ارتداد الإرهاب والانعطافة الأوروبية وازدياد عزلة تركيا
بشرى الفروي
الإرهاب بات ظاهرة إجرامیة متحرّكة لا تعبَأ بالحدود، فهو الآفة التي تهدّد دول العالم كافة ولا تقتصر على دول بعينها. الأعمال الإرهابیة لم تأت من فراغ ولم تتم بالصدفة، وإنما هو نتیجة حتمیة لتجاهل البعض أولویة محاربة الإرهاب وعدم التعامل مع هذا الموضوع بالجدیة والاهتمام اللازمین، فتدخل الدول الغربية في شؤون دول المنطقة ودعمها للتنظيمات التكفيرية واستخدامها أداة وسلاحاً سياسياً للضغط على سورية بهدف تحقيق مصالحها الخاصة، أدى إلى إذكاء نار الإرهاب حتى تمددت وارتدت ووصلت عمق هذه الدول. فالاعتداءات الإرهابية التي استهدفت العاصمة الفرنسية باريس لا يمكن فصلها عن الهجمات الإرهابية الأخرى، فالإرهاب واحد في العالم ولا يعترف بالحدود.
اللاجئون لم تخلقهم الأقدار، وإنما أنتجتهم السياسات الغربية الخاطئة، فالحرب على العراق وليبيا وسورية كلها ساهمت في خلق هذا التدفق من اللاجئين، مما دفعهم إلى مغادرة بلادهم، ولكن طريق هجرة اللاجئين السوريين وجدها الإرهابيون وسيلة للوصول إلى أوروبا، وهذا ما أشار إليه الرئيس السوري بشار الأسد بحديثه لتلفزيون التشيك بقوله «إن هناك إرهابيين بين اللاجئين السوريين الذين يشقون طريقهم إلى أوروبا»، حيث أكد الأسد أن اللاجئين السوريين «خليط» وأغلبيتهم من السوريين الشرفاء الوطنيين، لكن هناك إرهابيون تسلّلوا بينهم، وهذا أمر حقيقيّ، حيث وصل مئات الآلاف من اللاجئين السوريين إلى أوروبا هذا العام بدون وثائق غالباً مما أثار مخاوف كثير من البلدان من احتمال تسلل متشددين إسلاميين بينهم ولاسيما بعد الهجمات الإرهابية التي تبنّاها تنظيم «داعش» التي شهدتها باريس في 13 تشرين الثاني ، مما دفع الاتحاد الأوروبي لفرض مزيد من القيود على القادمين إلى دول الاتحاد.
على الرغم من حملة التشويه الغربية والعربية المقصودة للعمليات العسكرية الروسية في سورية لجهة مدى فعاليتها في محاربة تنظيم «داعش»، تبدي الدول الغربية رغبة أكبر في الانخراط للقتال ضد داعش، خصوصاً بعد التهديدات والهجمات الإرهابية التي اجتاحت أوروبا، حيث تعتزم المانيا إرسال 1200 جندي إلى الشرق الأوسط بنهاية العام لتقديم خدمات الدعم لطائرات وسفن التحالف الذي يقاتل ضد تنظيم داعش، وهذا ما أكده رئيس الأركان الألماني «فولكر فيكر» لصحيفة «بيلد أم زونتاج» الألمانية.
أما المستشارة الألمانية «أنجيلا ميركل» فقد تعهّدت أيضاً بمساندة الحملة ضد التنظيم خلال محادثات أجرتها مؤخراً مع الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند الذي دعا المزيد من الدول لتقديم يد العون في التصدّي للإرهابيين بعد هجمات باريس الأخيرة.
وفي الوقت الذي لم تحشد به بعد الحكومة البريطانية التأييد الذي تحتاجه للحصول على موافقة البرلمان على توجيه ضربات جوية ضد تنظيم داعش في سورية، فقد أكد رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون: «أن الوقت حان لتنضمّ بريطانيا إلى الغارات الجوية التي تستهدف التنظيم» .
الانعطافة الأوروبية الغربية ولو جاءت متأخرة والمتمثلة بتصريحات مسؤوليها، ودفعها إلى تكثيف الجهود والتعاون مع روسيا حالياً والقيادة السورية لاحقاً للقضاء على الإرهاب وهذا بالتالي يساعد سورية للخروج من أزمتها بشكل أقوى سياسياً وعسكرياً.
التطورات الأخيرة في المنطقة أدت إلى زيادة عزلة تركيا أكثر فأكثر نتيجة سياسة حكومتها العدوانية الضالعة حتى النخاع في دعمها اللامحدود للتنظيمات الإرهابية في سورية وتدفقها على الحدود بين البلدين، ورهانها الخاسر على الإخوان المسلمين في مصر، فالمخططات التركية التي سعت أنقرة إلى تنفيذها طوال السنين الماضية في سورية والمنطقة باءت بالفشل كلها، وتراجعت علاقاتها مع حلفائها كالولايات المتحدة. وهذا ظهر بعد مطالبة واشنطن أنقرة بتكثيف انتشار قواتها على الحدود مع سورية وإغلاقها بما يمنع تنقل مسلحي داعش بين البلدين ونزوحهما في نهاية المطاف إلى أوروبا. إن شروط اللعبة قد تغيّرت، ولا بد من إغلاق الحدود، حيث بات خطر المسلحين يحمل طابعاً عالمياً بعد نزوحهم عن سورية قاصدين أوروبا عبر الأراضي التركية. فهذا يُعتبر تحذيراً من واشنطن للجانب التركي من مغبة التعرّض لرد أوروبي «قاسٍ»، إذا ما تقاعس في ضبط حدوده واستطاع الإرهابيون تنفيذ هجمات جديدة على أوروبا.