بين فكر الدولة وسلوك الميليشيا الغلبة لشعار «لا شكر على واجب»…

سعدالله الخليل

ثلاث تسويات وصلت إلى خواتيمها السعيدة في أقلّ من 48 ساعة بعد استعصاء دام أكثر من ستة أشهر، فمن جرود عرسال وتحرير الجنود اللبنانيين المختطفين لدى جبهة «النصرة»، إلى حي الوعر في مدينة حمص، وإنجاز تسوية خروج المسلحين من الحيّ مروراً بقدسيا في ريف دمشق، التي شهدت تسوية مشابهة وإنْ كانت أقلّ حجماً وتعقيداً، ثمة خيوط ربط وخطوط تواصل وأهداف ورؤى متطابقة قد تختلف في الشكل والتفاصيل وتتطابق في المضمون.

لا يجادل عاقل بتشعّب ملف تحرير الجنود اللبنانيين وتوزّع القوى الفاعلة فيه على أكثر من جبهة، وضعت ثقلها حتى أوصلت الملف إلى خواتيمه السعيدة، فبين لبنان وسورية وقطر دارت الدوائر، وفعلت المفاوضات فعلها بالحزم تارة وباللين تارة أخرى.

في كلّ صفقة تفاوض لا بدّ من ثمن يدفع، فالتعاطي مع التنظيمات الإرهابية لا يحكمه منطق أخلاقي ولا قانوني، فلو اعترفت تلك الجماعات بالأخلاق والقانون لما أقدمت على الخطف أساساً، وبالتالي فإنّ دفع الثمن واجب على كلّ من يتعامل بمسؤولية أخلاقية وإنْ كان في أحيان كثيرة لا يتوافق مع القانون ويطرح تساؤلات عدة عن مبرّرات دفع الثمن وأحقيته.

في صفقة تحرير الجنود اللبنانيين دفعت سورية والمقاومة الثمن وسلّمت كنوزاً استخباراتية وصيداً ثميناً، فما كانت لتتمّ الصفقة لولاً الإفراج عنه بالإفراج عن معتقلات على علاقة مباشرة بجبهة «النصرة»، بالرغم من عمق الجراح التي خلفها التنظيم في صفوف القاعدة الشعبية السورية وحلفائها في لبنان، وهو ما أثار موجة تساؤلات وعتب جراء التفريط بتلك الكنوز، وولّد لدى أهالي الشهداء غصة في القلب زادتها التصريحات اللبنانية الشاكرة لقطر، والمتجاهلة للدور السوري في إتمام الصفقة، وكأنّ ما دفعته سورية فرض عين عليها لا يستحق الشكر.

ليست المرة الأولى التي يشعر فيها السوريون بالظلم من تجاهل أطراف لبنانية للتضحيات السورية، فمشهد الشكر لقطر يعيد إلى الذاكرة دموع عائلات الشهداء السوريين في لبنان، وحرقة قلوب السوريين أثناء خروج القوات السورية من لبنان عام 2005، وما لاقته من سخرية وإهانة من لبنانيين ليسوا ببعيدين عن شاكري قطر اليوم، إلى أن أعادت حرب تموز والحرب على سورية الأمور إلى مسارها ووضعت الدم والخيار السوري اللبناني في المواجهة المباشرة مع العدو الأوحد، وقبضت حينها قطر الثمن كما قبضته بالأمس شكراً على إدارة عملية شبيهة بإدارتها لخاطفي العسكريين اللبنانيين، فيما دفعت سورية والمقاومة ثمن الصمود وتعاطيا مع القضية انطلاقاً من دورهما المسؤول الحريص على سلامة وراحة مواطنيهما، فحين تساهم سورية بتحرير العسكريين اللبنانيين تنطلق من مبدأ ردّ الجميل لحليف في حرب طويلة بعيداً عن الاستعراض وانتظار الشكر.

وكما تعاطت الدولة السورية بمنطق المسؤولية مع تسهيل تحرير الجنود اللبنانيين سهّلت عملية التفاوض مع تسوية أوضاع المسلحين في كلّ من قدسيا والوعر في حمص، بتأمين ممرات آمنة لرافضي التسوية بالخروج من المدن بما يوفر للمدنيين فرصة العيش بسلام وعودة الحياة الطبيعية إلى المدن وتنفسّهم الصعداء برحيل المسلحين، ويجنّب البنية التحتية والأهالي تبعات المعارك بحقن الدماء ومنع الدمار، وهو آخر ما تفكر فيه المجموعات المسلحة التي تحتمي بالمدنيين كدروع بشرية.

بين عقلية الدولة وفكر الميليشيا ثمة فرق شاسع يضع الكبار أمام مسؤولياتهم التاريخية دونما التفات إلى صغائر الأمور، وفي لحظة الحقيقة فإنّ الغلبة لشعار «لا شكر على واجب».

«توب نيوز»

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى