«داعش» خادم العدوَّين!
سميح سليمان
يتراوح عدد المتزمِّتين «الإسلاميين» في فرنسا، بحسب التقديرات، بين الخمسة والعشرة آلاف شخص. واستناداً إلى معلومات سرّبتها أجهزة المخابرات، يتواجد ألف وخمسمائة من هؤلاء في سورية التي وصلوها عبر الحدود التركية من أجل «الجهاد» في صفوف الجماعات الإرهابية المؤتلفة حول «داعش» و«جبهة النصرة»، أو تنظيم «القاعدة». تجدر الإشارة هنا إلى أنّ قنوات كثيرة ومفتوحة تُتيح في فرنسا، كما يبدو، الانتقال بين أوساط الإتجار بالمخدرات والسرقة نشلاً من جهة، وبين أوساط الإرهابيين من جهة ثانية. غالبية الإرهابيين الذين اقترفوا جرائم في فرنسا، هم من أصحاب السوابق، ليس فقط في ميدان «الجهاد» ولكن في مجال الانحراف والسرقة أيضاً. هذا يؤكّد أنّ للإرهاب جاذبية على الغوغاء، وأنّ إظهار التديُّن وممارسة العبادات في الساحات العامة، ليس دليلاً على صدق الإيمان، بل على العكس، وقد يكون أحياناً وسيلة ارتزاق أو انتقام، أو تعبيراً عن إحباط ويأس، «ما تتعلقون من الإسلام إلا باسمه، ولا تعرفون من الإيمان إلا رسمه».
ما حملني في الواقع على مداورة هذه المسألة في الذهن، هي الفاجعة التي وقعت في 13 تشرين الثاني في باريس. أوصلني ذلك إلى خلاصة تفيد بأنّ دول النفط الخليجية، وتحديداً مملكة آل سعود وأمراء قطر، ساهموا في فرنسا وبلجيكا أيضاً، بشكل أو بآخر، في تفشّي «وباء» الإرهاب. إذ لا شكّ في أنّ «مَكرُمات» جماعة النفط تُغذّي بعض المساجد في فرنسا وبلجيكا، التي تحوّلت إلى مدارس تُدرَّس فيها «الوهّابية» تحت إشراف «جمعيات إسلامية» و«هيئات» أوكل إليها تمثيل «المسلمين»، والنطق باسمهم!
مجمل القول، لقد أغوى أمراء النفط الخليجيون، بتوظيفاتهم ومشترياتهم، الحكومات والصناعيين والتجار في البلاد الأوروبية وفي الولايات المتحدة الأميركية، هذا من ناحية، أما من ناحية ثانية فقد اجتذبوا شبيبة ضواحي المدن، العاطلين عن العمل، الضالّين، المنبوذين في المجتمع، المعذّبين في الأرض، الجهلة الذين لفظتهم المدارس، الذين تبيّنوا أنّ الأفق أمامهم مسدود.
لست هنا بصدد البحث في العوامل التي جعلت جزءاً من شبيبة ضواحي المدن في أوروبا والولايات المتحدة الأميركية أمام خيارين أحلاهما مرّ. طريق السرقة والمخدرات والتهريب التي تُوصل إلى السجن أو طريق الإرهاب والجريمة ضدّ الأبرياء، عُشّاق الموسيقى، وروّاد المعارض الفنية، التي تؤدّي إلى القبر!
ما أودّ قوله هو إنّ ما يحدث في البلدان الأوروبية هو نتيجة التملّق لآل سعود، حدث مثله في البلاد التي يقود فيها الأخيرون وأعوانهم «الثورة» منذ خمس سنوات.. بمعنى أنّ آل سعود وأمراء الخليج، بنوا في سورية وغيرها، مدارس لتعليم «الوهّابية» وأسموها مساجد وأنشأوا الحركات والجمعيات «الإخوانية»، ونشروا دعوتهم في أوساط الفقراء والمهمَّشين.
من نافلة القول إنّ حسابات أهل السلطة في سورية كانت خاطئة. هذا ما أثبتته حرب السنوات الخمس. ولكنّ الأولوية الآن هي لإنقاذ سورية والسوريين، أي لمحاربة الإرهاب ودحره. فقد جعل الإرهابيون من الفقر والجهل والبطالة، قنابل ومدافع وجسوراً دخل منها المستعمرون والوهّابيون والعثمانيون إلى جسم المجتمع. وأغلب الظن أنّ الفرنسيين أخطأوا هم أيضاً. إنّ تجارتهم مع آل سعود وآل ثاني ليست مُربحة، لكنّ هذا موضوع آخر!