معرض بيروت العربي الدولي للكتاب 59… آراء ووجهات نظر

لمى نوّام

يواصل معرض بيروت العربي الدولي للكتاب فعالياته واستقبال محبّي الكتاب والثقافة والمطالعة. وبينما يجمع عدد كبير من الروّاد على أنّ تنظيم المعرض في ظلّ هذه الأجواء الأمنية القاتمة القائمة في المنطقة، يعدّ إنجازاً قائماً بحدّ ذاته، إلا أنّ بعض المثقفين من أهل القلم، لهم آراؤهم ووجهات نظرهم.

«البناء» التقت عدداً من الشخصيات المعروفة ثقافياً وأدبياً، واستطلعت آراءهم حول الإقبال على المعرض، وما يُعرض فيه.

يقول رئيس اتحاد الكتاب اللبنانيين الدكتور وجيه فانوس: يؤسفنا أننا ما زلنا، على رغم كل الآلام والصعاب في عاصمة الثقافة بيروت، ومعرض الكتاب فيها قد يكون خاليا من الروّاد والقرّاء. كما يؤسفنا أننا لا نجد في قاعات المحاضرات إلا المؤلف وعدداً من أصدقائه لا غير، يأتون عن طريق المحبّة، أو عن طريق المجاملة، ولا أحد سواهم. يؤسفنا أننا وصلنا إلى هذه المرحلة. ولا بدّ من أن تكون لنا استراتيجية ثقافية مختلفة عن كل تلك المرحلة السابقة التي أوصلتنا إلى كل هذا. و مع كل هذا، تحية كبيرة إلى القيّمين على معرض الكتاب وإلى روّاد الثقافة في لبنان، وإلى جميع دور النشر، وإلى جميع الجنود المجهولين الذين هم المؤلفون الذين يقدّمون هذه الأعمال. ودعوة من جديد إلى القراءة والثقافة.

بدوره، قال الدكتور حبيب فياض: كما جرت العادة، يمكننا أن نقول إن المعرض يشكل تظاهرة ثقافية ضخمة، ليس فقط على مستوى لبنان، إنما على مستوى العالم العربي، لا سيما في هذه الظروف الاستثنائية التي يعيشها لبنان والمنطقة. نحن بأمسّ الحاجة إلى ترويج الثقافة والمعرفة والفنون، كبديل عن الفراغ الذي يعيشه العالم العربي، والذي يُملأ من خلال الإرهاب بدلاً من أن يملأ بالثقافة والفنون.

وأضاف فياض: المعرض هذه السنة يشكل استمرارية للرسالة التي حملها المعرض على مدى السنين الماضية، على رغم أن إقبال الناس على القراءة ومطالعة الكتب، ليس كما يجب، إلا أننا يمكننا القول إن المعرض ما زال يشكل شمعة تضاء على طريق الظلام المعرفي والثقافي والفكري الذي يعيشه العالم العربي. نحن بأمسّ الحاجة إلى الكتاب، لأن الكتاب وحده يمكنه أن يشكل طريقاً للخروج من الأزمة التي يعيشها العرب.

من جهته، قال الدكتور عبد الحسين شعبان: الكتاب خير جليس للإنسان. ولكن هذا الجليس في عالمنا العربي الملآن بالأحزان والمآسي، أصبح صعباً، لدرجة أن سوق الكتب لا تزال شحيحة، وأن النخبة انصرفت إلى حدود غير قليلة لأشياء أخرى، إما بسبب الوضع الاقتصادي أو الأمني، أو بسبب التفتت الذي حصل لدى كثيرين من الأشخاص والفئات تحت عناوين البحث عن هويات فرعية، الأمر الذي أضعف الهوية الثقافية والفكرية العامة لمجتمعاتنا. ومع ذلك، يبقى معرض بيروت العربي الدولي للكتاب واحداً من المنارات المهمة على صعيد الثقافة والفكر وتبادل الآراء.

وأضاف شعبان: من الندوات التي نظّمت على هامش المعرض، ندوتنا لمناقشة كتاب الدكتور عصام نعمان، وما هذه الندوة إلا دليل على أن ليس بالسياسة وحدها يحيا الإنسان، إنما الثقافة التي يمكنها أن تكون رديفاً في صراعٍ وجودي وكياني مع ما هو قائم، لرفض الاستكانة والخنوع.

وعمّا بدا مختلفاً في معرض الكتاب هذه السنة، يقول الشاعر شوقي بزيع: صعب أن تتم نقلة نوعية في ما يخصّ الثقافة بين سنة وأخرى، لأن نقلات كهذه، تتطلب عادةً عقوداً وسنوات لكي تنضج. لذلك، لا لمسة إضافية في هذه الدورة من معرض الكتاب، باستثناء بعض التفاصيل التي تتعلق بطغيان هذا النوع من الأدب أو ذلك النوع بين سنة وأخرى. هناك موجات من الكتب، ترافق عادةً حالات نهوض دينيّ أو قومي أو وطني، أو لها علاقة بالرواية أو الشعر، وتتراجع هذه الموجات وتتقدم وفقاً لأوضاع سياسية واجتماعية تعيشها المنطقة.

ويضيف بزيع: الآن، ليس هناك، كما كان يحدث في السابق، هذا الرواج للكتاب الديني، ربما لأن في مرحلة من المراحل، كان الدين يبدو بالنسبة إلى البعض وكأنه خطّ الدفاع الأخير عن وجدان الأمة والوطن بعد انكفاء تيارات سياسية وإيديولوجيات كبرى. لكن بعدما استشرت حالات التكفير والإرهاب، تراجع هذا الأمر إلى حدّ بعيد، وبدأ الناس يبحثون عمّا يتخطى المذاهب والطوائف لمعناها المباشر، لكي يبحثوا عن جذور المسائل على المستويين الفكري والثقافي.

وفي ما يخص الرواية قال بزيع : الرواية كما سمّاها أحد النقاد، هي ديوان العرب المعاصر، وبرأيي هي ديوان العالم، وهي لا تزال في حالة ازدهار.

وعن المقارنة بين الرواية والشعر قال: الآن، نرى تقدّماً للشعر على حساب الرواية، يكفي أن نستعرض البرامج الثقافية للمعرض هذه السنة، والكتب المعروضة، لنرى أن هناك عشرات الدواوين الشعرية التي تصدر في مقابل عدد أقل من الروايات. لكن يجب أن أشير هنا إلى أمر أساسي، أنّ التراكم الكمّي لا يعني تبدّل النوعية في الحالات كافة، ذلك لأن الإقبال على الشعر ساهم في حصوله وانتشاره وسائل التواصل الإجتماعي و«فايسبوك» بشكل أساسي، وهناك العشرات ممّن يكتبون نصوصاً على «فايسبوك»، يعودون إلى طباعتها في كتب، وإصدارها وإقامة حفلات توقيع، لكي يردّ الناشرون كلفة الكتب التي يطبعونها.

ويؤكد بزيع قائلاً: هناك وضع ملتبس الآن، خصوصاً على صعيد الثقافة بوجهٍ عامٍ، بحيث أن هناك المئات من الكتب الجديدة، لكن الكتب التي تتمتع بالجودة، قليلة، وهذا يعود إلى وضع المنطقة، لأننا لا نستطيع أن ننتج أدباً عالي الجودة إذا كنّا نحمل أعباء حياتنا اليومية، من ضغوط أمنية قاتلة، وظروف معيشية غير طبيعية، كل هذا ينعكس سلباً على المستوى الثقافي. يختم بزيع.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى