يا لَخيبة أملهم!

يُحكى أن عاملَين فى شركة بناء أرسلتهما الشركة من أجل إصلاح سطح إحدى البنايات. وعندما وصل العاملان إلى المصعد، شاهدا لافتة كُتِب عليها «المصعد معطّل». فتوقّفا للحظات يفكران في ما يفعلانه. لكنهما حسما أمرهما سريعاً بالصعود على الدرج، على رغم أنّ العمارة مؤلّفة من أربعين طبقة، كما أنهما سيحملان المعدّات لهذا الارتفاع الشاهق ولكنها الحماسة… فليكن.

بعد جهد مضن، وعرق غزير، وجلسات استراحة كبيرة، وصلا إلى غايتهما. هنا، التفت أحدهما إلى الآخر وقال: «لديّ خبران أودّ الإفصاح لك بهما. أحدهما سارّ والآخر غير سارّ». فقال الثاني: «أعطني السارّ»، فقال له الأول: «أبشِر، لقد وصلنا إلى سطح البناية أخيراً».

قال الثاني بعدما تنهد بارتياح: «رائع لقد نجحنا، إذاً، ما الخبر السيئ؟»،

فقال له الأول مغتاظاً: «هذه ليست البناية المقصودة!!».

بالنسبة إلينا، لدينا خبر جيد لأصحاب «الفورة» والحرب على سورية، وخبر سيئ ماحق. فأما الخبر الجيد، أنهم قد نجحوا في حشد عشرات الآلاف من الهَمجيين والقَتلة والمرتزقة، ونجحوا في إيصالهم إلينا من كل أصقاع الدنيا ومن كل فجّ عميق، وهم يحملون عتادهم وأسلحتهم القاتلة، وحقدهم المكبوت لقرون طويلة. أما الخبر السيئ، فأنهم قد أخطأوا في الوجهة وفي الأرض، وأخطأوا في الشعب المُستهدف!!

كنت أقرأ كتاباً يُدعى «ولادة العرب الأفغان» لأحد الذين لبّوا النداء لـ«الجهاد في أفغانستان» لإنقاذها من «الإلحاد»، وأوضح كاتبه أنه كان في العشرينات بلا عمل في الجزائر، حين قرأ عن دعوات الجهاد. وانطلق مباشرة يجتاز المسافات الشاسعة مع اعترافه بأنه لا يعرف شيئاً عن البلد المقصود، ولا عن شعبه. ولقد اقتنع مباشرة أنّ الجهاد واجب، حين علم أنّ الأفغان يرزحون تحت الاحتلال الروسي «المُلحد»، وأنه لا بدّ من عودتهم إلى الإسلام. وأصبح هناك أميراً بعدما كان نكرة لا يأبه له أحد، وشارك «بكل فخر» في تدمير ذلك البلد الجميل وفي إعادته إلى حظيرة المتخلّفين، ليكون في برّ الأمان من «الإلحاد والمُلحدين».

هذا نموذج يُمثّل بشكل كبير الشريحة الكبرى لمن سارعوا إلى تلبية نداء «الجهاد» إلى سورية للهدف نفسه، وبالعقلية نفسها، والحجّة السابقة نفسها. ولكن مع دعم أكبر بالسلاح والإعلام، إضافة إلى كَرم مشايخ الفتنة في توزيع المكافآت وصكوك الغفران وجوازات السفر لجنّة تملؤها الحوريات البكر. و لن ننكر أن تجارة الدين من أنجح التجارات وأكثرها ربحاً عبر العصور، وقد امتلك التجار الخبرة في غسيل الأدمغة وملئها بالهراء المعتاد، واحترفوا استغلال الأزمات كي يصلوا إلى الربح بأيّ طريقة ممكنة. ولا يهمّهم في طريقهم إلى غاياتهم الوسخة مثلهم، أيّ بلد يدمّرون أو الخراب الذي ينشرون، ويعتاشون على الجهل الذي يعشّش في النفوس، وهو ما يجعل مهمتهم أكثر سهولة.

ما يهمّ حقيقةً، أنّ سورية أرض طاهرة لا تقبل التدنيس ولا النجاسة. وشعبها يرفض العبودية ولا يقبل بند «الاخونجية» الأهمّ وهو «السمع والطاعة». فلقد خُلقنا أحراراً وسنموت أحراراً ونحن ندافع عن حقنا في بيئة خالية من التطرّف والتخلّف. ولن يكون لهم موطئ قدم بيننا، والغد لناظره قريب، وسيعرف المرتزقة الآتون لقتلنا أنهم جاؤوا إلى حتفهم بكلّ تأكيد.

صباح وطن يستحق الوفاء. صباح جيش يستحق الثقة. صباح شهداء يستحقون الخلود.

وفاء حسن

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى