جابر: الحظر الجوي وتكثيف العمليات ونشر «أس 400»
حاورته روزانا رمّال
أكد رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات والعلاقات العامة العميد هشام جابر «أنّ أميركا انزعجت من الدخول الروسي إلى سورية، فأرادت أن ترسم خطوطاً حمراء لروسيا في سورية بنيران تركية فوقعت تركيا في الفخ»، مشككاً بالرواية التركية حول إسقاط الطائرة الروسية، «لصعوبة التقيد بالحدود الجوية، ولأنّ الطائرة الروسية أُسقطت فوق الأراضي السورية وليس فوق الأراضي التركية».
وفي حوار مشترك بين صحيفة «البناء» وقناة «توب نيوز»، استبعد جابر فرضية شنّ روسيا حملة عسكرية على تركيا، متوقعاً «تشديد موسكو العمليات العسكرية في الشمال السوري، وفرض حظر جوي على سورية وإسقاط أي طائرة مقاتلة تدخل الأجواء السورية ونشر صواريخ أس 400 التي تتمتع بمواصفات متطورة جداً وتشكل خطراً كبيراً على تركيا، فضلاً عن دعم روسيا لأكراد سورية على طول الشريط الكردي».
وأشار جابر إلى أنّ «كل هذه الإجراءات الروسية خلقت واقعاً جديداً في سورية مهيئاً للتصعيد في أية لحظة». وإذ لم يستبعد تكرار تركيا خطأ إسقاط الطائرة الروسية، استبعد جابر «أن يدفع ذلك روسيا إلى الدخول عسكرياً إلى تركيا، إلا إذا دخلت تركيا عسكرياً إلى سورية برياً أو جوياً»، جازماً بأنّ فرض روسيا حظراً جوياً على كلّ سورية «أسقط خيار إقامة تركيا المنطقة العازلة».
وفي ما يلي نصّ الحوار كاملاً:
ما هي قراءتك لحادثة إسقاط تركيا الطائرة العسكرية الروسية؟
– حادث إسقاط الطائرة الروسية خطير جداً، ولا شك أنّ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي فاز في الانتخابات مؤخراً بنسبة أكثر من الانتخابات الماضية بقليل، بدعم أميركي، يرى أنّ عليه فواتير يجب أن يسدِّدها للولايات المتحدة الأميركية بعد فترة التوتر بين تركيا وأميركا في الفترة الماضية، وثانياً لأنّ أردوغان انزعج جداً من التطورات في المنطقة، ولا سيما العسكرية والتدخل العسكري الروسي في سورية الذي قضى نهائياً على فكرة إقامة منطقة عازلة وحظر جوي كان ينادي بها منذ سنوات، ولكن بعد الدخول الروسي إلى سورية وضع هذا الخيار على الرفّ، فتحجج أردوغان بأنّ التركمان السوريين هم مواطنون أو رعايا أتراك، ولا مشكلة لدى سورية وروسيا مع هؤلاء المواطنين إن كانوا مسالمين، لكن هناك مجموعات مسلحة بينهم ومرتبطة بمجموعات مسلحة أخرى تسمى «معارضة» في منطقة حساسة جداً. هؤلاء يقاتلون الجيش السوري في اللاذقية وشمال اللاذقية التي تعتبر بالنسبة إلى روسيا منطقة حيوية جداً، أولاً لأنّ روسيا موجودة عسكرياً في الساحل السوري، في جبلة وحميميم واللاذقية وفي طرطوس وتعرف روسيا أنّ هناك مجموعات إسلامية مسلحة متشدّدة فوق كسب في أنطاليا ـ لواء الاسكندرون جاءت من جمهوريات سوفياتية وتحديداً من الشيشان لتقاتل الجيش السوري، لذلك فإنّ هذه المنطقة وشمال اللاذقية تشكلان أولوية روسية مطلقة وتركيا يجب أن تعرف أنّ وجود المسلحين التركمان في هذه المنطقة وهم يقاتلون روسيا والجيش السوري يجعلهم هدفاً لروسيا. لذلك ارتكب أردوغان هذا الخطأ الفظيع المقامرة، لأنّ تركيا دولة كبيرة في المنطقة ويجب أن تعرف أنها أخطأت في حساباتها في التورط في سورية بعد التغرير بها من قبل الولايات المتحدة وسبّبت هذا الضرر الكبير بالمصالح التركية في المنطقة والعلاقة التاريخية مع سورية ودول الجوار، وبهذا الخطأ أغلق أردوغان الخط السوري الوحيد إلى الشرق، أملاً بفتح أبواب أوروبا لكنها لم ولن تفتح له.
تقولون إنّ تركيا أخطأت ولكنها تعرف أنّ لهذه الحادثة تداعيات خطيرة، ماذا تريد من خلالها؟ هل الهدف هو كبح جماح الاندفاعة التركية أم تصعيد المواقف أكثر وأخذ المنطقة إلى التصعيد؟
– أميركا أرادت أن ترسم خطوطاً حمراء لروسيا في سورية بنيران تركية ووقعت تركيا في الفخ، لأنها منزعجة من الدخول الروسي إلى سورية، التحالف الدولي كان مهزلة وكان يهدف إلى احتواء تنظيم «داعش» وليس القضاء عليه وقد تمدّد التنظيم الإرهابي إلى الرمادي وتدمر ومناطق عدة في ظلّ التحالف الدولي. أميركا أعطت تركيا ضوءاً أصفر للعمل ضدّ روسيا وترجمته تركيا باللون الأخضر. وبالنسبة إلى الرواية التركية عن إسقاط الطائرة الروسية، فهي غير صحيحة، أولاً لأنّ الحدود البرية مرسمة وظاهرة، لكن لا يمكن التقيد بالأمتار المعدودة في الأجواء، وثانياً، لأنّ الطائرة أُسقطت فوق الأراضي السورية وليس فوق الأراضي التركية وبصاروخ من طائرة تركية.
هل ستردّ روسيا في شمال سورية وفي قلب حلب أم على طاولة المفاوضات، ما هي السيناريوهات في رأيك؟
– الرئيس الروسي فلاديمير بوتين صاحب قرار وسيردّ حكماً وعظمة روسيا أنها تملك العنفوان والعظمة، والشعب الروسي يؤيد بوتين لأنه يعمل لاستعادة القومية الروسية. أما إذا أقمنا مقارنة في الميزان العسكري بين قوة روسيا العسكرية وحلفائها وقوة الولايات المتحدة وحلفائها، نجد أنّ الولايات المتحدة وحلفاءها أقوى بكثير، لكنّ روسيا لديها الهيبة التي فقدتها أميركا. بوتين يأخذ قراره وينجح فيه دائماً، وما يثبت ذلك عندما أشعل الغرب الوضع في جورجيا ضدّ روسيا دخل الجيش الروسي إليها وأعادها إلى بيت الطاعة، وتكرَّر ذلك في أوكرانيا عندما دخل وأعاد شبه جزيرة القرم، سيفاستوبول .
أما الردّ على طاولة المفاوضات فهو يكون في اللحظة الأخيرة، أي بقدر ما تملك الأطراف من أوراق تلعبها على طاولة المفاوضات، والأوراق تأتي من الميدان. الردّ الروسي سيكون سياسياً واقتصادياً وديبلوماسياً وعسكرياً. الردّ السياسي حصل من خلال مواقف بوتين الحادة، أما الردّ الاقتصادي فقد بدأ من خلال الطلب من 9 ملايين سائح روسي عدم التوجه إلى تركيا ومن خلال تجميد اتفاقات اقتصادية بين الدولتين. هناك تعامل تجاري تعادل قيمته 30 مليار دولار ومرشح أن يرتفع في العام 2023 إلى 100 مليار دولار، لذلك فمن تداعيات الحادثة أن يهتزّ الاقتصاد التركي، فضلاً عن اتفاقية الغاز، حيث تستورد تركيا الغاز الطبيعي من روسيا. قمة طهران والاجتماع التاريخي الذي حصل بين إيران وروسيا يدلّ على شراكة استراتيجية، ما يعني أنّ تركيا لن تخسر روسيا فحسب، بل ربما تخسر إيران، وأردوغان ذهب إلى إيران عشية حرب اليمن وتلقى تنبيهاً من الإيرانيين بضرورة وقف تورطه في سورية وحصل اتفاق بـ 30 مليار دولار بين الدولتين. وبالنسبة إلى الردّ العسكري، فالرئيس بوتين أعقل من أن يشنّ حملة عسكرية على تركيا ويقصف أراضي أو مطارات تركية، لأنّ لديه خيارات أهم ولا سيما في الشمال السوري. روسيا أنذرت الجانب التركي بأنّ أي طائرة تركية تدخل الأجواء السورية ستتعرض للإسقاط وأمس أدخلت روسيا طراداً إلى البحر مجهزاً بصواريخ أرض ـ جو ونشرت صواريخ أس 400، وهي أحدث من «أس 300» وزودت بها إيران. الفارق التقني بين الصاروخين هائل: الأول كناية عن صاروخ أرض ـ جو الأقوى تطوراً في العالم وأهدافه ليست فقط الطائرات بل الصواريخ المجنحة ويطال أي هدف جوي من مئة متر إلى 35 ألف متر ويصيب هدفه بنسبة مئة في المئة ويكشف عشرات الأهداف الجوية في وقت واحد ويصيب 70 هدفاً جوياً في الوقت نفسه، ووجوده في سورية خطير جداً ووصل الطراد الذي يحمل هذه الصواريخ الأرض ـ جو، وأساساً روسيا زرعت في سورية صواريخ أرض ـ جو لكن لم تستعملها بسبب التنسيق بينها وبين التحالف الدولي. الآن أقامت روسيا منطقة حظر جوي فوق سورية برمتها وأبلغت الجميع بأنّ أي طائرة ستدخل سورية يجب أن تأخذ الإذن من روسيا وإذا دخلت بلا إذن ستعتبرها خطراً على المصالح والأمن الروسي وبالتالي ستكون مُعرَّضة للإسقاط.
رأى خبراء عسكريون أنّ روسيا أخطأت بعدم إرسال طائرات مرافقة جوية لحماية الطائرة التي أسقطت، ما رأيك؟
– طائرة «سوخوي» هي طائرة قاذفة وليست مقاتلة وهناك فرق بين الاثنتين. عادة كلّ طائرة «سوخوي» تحلق معها طائرتا «ميغ» لحمايتها وتحمل صواريخ جو ـ جو، لكن في هذا الحادثة لم تتوقع روسيا أن تتعرض للغدر من تركيا، لأنها لا تعتبرها مصدر خطر وحتى الطائرات «الإسرائيلية» ممنوع أن تحلق فوق روسيا بلا إذن منها. التعاون مع روسيا أو سورية عسكرياً هو خيار لكنّ التنسيق معهما ضرورة، وحتى التحالف الدولي منذ بدء عمله في سورية والعراق كان ينسق مع النظام السوري بشكلٍ غير مباشر، إما مع روسيا حينها أم مع غرفة عمليات بغداد، وهذا ما يُفسر عدم حصول حوداث جوية. القيادة الروسية أعطت الأوامر لتحليق الطائرة الروسية في الأجواء السورية وهي مطمئنة بأن لا أحد سيتعرض لها من الجو. كانت تتوقع أن تتعرض لصواريخ أرض ـ جو من الجماعات الإرهابية، لكنها لم تتوقع ذلك بصاروخ جوـ جو من الجانب التركي. كلّ هذه الإجراءات الروسية خلقت واقعاً جديداً في سورية مهيئاً للتصعيد في أي لحظة. يمكن أن ترتكب تركيا خطأً جديداً وتسقط طائرة روسية جديدة لكنّ ذلك لن يدفع روسيا إلى الدخول عسكرياً إلى تركيا، أما إذا حلقت طائرات تركية في الأجواء السورية من دون إذن من روسيا فإنّ الأخيرة ستسقطها فوراً وقد أبلغت الجميع بذلك.
وماذا عن المنطقة العازلة؟ هل تتخلى عنها تركيا؟
– إقامة هذه المنطقة هي إحدى النقاط الخلافية بين تركيا وأميركا، لذلك لم تعط تركيا الإذن للتحالف الدولي باستعمال قاعدة «إنجرليك» الجوية، روسيا فرضت حظراً جوياً على كلّ سورية، لذلك لا يمكن إنشاء هذه المنطقة العازلة، فكلّ الأطراف لا يريدون إشعال حرب عالمية ثالثة.
هل كان هدف تركيا من خلال هذه الحادثة جرّ روسيا إلى طاولة المفاوضات وليس التصعيد؟
– إذا لم تدخل تركيا إلى الأراضي السورية لن تذهب روسيا إلى حرب معها. تستطيع روسيا أن تشدِّد القصف والعمليات العسكرية في شمال اللاذقية وفي جبل التركمان وتستطيع أن تساعد أكراد سورية الذين ينتشرون والجيش السوري على طول حدود الشريط الكردي «350 كلم» الذي يمتد من القامشلي إلى كوباني حيث فقدت تركيا السيطرة عليه، لذلك يمكن أن تؤدي هذه الحادثة إلى دخول مفاوضات ثنائية أو موسَّعة وتحقيق السلام في هذه المنطقة الحدودية وحكومة أنقرة اجتمعت وتجري مشاورات مع أميركا لتهدئة الوضع على الحدود.
كيف يمكن تصنيف الجماعات المسلحة المتواجدة على الأراضي السورية وهذه نقطة خلافية رئيسية بين الدول المتفاوضة حول الملف السوري؟
-لا يوجد تعريف موحَّد ومعتمد عالمياً للإرهاب، فاللائحة الأميركية تتغير بحسب مصالحها. يجب أن تشرف الأمم المتحدة على عملية تصنيف دقيقة لهذه التنظيمات بعد دراسة تاريخها وأهدافها ضمن ثلاث قوائم: الأولى إرهابية والثانية غير إرهابية والثالثة تتضمن بعض المسلحين الذين هم ضدّ النظام لكنّهم لم يرتكبوا جرائم وأعمالاً إرهابية ويمكن إعادة تنظيمهم وتأهيلهم وانضمامهم إلى الجيش السوري لقتال الإرهابيين.
كيف تنظر إلى مشاركة حزب الله في الحرب في سورية وهو قد ساهم في إنقاذ الطيار الروسي؟ وإلى أي مدى ساهم هذا العمل الإنساني في إسقاط تهم الإرهاب عنه؟
– حزب الله ليس في حاجة إلى براءة ذمة من أحد، هذا سلوك يومي للحزب أمام العالم، فليقولوا لنا متى ارتكبت المقاومة أعمالاً إرهابية، كتفجير سيارات وإعدام مدنيين وحتى خلال الاحتلال «الإسرائيلي». حزب الله يدافع عن كلّ لبنان، لكنّ المستغرب والمستنكر أنّ العالم اليوم كله يحارب الإرهاب بعد أن بات خطراً عليه، في وقت يجتمع الكونغرس الأميركي ليفرض عقوبات على حزب الله الذي يقاتل هذا الإرهاب.