بوتين وأردوغان وفرص الاجتماع في باريس تتوقّف على تموضع تركي تسليم جثة الطيار وصفقة العسكريين المخطوفين تزامن التسهيل والتعقيد

كتب المحرر السياسي

ثلاثة أشياء لم تتزامن مصادفة، وإنْ حدث ذلك بترابطها صار حكمياً، ما سُمّي بنهاية التفاوض التركي مع الجماعات المسلحة التي كانت تضع يدها على جثة الطيار الروسي الذي أُسقطت طائرته قبل خمسة أيام وبقيت الجثة موضع أخذ وردّ روسي – تركي في مناخ التوتر والتصعيد، لتعلن أنقرة التوصل إلى تفاهم بقيت شروطه مبهمة مع حديث عن مطالبات بالإفراج عن معتقلين لدى الدولة السورية تشبه مطالبة «جبهة النصرة» التي أبدت استعدادها وفقاً لتوقيت مبهم من الموفد القطري لنضوج شروط إتمام صفقة التبادل بإطلاق العسكريين المخطوفين مقابل موقوفين في لبنان وسورية، والمبهمان يتلاقيان بصورة مبهمة عشية انعقاد قمة باريس حول المناخ التي سيحضرها رؤساء وقادة دول كثيرة في طليعتها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس التركي رجب أردوغان، الذي طلب رسمياً لقاء الرئيس الروسي على هامش القمة، وحمل الرئيس الفرنسي تمنياً باسمه وباسم الرئيس الأميركي باراك أوباما إلى الرئيس بوتين لقبول التلاقي وإنهاء التوتر على هامش قمة باريس.

موسكو التي تلقت الإشارات المتزامنة، وما حملته من سلبيات وإيجابيات، سواء لجهة المتاجرة بالجثث والرهائن في لعبة الحبال السياسية، أو لجهة الشعور التركي بالعجز عن مواصلة التصعيد والعودة للبحث عن المخارج، علّقت مصادر إعلامية فيها، على فرضية حدوث اللقاء بعدم تأكيده أو نفيه تاركة ذلك لمسار الرسائل التي يحملها الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند بعدما يجتمع بالرئيس التركي وينقل إليه رؤية الرئيس بوتين، القائمة على رفض تصوير الأمر حادثاً ينتهي بتطبيع العلاقات، بل اعتباره تتويجاً لسلسلة من الخروق التركية لقواعد والتزامات ينبغي احترامها في إطار مواجهة يخوضها العالم ضدّ الإرهاب، وتقوم تركيا منفردة عن هذا المناخ الدولي بخوض معارك هذا الإرهاب، لتخفيف الضغط عنه وتبنّي شعاراته مرة، ومشاركته حروبه ميدانياً مرة أخرى، والسعي لتبييضه وإدماجه بالعملية السياسية أو تحييده من الاستهداف، وما الاعتداء الذي تعرّضت له الطائرة الروسية والحديث عن مجال جوي وسواها إلا تبرير لهذا الموقع الخاطئ الذي تصطفّ عليه تركيا في هذه الحرب، وبعد الذي جرى لم يعد ممكناً تطبيع العلاقات إلا بتفاهم عميق على انتقال تركيا من ضفة المعرقل للحرب على الإرهاب إلى ضفة الشريك الجدّي والصادق فيها، ولهذا ترجمات تبدأ من وقف المناورات الخاصة بتصنيف التنظيمات الإرهابية، ووقف التدخلات الهادفة للتحكم بمسار ومستقبل العملية السياسية في سورية بما يشكل تعدياً على شؤون السوريين ووصاية على مستقبلهم لحساب مصالح تركية استعمارية غير مقبولة وغير مسموح التغاضي عنها. ومن دون تغيير هذه السياسة التركية لا ترى موسكو مبرّراً للقاء وفقاً للمصادر الإعلامية نفسها. فالمواجهة تدور على الأرض السورية بين مشروع تلتقي عليه أغلب دول العالم عنوانه تفاهمات فيينا، ومشروع داعم للإرهاب تمويلاً وسياسة وسلاحاً وإعلاماً، وروسيا ستتابع دورها في هذه الحرب، وفي الضغط حتى يستقيم الأداء التركي مع موجباتها.

وتوقفت مصادر متابعة في هذا السياق من التمهيد التركي بمسارَي التبادل بين العسكريين المخطوفين وموقوفي «النصرة» في لبنان وسورية، وتسليم جثة الطيار الروسي، أمام التعقيد الذي أوقف الإفراج عن العسكريين المخطوفين بما تفترضه إضافة مطالب جديدة لا علاقة لها بالتبادل، تمهيداً لإضافة أسماء جديدة لموقوفين في سورية كثمن للإفراج عن جثة الطيار الروسي تظنّ القيادة التركية أنه يمكن تمريرها.

لبنان المتوتر سياسياً وشعبياً، وهو يتابع تفاصيل وتعقيدات العملية، ويجدّد ثقته بالمدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم، كمشرف على هذا الملف، بقي يعيش تردّدات لقاء باريس الذي جمع الرئيس سعد الحريري والنائب سليمان فرنجية وصلتها بملفَي الرئاسة وقانون الانتخابات، وكان الأبرز على هذا الصعيد السجال الذي شكل النائب وليد جنبلاط ورئيس حزب القوات سمير جعجع طرفاه، والكلام الذي قاله أمين عام تيار المستقبل أحمد الحريري مذكراً الحلفاء بمرجعية «الشيخ سعد»، بينما كان الهدوء يعمّ جبهة حزب الله المستهدَف والمعني الرئيسي بمشروع باريس من وجهة نظر تيار المستقبل.

«النصرة» تفرض شروطاً جديدة

عاد الغموض ليخيّم على قضية العسكريين المختطفين لدى جبهة النصرة، بعد جرعات التفاؤل الزائدة التي تلقاها ذوو العسكريين يوم الجمعة الفائت بقرب إطلاق أبنائهم، لكن سرعان ما تراجع منسوب التفاؤل مع طرح جبهة النصرة شروطاً جديدة أضافتها إلى الشروط التي تم التوافق عليها سابقاً أبرزها طرح الجبهة أسماء سجناء جدد تحتاج إلى عفو عام أو خاص، إيصال سيارات الإغاثة إلى مناطق تابعة لنفوذ النصرة، ومعالجة ملف الشيخ مصطفى الحجيري القضائي وإسقاط الحكم عنه غير القابل للتحقق لكونه يتعلق بمسار قضائي في الدولة. وقال مدير عام الأمن العام اللواء عباس إبراهيم لدى مغادرته بارك أوتيل في شتورا الذي وصله صباحاً لمتابعة إتمام صفقة تبادل العسكريين بالموقوفين في سجن رومية أن صفقة التبادل مع جبهة النصرة لإطلاق العسكريين المخطوفين «لم تفشل والتفاوض مستمرّ».

ولفتت مصادر مطلعة على الملف لـ«البناء» إلى «أن عملية التبادل كانت شبه منتهية وكانت محصورة بالعسكريين 16 المختطفين لدى جبهة النصرة مقابل إطلاق سراح 16 موقوفاً من السجون اللبنانية لم تصدر بحقهم أحكام قضائية بينهم سجى الدليمي، بالإضافة إلى تزويد عائلات المسلحين والمسلحين بمواد غذائية متنوعة وإجلاء عدد من الجرحى إلى تركيا. ولفتت المصادر إلى «أن اللواء إبراهيم تولى التفاوض عن الحكومة اللبنانية، والمندوب القطري عن جبهة النصرة، وتمّ الاتفاق على أنه عندما تنهي الحكومة اللبنانية المطلوب منها تجري عملية التبادل، غير أن جبهة النصرة عدلت في مطالبها وتحدثت عن مطالب وشروط جديدة تستوجب من الدولة اللبنانية قراراً سياسياً وتتعدّى قدراتها وصلاحياتها». وأشارت المصادر إلى أن المندوب القطري سيتابع المفاوضات مع جبهة النصرة، وكذلك سيفعل اللواء إبراهيم مع الحكومة لمعرفة ما تستطيع أن تقدمه ضمن الممكن»، مشدّدة على أن عملية التبادل لم تفشل إنما علّقت أو تأجّلت لتذليل العقبات». وأشارت المصادر إلى «أن اللواء إبراهيم ما كان ليتحدّث عن مفاجآت بعد عودته من قطر التي زارها الأسبوع الفائت لولا الأجواء الإيجابية التي لمسها والوعد القطري الذي استحصل عليه لتسهيل مهمة التبادل».

الدور التركي المُحرج

وفي سياق متصل، تساءلت مصادر مراقبة «هل الطلب المستجدّ لجبهة النصرة مرتبط بالدور التركي المحرج بعد إسقاط الطائرة الروسية والذي لا يهمه تسهيل أي عملية سياسية كانت أو أمنية؟». وفي ضوء المستجدات التي ترافق الجهود المبذولة للإفراج عن العسكريين قرّر رئيس مجلس الوزراء تمام سلام إلغاء زيارته اليوم الاثنين إلى باريس للمشاركة في قمة المناخ العالمية، وذلك لمتابعة تطورات الملف حتى إيصاله إلى نهايته السعيدة.

التسوية الرئاسية تجمّدت

سياسياً، تجمّدت التسوية الرئاسية التي طرحت في لقاء الرئيس سعد الحريري ورئيس تيار المردة سليمان فرنجية لإعادة تقييم الوضع، بخاصة مع اتجاه القيادة السعودية إلى إصدار بيان بعدم تبنّي ترشيح أي قيادي لبناني لمنصب رئاسة الجمهورية، خاصةً بعدما أثير عن الدور الذي لعبته السعودية في ترشيح فرنجية، وإبلاغ رئيس اللقاء الديمقراطي النائب وليد جنبلاط كتلته أن التسوية المتعلقة برئاسة الجمهورية قد تجمّدت، معلناً تمسكه بالنائب هنري الحلو مرشحاً رئاسياً. وفيما تستمر الاتصالات الدائرة خلف الكواليس لا يبدو إعلان الرئيس الحريري ترشيحه فرنجية رسمياً قريباً، برغم الاتصال الذي أجراه رئيس تيار المستقبل برئيس تيار المردة للبحث في آخر المستجدات المتعلقة بالتسوية الرئاسية.

ولفتت مصادر مطلعة لـ«البناء» إلى خلاف حاد بين الحريري ورئيس حزب القوات سمير جعجع، برز في مهاجمة الأخير للحريري بشكل غير مسبوق ودفع أمين عام تيار المستقبل أحمد الحريري إلى التأكيد من طرابلس أن لا صوت يعلو على صوت الحريري وأن الإمرة له في 14 آذار. وأشارت المصادر إلى «أن من شأن ذلك أن يدفع الحريري إلى إعادة تقويم الموقف بما يتناسب ومصلحته وسيكون جعجع في وضع جديد يختلف عن علاقته السابقة بالحريري، بخاصة أن جعجع عاش مرارة قاتلة من أن الحريري التقى فرنجية والتزم بترشيحه وبالتسوية من دون أن يبلغه بالأمر».

حزب الله وعون: لا نبني على أوهام

إلى ذلك يترقب حزب الله ورئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون مسار الأمور لاتخاذ موقف، فهما لم يؤيّدا الطرح الرئاسي أو يرفضا، لأنهما لا يريدان البناء على أوهام. وزار أمس، فرنجية رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل في منزله في البترون ووضعه في أجواء لقائه بالحريري، وبحث معه في الأوضاع العامة.

ورفضت مصادر قيادية في التيار الوطني الحر لـ«البناء» المقاربة التي يتم تداولها حول طرح ترشيح الوزير فرنجية إلى رئاسة الجمهورية، وأوضحت أن الأمر ليس قصة ترشيح فرنجية أو عدمها، بل هي الطريقة المستفزة بإعلان ترشيحه فضلاً عن الوعود الكاذبة التي وعد بها الرئيس سعد الحريري العماد عون والتي تبخّرت لاحقاً». وتساءلت المصادر «ما هي ضمانة أن يكون الحريري جدياً هذه المرة؟ ولماذا صرف النظر عن الجنرال كمرشح رئاسي والذي هو ممثل الأكثرية المسيحية ويملك الحيثية الوطنية الأكبر؟ وكيف نقبل أن يسمي الحريري الرئيس المسيحي من دون أخذ رأي المسيحيين وهم المعنيون بالأمر؟».

ولفتت المصادر إلى «أننا لسنا في أزمة رئاسة اليوم فقط، بل في أزمة نظام، فماذا عن قانون الانتخاب، هل سنقبل مجدداً بقانون الستين؟ مشددة على أنه قبل الاتفاق على رئيس يجب إنجاز تسوية متكاملة تشمل قانون انتخاب جديد متوازن وعادل.

لا تواصل بين الرابية وبنشعي

ونقلت المصادر عن العماد عون تشكيكه في جدية هذا الطرح وتخوفه من أن يكون فخاً من الحريري لتخريب العلاقة بين التيار الوطني الحر وتيار المردة.

وإذ نفت المصادر أي تواصل بين الرابية وبنشعي في الملف الرئاسي في الآونة الأخيرة، أشارت إلى أن مرشح حزب الله للرئاسة لا يزال العماد عون وأي كلام آخر لا يعنينا.

وأوضح نائب رئيس حزب الكتائب الوزير السابق سليم الصايغ بعد زيارته على رأس وفد من «الكتائب» رئيس حزب القوات أول أمس أنّهما بصدد «القيام بعمل مشترك لتنسيق المواقف» إزاء قانون الانتخابات النيابية الجديد من منطلق تأكيد ضرورة أن يكون «قانوناً عصرياً يؤمن الشراكة الحقيقية».

لجنة قانون الانتخاب تجتمع اليوم

إلى ذلك تجتمع لجنة دراسة قانون الانتخاب اليوم في ساحة النجمة، برئاسة منسق اللجنة النائب جورج عدوان للبحث في قانون الانتخاب. وعلمت «البناء من مصادر نيابية مشاركة في اللجنة أن البحث اليوم سيتناول تنظيم عمل اللجنة ووضع جدول الأعمال وتحديد كيفية الدخول في النقاش وما إذا كان العمل سيستكمل ما توصلت إليه النقاشات السابقة في لجنة التواصل أو أنه سيبدأ من نقطة الصفر». ولفتت المصادر إلى «أن البحث في اللجنة سيركز على إيجاد القواسم المشتركة بين اقتراح المختلط الذي تقدّم به النائب علي بزي القائم على انتخاب 64 نائباً على أساس النظام الأكثري و64 نائباً على أساس النظام النسبي، واقتراح المختلط الذي تقدم به حزب القوات والحزب التقدمي الاشتراكي وتيار المستقبل والقائم على انتخاب 68 نائباً على أساس النظام الأكثري و60 نائباً على أساس النظام النسبي ومشروع حكومة الرئيس نجيب ميقاتي والقائم على تقسيم لبنان 13 دائرة على أساس النسبية». ورجحت المصادر «أن يتم طرح وبصورة طبيعية اقتراح القانون القائم على اعتماد لبنان دائرة انتخابية واحدة على أساس النسبية الذي يحظى بدعم من حزب الله والتيار الوطني الحر والمقدّم من الحزب السوري القومي الاجتماعي».

… وحوار المستقبل – حزب الله اليوم

وتستأنف جلسات الحوار بين حزب الله وتيار المستقبل اليوم في عين التينة في الجولة الحادية والعشرين. ومن المتوقع أن يبحث المجتمعون في لقاء الحريري وفرنجية وتفعيل عمل الحكومة وفي الوضع الأمني. وعلمت «البناء» أن حزب الله «سيؤكد خلال الاجتماع على مفهوم السلة المتكاملة في انتخاب رئيس للجمهورية وإقرار قانون انتخابي جديد يحقق صحة التمثيل وتشكيل الحكومة».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى