صباحات

ثمّة صباحات مشرقة وصباحات يغشوها الضباب. وفي الغالب يكون الضوء والعتم من داخلنا فرحاً أو قلقاً لأمرٍ حدث، أو ترقّباً لأمرٍ سيحدث. فكيف إن كان لما حدث وما سيحدث، فيصير الضوء أو العتم مضاعفاً. فتّشوا عمّا يضيء داخلكم ولا تخفوه عن ابتساماتكم. فذلك هو صباحكم الحقيقي.

عندما تدعو صحيفة «برافدا» الروسية قطر وتركيا والسعودية إلى تذكّر اجتياح برلين لمعرفة ما يحدث عندما تتّخذ روسيا قراراً بالحرب، ويذكّر المقال قطر كيف طلبت روسيا من حكومتها تسليم قائد المتمرّدين الشيشان، ولما رفض طلبها كانت النتيجة أنه وُجِد مقتولاً. وتستطرد الصحيفة في الشرح لتقول في ختامه: يجب أن يعلموا أن الذعر قليل أمام ما ينتظرهم ما لم يفهموا. عندئذٍ، يحتاج وليد جنبلاط إلى من يعيد الصحف الروسية إلى ملخصاته الصباحية قبل أن يتسرّع.

قالوا: عيد ميلاد فيروز وعيد الاستقلال معاً. فقلت: إذا كان بين ميلادي 24/11/1958 والاستقلال الورقيّ 22/11/1943 خمس عشرة سنة، لقلت زوّر الاستقلال ميلاده بسبع وخمسين هي عمري كلّه، لأنه مولود عام 2000، يوم التحرير. أما إذا كان بين ميلادي وميلاد فيروز يومان، لفرحت أن يصير ميلادي اليوم وأصير أكبر.

أشرقت والله أشرقت، الشمس وحدها أشرقت، تقول الشمس إنها أشرقت في بلادها فاستيقظوا يا نيام. تقولها الأمّ لأولادها ويقولها الناس قبل إلقاء السلام. كلهم يقولون أشرقت. وأشرقت واحدة. وأشرقت صامدة. وأشرقت ساجدة. وأشرقت ابنة 16 ربيعاً لم تصر بعد والدة. أشرقت شمسنا وغسلت عاراً سمّوه ربيعاً، وصحّحت ما شوّهته «القاعدة» و«داعش». أشرقت شمسنا ونابلس مَشرِق بلادنا، فأشرقت أمسنا تلاقي اليوم عمادنا. والله أشرقت يا طه وقد صرت أباً للشموس، وأنت سمّيت طه لتكون والداً للعروس، وتكون أستاذاً يعطي المثال والدروس. بيت المقاومين عرين، بيت المقاومين فلسطين، دار تبسط كبيت طه فَرِح بالعرس والقلب حزين. عامر بالحبّ يا رفيق الدرب، ما نسيت الشام ولا ساومت على الإسلام، صباحك حرب وحربك أشرقت، عليك السلام يا شيخاً كبر للجهاد وكبر بالعباد وصلّى الصبح جماعة، وكانت أشرقت قمة الوداعة، ولمّا زمجرت للصبح بالتكبير، عرفت معنى حق تقرير المصير، فقرّرت مصيرها وقرّرت مصير فلسطين، ومضت تطعن بسكينها ا تأبه لسنينها، المهم أنها لبّت استغاثة فلسطينها. هكذا علّم طه والكتاب، هكذا فعل الشباب، شهيدة هي شمسنا لكنها أشرقت. أسد نابلس وأسد فلسطين، بورك العلم فيك وبوركت بالشهادة، ما نسيت وما تاهت حروف الأبجدية بين يديك بنون والقلم، على رغم الحزن والألم. بقيت تقول أسد الشام رصيدنا في العرين، السلام لسورية تعني في قاموس القضية سلاماً لفلسطين.

«أشرقت طه القطناني» ابنة 16 سنة، ارتقت شهيدة بدهسها من قبل زعيم مافيا المستوطنين الصهاينة، وإطلاق النار عليها من حاجز حوارة بعد خروجها لطعن الجنود من منزلها في نابلس. والدها الشيخ طه القطناني مناضل ومجاهد فلسطيني عريق وعتيق، وعضو مؤسّس في اللجنة الشعبية للدفاع عن سورية.

نداء إلى حوامل سورية كلّهن، لمّا تلدن هذه السنة، فليكن اسم البنات «أشرقت» تيمّناً بـ«أشرقت طه القطناني»، التي استشهدت بعدما طعنت جنود الاحتلال. وتحية لوالدها الشيخ طه الذي لم يتوقف عن حمل علم سورية متضامناً وداعماً مصحّحاً فهم الإسلام المشوّه، متمسكاً بأن فلسطين لا ناصر لها بين العرب إلا الأسد والمقاومة. تردّ سورية التحية وتقول أشرقت شمس النصر من نابلس، وتبقى الهوية والقضية فلسطين.

أحببت عيد ميلادي لأنكم جزء منه. نحبّ الصباح لشمس دافئة هي أنتم. وقبس نور يدخل القلب فينير العتمة، وهو بعض من قبس نور قلوبكم وعيونكم أحيا به وأعتاش عليه. لا أبغي غيره زاداً لما تبقى من الحياة، وزيتاً لقنديل يتقدّم الصفوف ما استطاع لا يأبه لمخاطر. همّه واسمه أنه الناصر. تبقون أنتم الحرف والصرف والرفع والضمّ والكسر وهمزة الوصل وفاصلة الفصل، والنقطة على السطر. أما الخط الأحمر فكرامتنا وعزّتنا، يرمز إليهما اثنان: أسد وسيد، وبوصلتنا باليقين تبقى فلسطين، والروح والقلب المجروح والفؤاد وحبّ البلاد. فأنتم ورمزها العماد والشهداء والوفاء والنقاء والصفاء، الحبّ لكم والسلام لكم والقلب لكم والعيد كل عيد بكم، يصير عيداً. فيكون بالأصل لكم ومنكم تصل البشارة يا أهل البشارة والنضارة والعبارة. يا أطهر من ولد وأتقى من سجد وأشرف من وجد. لكم قلبي قنديلاً فضعوا زيت حبّكم وأنيروه.

يسكنون صباحي، والليل لبعضهم إناء. فهم ورود الدار وهم زوّار المساء. أحبّتي لو تعب الوقت منهم ما تعبت منهم الأسماء. فهم قبلة الرضا التي أسعى إليها وهم شعبي وناسي وهم الرجاء. في كلّ فرح وحزن وفي كلّ عيد وكل إحياء. أراهم دفق قوارير طيب، وأشم رائحة العطر ويغمرني الدفء من وافر العطاء. كنهر وشلال حبّ وقارورة من زيت الياسمين المصفّى خبّأها الدهر لي من أيامي البيضاء. لسواد إن أتى سيبقون فيه لا تحدّ عزيمتهم حدود ولا ينقصهم وفاء. هم فَرَس الرهان التي لا تخسر، وهم حصان الحرب الذي أبصر، وهم سيفي وترسي وهم الريشة والحبر والدواة، والكلمات والقلم والدفتر. في لحظة الشوق ولحظة الوجد ولحظة الفرق ولحظة الوعد والعهد هم «أل» تعريفي ورفع حاجبي وبصمة السبابة وانحناءة الخنصر. لهم حبّي وقلبي وقد غمرني فيض حبّهم وما خبّأوا من كلمات وصفات ومصادفات ومفاجآت، حتى أحببت أن أكبر. فصرت بهم أكبر. وصار قلبي قنديلهم وحبّهم زيته الأخضر. فلكلّكم ولكلّ منكم من حنايا الحشا قصفة حبق وشتلة صعتر.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى