تداعيات حادثة إسقاط الطائرة على العلاقات التركية ـ الروسية؟

نشرت «ستراتفور» تقريراً جاء فيه: قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إن إسقاط المقاتلة الروسية «سوخوي 24» بوساطة طائرات «أف 16» التركية الثلاثاء الماضي، كان «طعنة في الظهر نفّذها المتواطئون مع الإرهابيين». وقال «بوتين»، في إشارة مبطنة أخرى إلى تركيا، أن «داعش محميّ بجيش يمثّل دولة بكاملها». كما أعرب عن قلقه وعدم تصديقه أن تركيا لم تحاول الاتصال بروسيا في أعقاب الحادث، وبدلاً من ذلك فقد سارعت إلى عقد اجتماع لحلف شمال الأطلسي، في حين أن روسيا كانت دائماً تعامل تركيا ليس فقط كجارة قريبة، إنما باعتبارها دولة صديقة.

يدرك كل من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والرئيس الروسي فلاديمير بوتين جيداً أن المنافسة بين بلديهما تتزايد على جبهات متعدّدة. وحتى يوم الثلاثاء، كان الطرفان حريصين بشدّة على تجنّب أن تؤدّي هذه المنافسة إلى مواجهة مباشرة. هناك عدد من العوامل التي تدفع موسكو وأنقرة نحو محاولة التخفيف من تلك الموجة الأخيرة من العداء، ولكن لن يكون بمقدور أي من الزعيمين تجنب الواقع غير المريح بأن المواقع الجيوسياسية على الأرض تواصل جذب المتنافسين القديمين بعيداً عن بعضهما.

لا يمكن لتركيا وروسيا أن يعضّ كلّ منهما أصابع الآخر. تركيا هي حارس البوابة إلى البحر المتوسط عبر البحر الأسود من خلال سيطرتها على مضيقَي البوسفور والدردنيل. وهذا يعني أنه إذا أرادت روسيا إنزال سفن الحاويات النفطية والبضائع والسفن الحربية غرباً فإنها حتماً ستمرّ عبر تركيا. إذا أراد الناتو أن يهدّد العمق الروسي من البحر الأسود فإن تركيا عليها أن تعطي الضوء الأخضر. وهذه نقطة لم تغب عن روسيا بوتين.

تبدو القوتان الأوراسيتان محملتان بماضٍ امبراطوري. لدى كل منهما مجالات متداخلة للتأثير في كل من البلقان والقوقاز وآسيا الوسطى والشرق الأوسط. جلبت هذه الديناميات الامبراطوريتان إلى الحرب عدّة مرات على مدى ما يقارب خمسة قرون. ليس من المستغرب إذا أن تركيا لم تكن مرتاحة عندما غزت روسيا جورجيا عام 2008، وشبه جزيرة القرم عام 2014 لتعزيز مكانتها في الفضاء السوفياتي السابق. على رغم أن تركيا رأت حتمية إبقاء الطموحات الروسية قيد المراقبة والاختبار، فإنها تفضل السماح للولايات المتحدة وبولندا ورومانيا وغيرها لتأخذ زمام المبادرة. بعد كل شيء، فإن روسيا توفر حوالى 55 في المئة من احتياجات الغاز الطبيعي في تركيا، وقد ظلت أنقرة دوماً غير راغبة في تعطيل العلاقات التجارية التركية ـ الروسية الأوسع، ما يمكن أن يزيد من الضغوط على الاقتصاد التركي.

ولكن روسيا تقترب بشدّة من المساس بمناطق الراحة التركية في الآونة الأخيرة. في القوقاز، هناك عوامل عدّة تتحدى الوضع القائم في إقليم ناغورنو كاراباخ في أذربيجان وهي منطقة نزاع يمكن أن تجر في نهاية المطاف التدخل التركي والروسي. في الشرق الأوسط، والتدخل العسكري الروسي في سورية إلى جانب حكومة الأسد، يتحدى مباشرة طموحات تركيا في إعادة القوى السنّية إلى السلطة في سورية عبر الإطاحة بحكم الرئيس السوري بشار الأسد. إسقاط تركيا طائرة مقاتلة روسية يبيّن أن أنقرة الآن مستعدّة للاستجابة إلى إحباطها تجاه روسيا مع تحمّل العواقب.

التداعيات الأكثر إلحاحاً للأمر سيتم الشعور بها في سورية. وقد تعثرت الخطوات الأولية نحو التوصل إلى اتفاق لتقاسم السلطة فعلياً في الوقت الراهن. أشرطة الفيديو التي تظهر المتمرّدين التركمان وهم يطلقون النار على الطيارين الروس إضافة إلى مهاجمتهم بعثة البحث والإنقاذ طائرة هيلوكوبتر روسية تم إرسالها للبحث عن حطام الطائرة المقاتلة وتم إسقاطها بوساطة المقاتلين التركمان قبل ساعات ستعزّز فقط مطالبات روسيا أن المتمرّدين الذين تدعمهم كل من تركيا والولايات المتحدة ليس في الإمكان الوثوق بهم، وبالتالي لا يستحقون مكاناً على طاولة المفاوضات. كانت هناك شكوك كبيرة بالفعل حول إذا ما كان بالإمكان إشراك المتمرّدين في التفاوض مع الحكومة السورية في هذه المرحلة من الحرب على أيّ حال.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى