماعات مسلحة أو قوات غير نظامية أو مرتزقة من قبل دولة ما أو باسمها تقوم ضد دولة أخرى بأعمال القوة المسلحة تكون من الخطورة بحيث تعادل الأعمال المعددة أعلاه، أو اشتراك الدولة بدور ملموس في ذلك».
هل احترمت بريطانيا والسعودية وفرنسا والولايات المتحدة وتركيا هذه المبادئ المعتمدة دولياً عندما أعلنت أنها تدعم المجموعات المسلحة بالمال والأسلحة الفتاكة وغير الفتاكة؟ هل احترمت الكثير من الدول المسماة «أصدقاء سورية» القيم الدولية الأخلاقية عندما دفعت بالقتلة لسفك دماء السوريين وادعائهم الطهارة الحقوقية واحترام الشرعية الدولية؟ لن أقوم بالتعليق على سلوك بعض تلك الدول التي يدفع أصحاب المال الخليجي لمسؤوليها تذاكر حضور مؤتمرات ما يسمى «أصدقاء سورية» والذين يقومون بالموافقة على قرارات معدة مسبقاً لم يكلف الأميركيون والفرنسيون والبريطانيون أنفسهم عناء اطلاع ممثلي الكثير من الدول حول مضمون هذه القرارات التي يرميها المشاركون في أول سلة مهملات يصادفونها.
إن العدوان الأعمى على سورية هو عدوان على ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي والقانون الإنساني الدولي. فلقد جاء في قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 36/103 تاريخ 9/12/1981 المتضمن: «إعلان جواز عدم التدخل بجميع أنواعه في الشؤون الداخلية للدول» ما يلي:
1 – لا يحق لأي دولة أو مجموعة من الدول أن تتدخل، بصورة مباشرة أو غير مباشرة، لأي سبب كان، في الشؤون الداخلية والخارجية للدول الأخرى.
2- يشمل مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية والخارجية للدول الحقوق والوجبات التالية:
– أولاً،
أ سيادة جميع الدول، واستقلالها السياسي، وسلامتها الإقليمية، ووحدتها الوطنية، وأمنها، فضلاً عن الهوية الوطنية، والتراث الثقافي لسكانها.
ب حق الدولة السيادي غير القابل للتصرف في تقرير نظامها السياسي والاقتصادي والثقافي والاجتماعي بحرية.
– ثانياً،
أ واجب الدولة في الامتناع في علاقاتها الدولية عن التهديد باستعمال القوة أو استعمالها بأي شكل من الأشكال، أو انتهاك الحدود القائمة المعترف بها دولياً لدولة أخرى أو زعزعة النظام السياسي او الاجتماعي أو الاقتصادي لدول أخرى، أو الإطاحة بالنظام السياسي لدولة أخرى أو حكومتها أو تغييرها، أو إحداث توتر بين الدول بصورة ثنائية او جماعية …
و واجب الدولة بالامتناع عن القيام، بصورة مباشرة أو غير مباشرة، بتعزيز أو تشجيع أو دعم أنشطة التمرد أو الانفصال داخل دول أخرى، بأية حجة كانت، أو اتخاذ أي تدابير تستهدف تمزيق وحدة دول أخرى، وتقويض أو تخريب نظامها السياسي.
د واجب الدولة في الامتناع عن استغلال وتشويه قضايا حقوق الإنسان، كوسيلة للتدخل في الشؤون الداخلية للدول…
عـ – واجب الدولة في الامتناع عن تنظيم الجماعات السياسية والعرقية في أقاليمها أو أقاليم أخرى، وتدريب هذه الجماعات وتمويلها وتسليحها لفرض إشاعة التخريب أو الفوضى أو القلاقل في بلدان أخرى.
أمّا الكلمات والتعابير التي استخدمها الغربيون واستخدمناها حتّى الآن في وصف ما جرى في سورية مثل «الأزمة» أو «المشكلة» أو «الأحداث» أو «الحرب الأهلية» أو «الأوضاع والتطورات» وأخرى كثيرة فهي لا تعكس حقيقة ما يجري إطلاقاً. إنّ الوصف الدقيق لما جرى ويجري هو أنّ ما تتعرّض له سورية هو عدوان يحمل في كل تفاصيله صفة العدوان الخارجي خصوصاً أنّ شعب سورية تجاوز المفاهيم الخاطئة عندما خرج بعد ثلاث سنوات من بدء هذا العدوان للمشاركة في الانتخابات الرئاسية بتاريخ 28/5/2014 وبعشرات الآلاف في سفارات سورية في آسيا وأفريقيا وأوروبا وأميركا اللاتينية وبتاريخ 3/6/2014 في كل أنحاء سورية كي يؤكّد وقوفه مع قيادته ومع وحدة أرض وشعب سورية ورفضه للإرهاب ودعمه لجيشه البطل. إذا لم يكن ما تتعرّض له سورية عدواناً فماذا يكون إذاً؟
لقد وجّهتْ سورية ما يزيد على ثلاثمئة رسالة إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة وإلى الأمين العام للمنظمة الدولية شرحتْ فيها جميعاً أنّ ما تتعرّض له سورية هو عدوان وإرهاب ومخالفة صارخة لكل قرارات مجلس الأمن والجمعية العامّة التي أوردنا إشارات قليلة جدّاً حولها في هذا المقال. إلاَّ أنّ رد الدول الغربية التي ساهمتْ في صياغة الميثاق وقرارات مجلس الأمن والجمعية العامّة كان دائماً تجاهل هذه الوثائق الدولية التوافقية واحتقارها ورفض الأخذ بها. وكان ذلك التجاهل والإصرار على تنفيذ السياسات العدوانية وابتلاع الميثاق وقرارات الشرعية الدولية هو سبب قيام الاتحاد الروسي والصين الشعبية باستخدام الفيتو أربع مرّاتْ لمنع العدوان والعبث الغربي بالشرعية الدولية وحفاظاً على الأمن والسلم الدوليين ومنع تحول العالم إلى مزرعة لمصالح الغرب وبعض قادته المرضى وعملائهم المتخلفين والذين لا دراية لهم أصلاً بالقانون الدولي، والقانون الإنساني الدولي!
قد يتساءل البعض عن سبب اضطراري لكتابة هذه السطور؟ وجوابي لهم هو أنه لا يمكن السكوت عندما يرى المرء مؤسسات العمل الدولي وهي تخضع لتدمير منهجي على يد من يدّعي أنّه صاحب هذه المؤسسات! كما أنّه من المعيب تجاهل الدور الداعم للعنف والإرهاب والقتل والعدوان الذي قامتْ به الكثير من أجهزة الإعلام الغربية وتابعيها من ببغازات في دول كثيرة. وأنا أحمّل هذه الأجهزة جريمة تعبئة الإرهابيين ضد سورية لكثرة ما حقنت الشباب في أوروبا الغربية بأفكار أهمية الانتصار لأخوتهم «المجاهدين» في سورية وتركيزهم الموجّه من قادة أوروبا ومؤسساتها الاستعمارية على رواية واحدة تمّ من خلالها شيطنة ما تقوم به سورية قيادةً وشعباً وجيشاً لمواجهة الإرهاب والقتلة. وبعد كل ذلك يتساءلون: لماذا يأتي كل هؤلاء الآلاف من الأوروبيين «للجهاد» في سورية والآن في العراق؟
إن وعي شعبنا السوري والعربي في كل مكان لأهداف هذا العدوان على بلد عربي أساسي في مواجهة سياسات إسرائيل وداعميها قد بدأ يعطي أكله. فالقلب يرتجف والعين تدمع فرحاً عندما نجد الآلاف من الفلسطينيين الذين أدماهم الاحتلال يخرجون للتضامن مع سورية، أو عندما يتحدى آلاف التونسيين التضليل الذي مارسه عليهم «قادة الثورة» إزاء العدوان على سورية، والمصريون الذين ما زالوا يؤمنون بوحدة الصف السوري المصري، والأهم عندما يخرج أحد عشر مليون سوري ليشاركوا في انتخاب رئيسهم وسط قذائف الهاون الإجرامية والتهديد بالقتل في دمشق ودرعا ودير الزور واللاذقية وباقي أنحاء سورية، لأن كل ذلك يزيد من حتمية إيماننا بالانتصار والغد المشرق لشعبنا وأمتنا.
لم تكن ثورة… ولا هي أزمة… أنه العدوان الموصوف.