المسألة الكردية

وليد زيتوني

سنحاول قراءة المسألة الكردية من الموقع الجيوبوليتكي، والدور الذي تأخذه في معمعة المشاريع المتعددة التي تضرب المنطقة. نتيجة لفراغ هذه المنطقة من مشروع قومي موحِّد وموحَّد. فجميع المشاريع القومية الآن تنخرط في معركة البقاء ومواجهة المد المذهبي التكفيري باعتباره النسخة المحلية للمشروع الأميركي.

طبعاً يستحيل بالواقع من خلال مقالة، الإحاطة الشاملة بالمسألة الكردية من الجوانب الأخرى سوسيولوجية أو اتنولوجية لذا ستقتصر المقاربة على انخراط المشروع المحلي الكردي في الإطار العام للمهمات المرحلية للسياسة الأميركية في المنطقة، ومحاولة الإضاءة على التقاطعات مع المشاريع المحلية الأخرى، على قاعدة المصالح أو ما يسمى الآن الخدمات المتبادلة.

قد يكون من المفيد تقسيم الحالة الكردية إلى ثلاث فئات كبرى حسب التوجهات العقائدية. مع الأخذ في الاعتبار التفاوت النسبي بالأحجام، ومن دون الإطلال على الدوافع التي أوصلت إلى هذه الحالة خارجية كانت أم داخلية.

الفئة الأولى: وهي الفئة الأكثر راديكالية التي تعمل على تحقيق الاستقلال لكامل ما يسمى بكردستان بما فيها المنطقة الكردية في تركيا وسورية وإيران، إضافة الى العراق.

الفئة الثانية: وهي التي اكتفت بوضع اليد على المنطقة الحالية، وتترقب الفرصة السانحة لتوسيع رقعتها الجغرافية وبخاصة تلك التي تضم موارد طبيعية.

الفئة الثالثة: وهي التي ترفض الانفصال وإنما بشروط مواطنية داخل الدول التي تعيش فيها. ربما تكون هذه الفئة هي الأقل عدداً على رغم الانشقاقات التي حصلت في حزب طالباني وعلى رغم وقوف شرائح لا بأس بها في سورية ضد العصابات التكفيرية.

من المعروف أن المشروع الأميركي يتبنى الحالة الكردية على حساب دول المنطقة، وإنما بضوابط تؤمن مصالحه، من هنا جاءت الأقاليمية في المشروع العراقي كحالة فيديرالية تؤمن مصالح الأكراد من جهة ولا تزعج كثيراً الدولة المركزية المفترضة بالعراق. وبالتالي تحسّن من شروط تركيا في سياق معالجتها لما تسميه بالتمرد الكردي، وبالتالي تطمئنها مرحلياً. غير أن المشروع الصهيوني يستعجل عملية الطلاق مع الإدارة المركزية في بغداد لاعتبارات موضوعية أصبحت ناضجة في هذا السياق. وقد تلاقت الرغبة «الإسرائيلية» مع المشروع السعودي الطامح بوضع اليد على منطقة الجزيرة وتحديداً في ديار مضر وديار ربيعة. وفي محاولة للتخريب على العلاقات الناشئة بين الولايات المتحدة الأميركية وإيران التي تعتبر السعودية مجرد حصولها إنما يكون على حسابها.

كانت عملية داعش في المحافظات الثلاث العراقية تحت أنظار قيادة الإقليم الكردي وبالتفاهم معه مقابل السكوت عن الدخول إلى كركوك الذي سيعزز لاحقاً الاقتصاد في الإقليم من مدخول النفط الذي بدأ تصديره إلى الكيان الصهيوني عبر الأراضي التركية. فعملية داعش كانت ثمرة الاتفاق الصهيوني الوهابي بغية إعادة الوضع في العراق إلى نقطة الصفر، وانقلاب مبدئي على النتائج الديمقراطية للانتخابات. والعمل باتجاه التقسيم.

إن عملية تقسيم العراق، إذا ما حصلت ستعطي الحالة الكردية مشروعية الدولة وهي بالتأكيد ستتماهى مع الكيان الصهيوني، من حيث الشكل والمضمون، إنما بقدرة ذاتية أكبر وبمساحة جغرافية أوسع، وتلعب دوراً سياسياً وأمنياً على مستوى المنطقة كلها. فهي جارة إيران من جهة وفي حالة عداء معها للاشتباك الحدودي الجغرافي المتوقع. وهي ستنسج مع تركيا نفس الوضع الإيراني لكن في مرحلة ثانية وعندما يحين وضع حد للدور المرسوم للتركي في المنطقة. وهي بالتأكيد ستكون على حالة عدائية دائمة مع سورية في ما يخص منطقة القامشلي وفي محاولة منها لاقتطاع ممر بحري لها موازٍ للحدود التركية. يبقى طبعاً وفي حال نجاح مشروع التقسيم أن تقيم علاقات سوية مع دولة داعش الوهابية ومن خلالها إلى السعودية والخليج إن استمرت الأوضاع فيها على ما هي الآن.

فهل من مصلحة الأكراد البقاء على حال العداء مع المحيط؟

وهل هناك محاولات من ما تبقى من دول المنطقة لاستيعاب هذه المسألة قبل الوصول إلى حالة الصفر؟

هل العراق جاهز لإرساء تفاهمات جدية وعملية وواقعية وأكثر من ذلك عادلة لحل هذه المشكلة المزمنة؟

أسئلة برسم التاريخ.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى