تحرير الجنود الـ16.. الحاجة لوقفة عز تساوي الحياة
هاني الحلبي
يحق للبنانيين أن يسمعوا اليوم: مبارك تحرير أبنائكم المخطوفين لدى ما يُسمّى جبهة النصرة التي اختلفتم حولها إن كانت إرهابية أم لا، بعد أن تناسى بعضهم مجازرها من الجولان إلى إدلب، وبعد ذبح جندي لبناني وقتل آخر بالرصاص!! ومباركةٌ شهادات شهدائنا علي السيد وعباس مدلج وعلي البزال ومحمد حمية. هم في وجدان لبنان وشرفائه ومتوّجون في سجل الخلود. وهم دَينٌ وطني مستحق لرفع ظلاماتهم لا يتقادم حقهم.. فيزول
وترّهات لا تنتهي يبرّر الإرهابيون بها فظائعهم اشتقاقاً من «وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ.. الأنفال 60 ، منها: لكنّ الذبح والقتل، وإن كانا قاسيين، لكنهما لرفع الحيف عن المسلمين ، و رفضاً لإلحاق بلاد الشام ببلاد فارس ، واستنكاراً لـ تشييع مسلميها على مذهب الروافض ، بحيث تزوغ بوصلة تحديد العدو: مَن هو عدوّ الله؟ ومَن هو عدوّكم؟ وكيف يكون إرهابهما؟ هل ببيع النساء وتداولها بين ذكور القطيع الإرهابي المسوق بالغريزة والمال والمخدرات والفتاوى التلفيقية الشكلية؟…
كان متوقعاً نشوء عقبات جديدة، فكانون الأول داهمٌ في الجرود وجثة الشهيد الطيار الروسي تمّ تسليمها أول من أمس بمهابة في موسكو، ما عطّل ابتداع معوقات جديدة، بخاصة أنّ مصلحة لبنان حكومة وشعباً ومجتمعاً مدنياً تفرض تحرير أبنائه بعد حوالي سنة ونصف من خطفهم، كذلك للخاطفين، مهما كابروا، مصلحة محققة بالتخلص من عبء المخطوفين، بعدما بدأت نُذُر الأسابيع المقبلة تدلهمّ حولهم وبالتالي تحقيق مكاسب مهما كانت، أفضل من انعدامها لاحقاً.
وإن رأى اللواء عباس إبراهيم أنه لا يمكن تحرير المخطوفين من دون ثمن ما، كذلك حاول الإرهابيون الخاطفون رفع شروطهم، فرُفضت حتى استسلموا للقبول بمبادلة المخطوفين بسجناء تسمح ملفاتهم القضائية بإخراجهم من سجون لبنان.
لكن برز من تحرير الجنود الـ16 اليوم عبر ودروس يلزم الواجب المهني والوطني تحديدها: ضرورة الكتمان في التفاوض وفي التنفيذ، إبعاد الإعلام، بل كمّ أفواه قنوات رخيصة في سياستها السياسية الدعائية ومعظم أداء مراسليها تحت الحدّ الأدنى المهني والوطني والأخلاقي لابتزاز عين المتلقي وأعصاب المواطن فتنفث سموم لاقيمها اللاوطنية في قلوبهم وعقولهم، تحت يافطة الخبر الأسرع و سبق أنّ كاميرانا كانت هناك ، بين أحضان جبهة النصرة، وحققنا مع العسكريين نسألهم شعورهم في هذه اللحظة الحميمة، وكيف كانت خدمة الخمس نجوم في بيت أبو طاقية أو في أوكار الجرود، وبماذا تتوجّهون للخاطفين…؟ ففاضت ألسنة الضحايا بآيات الشكر على نعمتَيْ الخطف والإفراج… حتى مدخل السرايا الحكومية فيشيد أحدهم شاكراً جبهة النصرة وأميرها القلموني أبا مالك التلي أم الجبلي أم الشامي.. مَن يدري ما كنيته الجبهوية الآن؟ وغداً!! ولم يرعوِ ذاك العسكري جورج خزاقة، المحرّر رغماً عنه كما يبدو، عندما لفتت نظره إحدى الزميلات أنك صرتَ خارج عرسال .. فكرّر شكره المشبوه فيه. هل هذا مهمة نصروية جديدة أسندت إلى بعض المحرَّرين ، للإشادة بالفضل النصروي : ذبح رفيقهم، وإعدام آخر، وتشريد عائلاتهم، وأهاليهم على طرق ومفارق لبنان وعلى أبواب سياسييه وهم كل ذنبهم أنهم جنود في جيش لبناني قرّر السياسيون المقامرة به على أمل كمّون الهبة السعودية، نكاية بإيران وسورية؟ مخطوف يشيد بفضل يد الذبّاح وليس مَن كبّل يد الذبّاح بأنه قادر على كسرها وعلى ذبح مساجينه رأساً برأس وأكثر..
وما أن وطأت أقدام العسكريين مقرّ قيادة اللواء الثامن حتى أهدى بعضهم تحريرهم إلى قائد المقاومة السيّد حسن نصرالله وإلى اللواء عباس إبراهيم وكل مَن سعى لإخراجهم.. و المجالس بالأمانات وحده المطلوب أبو طاقية تذكّر النائب وليد جنبلاط والوزير وائل أبو فاعور بمساعيهما.. حتى توّج المحرَّر خزّاقة مثلاً.. شكر النصرة على باب السراي الحكومي بلا رادع ولا وازع!!!
كذلك فإنّ شروط الاتفاق نصّت على التموين الشهري للمخيمات في عرسال، وتأمين إقامات للجرحى في لبنان أو تأمين تسفيرهم إنْ أرادوا إلى تركيا، وتجهيز مشفى عرسال وإبقاء التواصل قائماً بين عرسال وجرودها.. يعني احتمال خطف الإرهابيين لعرسال أصبح قاب قوسين أو أدنى باعتراف الدولة، ليلوذوا إليها شتاءً، وهي كانت لم تكن محرَّرة منهم بعد، إلا باستعراضات وقتية تعبق فيها دخان آليات بعض أفواج الجيش بينما يجول الإرهابيون ويصولون قتلاً وتفجيراً وخطفاً لأبناء عرسال أو في تصفيات سرية؟
هل يمكن تصحيح هذه العيوب وتلافي تكرارها في أيّ تفاوض مقبل مع داعش قبل دخول منطقة جرود عرسال والقلمون خريطة القصف الروسي في الأسابيع المقبلة؟ ومعلوم أنه بقي لنا 9 مخطوفين تكتم تنظيم داعش عليهم، ومع عدم وجود قناة اتصال جديّة تُذكر، كما أكد وزير الداخلية، رغم تطوّع المطلوب أبو طاقية أو بـ إحسانه بلعب دور ما في الملف!!
و كنوز داعش وأخواته في قبضة الأمن اللبناني أكثر من أن تُحصى، من مثير الفتنة أحمد الأسير، وأمير كبتاغون سعودي، وصولاً إلى انتحاريين للتفجير في لبنان فضلاً عمّن كانوا يُعدّونهم وينقلونهم، وليس آخرهم اللقيس الذي ضبط مؤخراً متنكراً في مطار بيروت، فربما لكلّ هؤلاء وزن لدى محرّكيهم ليهتمّوا بالتفاوض فنجبي ثمنهم تحرير جنودنا، وتعزيز هذا الرصيد يسرّع عجلة تحريرهم. أما معرفة كيفية تسييله مفاوضات وآلية وخطة وطنية يعرف محترف كبير كاللواء عباس إبراهيم كيف يُطلقها ويصل بها خواتيم الجلجلة.
يبقى، أنه يحسُن بمديرية التوجيه في الجيش اللبناني والمديرية العامة لقوى الأمن الداخلي إعادة النظر في أصول التربية الجندية وصولاً إلى تصويب عقيدة الجندي اللبناني ليقرب من سوية عقيدة المقاوم الذي يتذوّق قيمة وقفة العز التي تساوي الحياة كلها، بخاصة بعد تصريحات بعض المحرَّرين التي تستدعي المساءلة القانونية!!
في هذا الصدد أذكر ما قاله المقاوم القومي سمير خفاجة، أحد أبطال عملية الهروب الكبير بنفق من معتقل أنصار ليل السابع من آب صيف العام 1983، خلال مقابلة له عبر إحدى قنوات العدو خلال أسره لإذلاله والتشهير به، فكانت المفاجأة أنه افتتحها بـ تحيا سورية ، وأكد لليهود سقوط عملية سلامة الجليل بعد أيام من اجتياح جنوب لبنان بدليل قصفه الجليل بالصواريخ…
هي وقفة العز فقط!! هي دقائق إلهية أثمن من نعمة الحياة نفسها تجلو قيمنا القومية وتؤكد لعدو الحياة أنه مجرد بيت عنكبوت زائل أمام الروح القومية المقاومة وقيَمها الثورية.
أليس عظمةً ونبلاً أن نكون في أسرِنا قادرين وبموتنا قاهرين؟!
ناشر موقع حرمون
WWW.haramoon.org gmail.com