تركيا والجيب التركماني في سورية
عامر نعيم الياس
دعت الحكومة التركية مجلس الأمن إلى بحث الوضع حول بلدات التركمان، على خلفية الغارات الروسية على المناطق الحدودية السورية التركية. تمهيد استباقي لما جرى من حادثة إسقاط الطائرة الروسية الحربية فوق أراضي السورية في عدوان تركي مكشوف.
ودعا رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو الأحد 22 تشرين الثاني إلى عقد اجتماع أمني لبحث تقدّم القوات السورية إلى مناطق التركمان شمال البلاد، خصوصاً في مرتفع جب الأحمر الذي يقترب الجيش العربي السوري والقوات الرديفة من السيطرة عليه، وهو يعدّ النقطة الأكثر ارتفاعاً في المنطقة المطلّة على جبل التركمان الذي خرج عن سيطرة الدولة السورية منذ عام 2012. كما يأتي الصراخ التركي على خلفية نجاح الجيش السوري وقوات الدفاع الوطني في فرض طوق ثانٍ على مدينة «سلمى» التي تعدّ القاعدة الأساس للنفوذ التركي في الريف الشمالي لمحافظة اللاذقية، ومركز الدعم اللوجستي للمخرّبين في جبلَي التركمان والأكراد اللذين تخاض المعارك لتحريرهما من قبضة تركيا.
الهجوم السوري جاء في وقتٍ عادت أنقرة إلى نغمة الحديث عن «منطقة آمنة» في سورية وفق ما صرّح به لوسائل الإعلام مصدر أمنيّ تركيّ لم يكشف عن هويته. وذلك مع طرد «داعش» من قريتَي «دلحة» و«حرجلة» اللتين يقطنهما التركمان السوريون في شمال حلب، عبر هجوم كلِّ من ميليشيا «لواء السلطان مراد» وميليشيا «الجبهة الشامية» المدعوم بغطاء جوّي تركي ـ أميركي مباشر يتألف من ست مقاتلات تركية وخمس أميركية، إلى جانب ثلاث طائرات استطلاع أميركية.
بين «جرابلس» و«أعزاز» في شمال حلب، يقع الثقل التركي المرجوّ. وبين هاتين المدينتين يتمّ، كما بات معروفاً، تحقيق أهداف عدّة، أوّلها منع الأكراد من تأسيس إقليمهم المزعوم في سورية والوصول إلى غرب نهر الفرات وتحديداً إلى «عفرين». والثاني ضمان قاعدة تركية في قلب سورية بإشراف أميركي لا العكس، شأنها شأن مناطق النفوذ الكردية في سورية. وربما هذه هي ضريبة انخراط أردوغان في الحرب ضدّ «داعش»، ووجود وزير الخارجية جون كيري في أنقرة للإشراف على عملية ضبط الحدود السورية ـ التركية، وهي التي تحمل في بعضٍ منها اتهاماً ضمنياً لأنقرة بمسؤوليتها المباشرة عن دعم تنظيم «داعش» الإرهابي في سورية.
من الواضح أن أنقرة لا تريد أن تكون الخاسر الأكبر من التطورات الأخيرة على الساحة الدولية. بدايةً بالانخراط الروسي المباشر في سورية، مروراً بتقدم الجيش السوري على الأرض وحتى الأكراد، وليس انتهاءً بهجمات باريس الأخيرة التي لجمت الموقف الفرنسي المتطرّف من سورية وغيّرت الأولويات الفرنسية وضمناً الدولية لمصلحة مواجهة تنظيم «داعش »في سورية، مع الاعتراف الدولي الواسع بإطار فيينا الذي وجّه هو الآخر ضربةً قويةً لأحلام أردوغان في سورية. على رغم كلّ ما سبق، فإن التغاضي عن تصرفات أردوغان ورئيس وزرائه قد تؤدّي إلى تأسيس منطقة آمنة في سورية بحكم الأمر الواقع وتحوّلها إلى قاعدة تركية غير مباشرة في شمال البلاد، تكتسب خطورتها من الرعاية الإقليمية لأقلية قومية في سورية، يراد رسم خطوط حمراء لتواجدها داخل الأراضي السورية، وجعل قضيتها قضية أممية، شأنها شأن القضية الكردية التي غدت تشابه المحرقة في كثير من أوجهها، وهو ما يتم عن عمد وعن سابق إصرار.
إن المعادلة التركية في سورية، والتي تحظى بموافقة أميركية، تقوم على أساس تأسيس قوة تركمانية لها نطاقها الجغرافي الصافي في سورية بموازاة القوة الكردية التي تفرض نفسها يوماً بعد يوم. لكن الخطورة هنا تخرج من إطار النطاق الجغرافي المحدود إلى الحديث عن تعداد التركمان في سورية ومرجعيتهم الإقليمية، فضلاً عن خطر هذا التوجّه على الأمن القومي لروسيا التي تخوض معركتها في سورية على قاعدة حماية أمنها القومي أولاً، والدفاع عنه في وجه المتطرّفين الإسلاميين من أصول تركية وقوقازية. فهل يكون الصدام ومعركة كسر العظم في شمال حلب وشمال اللاذقية؟
كاتب ومترجم سوري