إعلام الخيانة اللبناني… اخرَسْ
هاني الحلبي
ليست المرة الأولى التي يتمّ فيها ضبط قناة الـMTV وشريكاتها بجريمة تدمير المعنويات الوطنية التي تقع تحت موجبات القانون، في ما لو كانت لدينا دولة أو شبه دولة، في ما لو تحرّر وجدان قضاء فتيّ من طغمة سياسية.
ومنذ أيام في تقريرها المرئي المسروق من وكالات دعائية أميركية عن «نساء انتحاريات» تطاولت قناة «مر تي في» على فاتحة عصر الاستشهاديات في العالم الشهيدة سناء محيدلي في نموذج لانفصام شخصية الإعلام في لبنان.
عادت «حليمة لعادتها القديمة»، قناة «مر تي في» تذكّرنا بمنطق محطة سعد حداد «اقتداء» أبوياً بمنطق القناة العاشرة للجيش «الإسرائيلي» أو إذاعة «إسرائيل» عن أخبار «المخرّبين»، كما تسمّيهم.
تماماً المنطق نفسه تكرّر مع بداية العمليات الاستشهادية أوائل الثمانينيات حيث تنافست ميليشيات الأمر الواقع الطائفية المتحاربة على لبنان منذذاك وما زالت على تخلفها الوطني وسقوطها الأخلاقي الذي توّجته بتدمير الصحة العامة بنفاياتها ونهب المال العام وتأبيد الطائفية والحَجْر الفئوي ضدّ أيّ نهضة وطنية اجتماعية مدنية، لذلك تمّ حصار وإبطال أيّ قانون حديث للأحوال الشخصية واكتساب الجنسية والزواج المدني، أقله الاختياري، في إطار تحرير الأجيال من أنابيب الطائفية التي تسوقهم إلى مذابحها لأجل أنسال المشايخ والأمراء وأولاد الباشوات والأفندية والمقدّمين وووو..
وفي تحليل لغوي أولي نقرأ في «لسان العرب» تحت الجذر الثلاثي «نحر» أن النَّحرَ هو الصدر، ونحرُ الصدر هو أعلاه. وهو موضع بين عظمَي الترقوتين في أعلى جذع الجسد. ويومُ النحر هو يوم الأضحى. وفي «الصحاح في اللغة» تحت الجذر الثلاثي «نحر» «يُقال: انتحر الرجل، أي نَحَرَ نفسه». وللدقة فأية إصابة ليست في النحر لا تكون انتحاراً. لكن انزياح المصطلح واقعاً واصطلاحاً او مجازاً عمّم قتل الذات بيد القتيل نفسه على أنه انتحار. ودانت الانتحارَ وقتل الذات، أيّ قتل الذات لغاية فردية عابرة، كافة قيمُ المجتمع بالتجربة التاريخية، أكان مصدرها العرف ام الدين ام القانون، لأنه تعجُّلٌ في آن ما على تصرّف أحمق يمكن استبداله بتصرّف أرقى وأفضل لسير الحياة وأقلّ ضرراً بحقها، مثلاً ابتكرت الشرائع الدّيّة بدلاً من الثأر بقتل القاتل، كي لا يخسر المجتمع نفسين بشريتين في جريمة واحدة. وعادة يتمّ الانتحار في لحظة يأس او غضب أو هزيمة أو فشل أو تحت تأثير جرعة مخدّر أو ألم عميق.
لكن قرار الشهيدة سناء محيدلي بالاستشهاد لأجل وطنها ودفاعاً عنه، لا يكون انتحاراً قط. ومثلها شهداء المقاومة في لبنان وفلسطين ضدّ الاحتلال الإسرائيلي، أو في العراق ضدّ الاحتلال الأميركي، كما أقدم الطيار السوري جول جمال فوق قناة السويس مجسّداً شراكة تاريخية بين مصر وسورية، منقضّاً بطائرته على مدمّرة أجنبية ليفجّرها كانت تقصف الجيش المصري والمدنيين المصريين… هو قرار استشهاد واعٍ، قرار يتخذه شهداء العقيدة الهادية بالبشرى وشهداء القيم النبيلة السامية وشهداء الوطن المدافعون عنه وهؤلاء ليسوا انتحاريين قط، لأنّ قرار الاستشهاد قرار واعٍ وقاصد وفاهم كلّ تبعات تصرّف ما يقومون به، كواجب حرّ وطني قومي، وليس قرار ضعف أو هزيمة أو يتخذه الشهيد جبراً وليس تحت تأثير جرعة مخدّر، كما تفعل «داعش» و«النصرة» وغيرهما من مسوخ أمراء الكبتاغون وملوكه تستدرج الذكور بنساء النكاح والشباب بأوهام الجنة وحورياتها ووجبة دسمة مع نبي لتزجّهم في جحيم قتل الآمنين وذبح المخطوفين وسبي أهلهم أو بني دينهم بدعوى إسقاط رئيس شرعي من غير وجه حق ومن غير صفة لهذا الادّعاء.
قرار الاستشهاد القومي، في لبنان وسورية وفلسطين والعراق، مثله قرار طياري الكاميكاز اليابانيين، الذين كانوا يستقلون طائرة محشوّة بالمتفجرات أو صاروخاً فيه مقعد لطيار واحد لفّ رأسه بعلم اليابان «الشمس المشرقة» ليقوده، في طيران طويل المدى فوق البحر والانقضاض بالطائرة او بالصاروخ فوق قطع الأسطول الأميركي الغازي، بحيث لم يبق أمام أميركا بفعل الروح القومية اليابانية حينذاك لتدفع اليابان للاستسلام سوى قصف قنبلتين ذريتين كلفت اليابان حوالى مئة وسبعيين الف شهيد ومئات آلاف الجرحى والمواليد المشوّهين حتى الآن.
أليس ما يفعله إعلام الخيانة اللبناني والعربي، ضدّ الاستشهاديين ومحاولة خنق صوت قناة «الميادين» نموذجاً، هو لتشريع الخيانة وحماية نماذجها السوداء في لبنان وسورية وفلسطين والعراق، ممن يستدرجون الغزو، ممن يفاوضون الاحتلال، ممن يمهدون للعدوان؟
وفي القانون، بماذا يتذرّع إعلام الخيانة إذ يطالع قانون العقوبات اللبناني مرسوم اشتراعي 340 صادر في 1 آذار 1943 النبذة 5 بعنوان «في النيل من هيبة الدولة ومن الشعور القومي»، نصّت المادة 295 على «مَن قام في لبنان في زمن الحرب أو عند توقع نشوبها بدعاية ترمي إلى إضعاف الشعور القومي أو إلى إيقاظ النعرات العنصرية أو المذهبية عوقب بالاعتقال المؤقت». وفي المادة التي تليها 296 لحماية نفسية الأمة من بث الأخبار الكاذبة والمبالغ فيها فيعاقب ناشرها او ناقلها، إن اعتقدها صحيحة، بحبس ثلاثة أشهر.
إذا كان ما يتهدّد الشعور القومي بالإضعاف وما يصيب نفسية الأمة وثقتها بنفسها يقع تحت طائلة قانون العقوبات، فيما لو كانت لدينا دولة حقيقية وقضاء صحيح ووجدان قومي عام، قومي لبناني على الأقلّ، وليس بالضرورة قومي سوري او عربي، ليس فقط بتهديد دسيسة أو خبر كاذب او مبالغ فيه او بتزوير عملة تضعف الثقة في السلطة العامة، فكيف في مَن لم يسمِّ سعد حداد خائناً ولا أنطوان لحد خائناً ومن حمل السلاح مع جيش العدو ولم يتُبْ عن فعلته عوقب بالإعدام، حسب قانون العقوبات نفسه، المادة 273 من نبذة الخيانة دسّ الدسائس لدى العدو، حمل السلاح على لبنان، تجنُّد بأي صفة كانت في جيش العدو، … حالة الخائنين المقبورين حداد ولحد . والمادة 274 كلّ لبناني اتصل بدولة العدو لمباشرة العدوان على لبنان… حالة بشير الجميّل، بلقائه بيغن وشارون قبل غزو 1982 وقيادة ما كان يُسمّى الجبهة اللبنانية حينذاك، لضمان فرضه بـ«انتخاب» إكراهي رئيساً للمزرعة اللبنانية . والمادة 275 كلّ لبناني اتصل بالعدو ليعاونه على فوز قواته… حالة العملاء الذين يتنافس كبار المحامين للترافع عنهم واستدرار حنو قضاة أرقّ من قلب الأم لتخفيف أحكامهم بأشهر أو أقلّ منها .. بل أيّ عميل لـ«إسرائيل» تم إعدامه حتى الآن؟
ألستم أنتم وأمثالكم مَن طالبتم بحق العميل لحد بدفن جثمانه في لبنان، بعد أن زبلته «إسرائيل» نكرة عنها؟
ولن نطالب المجلس الوطني للإعلام المرئي والمسموع، بأن يفعل واجبه، فالحصيف يعرف واجبه بلا تنبيه، ورغم أننا نحترم رئاسته وإدارته فقد خضع للمقاييس الفاسدة نفسها في تشكيل هيئة الإعلام الألكتروني منذ أشهر! فلمن نقرع المزامير!
لن نطالب الفاجرين في السياسة والإعلام في لبنان أن يستحوا… لأنّ من لا يعرف معنى الشرف فلن يعرف معنى العار!!
ناشر موقع حرمون
www.haramoon.org gmail.com