من «داعش» إلى «إسرائيل»

عدي رستم

من يراقب تطوّرات الجغرافيا السياسية للمنطقة في هذه اللحظات يتوقف أمام مجموعة تحوّلات دراماتيكية تشكل مفاصل أساسية لرسم صورة المشهد السياسي فيها، عبر مجموعة من الحوادث تحتلّ موقع الصدارة على المسرح السياسي.

إنّ درجة وضوح هذه الصورة أو غموضها تتوقف على رسم خط بياني لتطورات الحوادث فيها وليس على مسارها اللحظي الذي قد يبدو للبعض قاتماً من خلال التركيز على الدمار والتخريب والقلق الذي يحكم المستقبل المكتنف بالغموض، ولذلك فمن البديهي والمنطقي ينبئ أنّ مسار الحوادث الآتي بشكل قد يكون خادعاً ويرتب انطباعاً ذهنياً سلبياً مقلقاً في تقدير حجمه الأولي.

ثمة مجموعة من الحوادث التي قد تبدو على المشاهد غير محكومة بالتقاطعات لكن من يقرأها بهدوء وعقلانية ويقاربها بعقل بارد يلاحظ سرّ التوقيت الذي يحكم روزنامة هذه الحوادث:

ما يحصل في العراق متزامناً بالقلق الذي يحكم الساحة العراقية من خلال تمدّد «داعش» وهي أقرب إلى أن تكون فيدرالية ناظمة في خط فكري أصولي تكفيري – غرب العراق، والسيطرة على مناطق نفطية، يفتح شهية الأكراد على إنشاء دولة كردية مستقلة، خاصة بعد الاتفاق على عدم التعرّض «الداعشي» للقوات الكردية، وهذا ما لمح إليه البرزاني خلال لقائه وزير الخارجية الأميركي جون كيري.

تتصدر «داعش» اليوم واجهة المعارضة بدلاً «لقاعدة» التي فشلت في أن تكون عنواناً بديلاً من ميليشيات الحرّ التي امتلكت قرار الميدان للمعارضة المسلحة، وسبب فشلها في سورية أنّ وزن «الإخوان» والوهابيين في المنطقة غير قادر على تشكيل ميزان قوى عابر يسقط الشرعية عن الدولة السورية العابرة للطوائف ويحصرها في طوائف معينة، ومثلما أنّ المواجهات في الداخل السوري محكومة بتوازن قوى معينة محسومة لمصلحة الجيش العربي السوري الذي أثبت كفاءة أذهلت حلف الحرب على سورية، كان البديل من الفشل في سورية إشعال الحريق في البيدر العراقي حيث نسبة وازنة من العراقيين الذين يمكن اعتبارهم بيئة حاضنة وداعمة لـ«داعش» ومثيلاتها سياسياً وميدانياً.

يتزامن هذا الانفلات في الوضع العراقي والسيطرة «الداعشية» على مناطق نفطية والاتفاق مع الأكراد وخطر تمدّد «داعش» إلى الأردن مع دخول «إسرائيل» التي تمسك بدفة قيادة الحوادث من وراء الكواليس، لتكشف عن نقابها للمرة الثالثة عبر غارات تستهدف جنوب سورية من جهة والانفجارات التي تهز لبنان من جهة أخرى لخلق مناخ فتنوي، تمهيداً لانقسام يكسر الحدود نظرية كيسنجر يمتدّ إقليمياً ليشمل العالم العربي عبر مجموعة عناوين تهدف إلى إقامة كانتونات على أساس طائفي وإثني وعرقي، ضرب مفهوم الشراكة الوطنية تمهيداً لإسباغ الشرعية على إقامة الدولة اليهودية هذا ما أوضحه الرئيس بشار الأسد منذ عام 2003 بعد احتلال العراق ، علماً أننا مقبلون على موعد انسحاب الولايات المتحدة الأميركية من أفغانستان.

هذه العناوين المحلية والمرحلية في قلب هذا الخضمّ المتلاطم من الحوادث والتي برز فيها فريقان يصطفان على خندقين متقابلين، هي جزء من اشتباك زمني عمره سنوات بين الكتلة التاريخية لحلف المقاومة برؤية استراتيجية لبناء توازن قوى نوعي جديد ومختلف في المواجهة مع «إسرائيل»، والآلة «الإسرائيلية» المحمية أميركياً والمغطاة والمموّلة عربياً من عباءات النفط والغاز والأموال المنفلتة من جراء عدم الاستخدام الواعي لتنمية مصادر القدرة على مواجهة الأخطار المهدّدة للكيان والوجود عامة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى